* من قلب محب وكيان متعطش إلى لقائك في كل حين، ونفس متشوقة لتكون بين أحضانها، ومن بين إشراقات قسمات الوجه، وإضاءة حروف المحبة المرسومة على جدران الحياة، أرسل هذه السطور وأبث أشواقها، وأكتب فصول الأمل، وخبرات الحياة، وإضاءات رجالات البحرين الذين أثروا حياتنا بحبهم لوطنهم وبعطائهم السخي، وبنشاطهم اللامحدود، حتى أضحوا علامات مضيئة في سماء الوطن.. أكتب إليك يا بني هذه السطور لعلها تكون نبراساً لك في حياتك وأملاً لمستقبلك الذي أراه أجمل ما يكون في ظل وطن يحتضن الجميع، ودولة حانية على أبنائها وشبابها.. أكتب سطوراً من رسائل الحب التي أجمعها في فصول حياتي، ضمن كتاب أحلم أن يشرق بأحلامه وعطاءاته على حياة كل جيل يعشق العطاء وبصمة الخير حتى الرمق الأخيرة من هذه البسيطة.. معذرة يا بني فلست أقف اليوم موقف الحكيم أو الواعظ.. بل أقف لأمد يدي إليك بمداد تجارب الحياة، حبا لك وشفقة على مسيرك في الحياة، فالحياة إنما هي لحظات خاطفة تنتهي في لحظة ما وينتهي معها كل شيء..

* يا بني.. كنت أحلم بك في اللحظات الأولى من عمري، حتى جاءت اللحظات الجميلة لأكون مسؤولاً عن أسرة أشيد فيها منارات الخير.. كنت أتشوق أن تتشابك أناملي بأناملك الصغيرة، وألعب معك، وأسرح شعرك، وأدغدغ مشاعرك بأهازيج الطفولة العذبة، وأحملك بين يدي لأحميك من صروف الدهر.. وبحمد الله تحقق ذلك الحلم.. وأضحى صورة مضيئة في حياتي أتأملها مراراً وتكراراً كلما مضى يوم من عمري.. حتى لا تتعبني غدرات الزمن العجيبة!!

* يا بني.. مضت بك السنوات حتى اشتد عودك كما مرت علي سنوات الطفولة والشباب وأنا أتذكر ذكرياتها الجميلة.. مضت السنوات بحلوها ومرها.. وما أجمل حلاوتها عندما أراك ذاك الشاب اليافع المتمكن الذي يشق طريقه نحو النجاح المنشود.. تأملت تلك السنوات.. فوجدتها سنوات كنت فيها القريب إلى قلبك دائماً.. حتى أراك يوماً ما الفتى القوي المدلل باتزان.. سنوات كنت حريصاً فيها أن تنشأ في مجالس الكبار وبرامج الحياة المتعددة، فهي مدرسة علمتني الكثير يوم أن كنت صغيراً.. فأحببت أن تتذوق حلاوتها رويداً رويداً حتى تكون الابن الفذ الذي يشار إليه بالبنان.

* يا بني.. احرص على رضا الله تعالى وتنمية إيمانك في زمن الفتن، فقصر الحياة ومفاجآتها لا يمهلك الكثير، فلا تفرط في صلاتك وفي قراءة كتاب الله وفي الذكر والدعاء وبر الوالدين وطاعتهما والتذلل بين أيديهما وصلة الأرحام وتحصين النفس من نوائب الدهر وغدر البشر. الإيمان يحتاج إلى أن ترويه بصالح عملك في كل حين، فإن فترت عرضت نفسك للمخاطر وأصبحت تسير بلا غاية مرجوة.. تذكر «الفردوس الأعلى» فهو أغلى ما تنشده على وجه هذه البسيطة.

* يا بني.. احذر من لسعات الشيطان وشياطين الإنس، فإنهم يتصارعون مع بذور الخير في نفسك، حتى تكون مطيعاً لنزغات الشيطان المريبة.. وتذكر قوله تعالى: «وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضرون». حصن نفسك من الشر ومن المكائد صبحاً ومساءً، وانتقي صحبتك كما تنتقي أطايب الثمر، وتذكر إنما الصاحب ساحب ولا خير في جليس السوء.. وإن حدث وإن حاد أحدهم عن الجادة فلا تتركه وحيداً، وكن معه لتعطيه الأمل وتمنع عنه الغواية.. فكن أنت المؤثر بإيمانك وخلقك وقوتك وعزيمتك.. واصمد أمام التيارات الهدامة، وتربع على عرش الأخلاق فإنها الشامة التي تتميز بها في الحياة، ولا تتسرع في قراراتك ولا تستهتر بحياتك حتى لا تقسو على قلب والديك..

* يا بني.. إياك ثم إياك أن تسيء إلى من أحسن إليك وبخاصة معلمك وشيخك وصاحب الفضل عليك. فمهما حدث في أيام الحياة من حوادث دنيوية تزول بزوال الأسباب، فلا تجعلها تضير بعلاقتك بمن كانت له بصمات مؤثرة في شخصيتك، وبمن عاشرته بالمعروف في أيام الحياة، ولا تظنن ظن السوء، ولا تحمل كل قول أو موقف بموقف النكران والجحود، فإن ذلك سيكون مؤلماً لمن ضحى من أجل أن يسعد غيره.. وهذا هو ديدن الكبار من جيل الأمس وجيل الآباء والأجداد.. فقد بذلوا الغالي والنفيس من أجل أن يشيدوا بنيان الخير في مجتمع البحرين، وكانوا يعاملون طلابهم كأبنائهم في البيت، بل كانوا يعايشونهم أكثر مما يعايشون أهليهم.. اهتم يا بني بالوفاء لمن أحسن إليك.. فإنما هو عملة نادرة في زمن عجيب. قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام وذو العلم وإمام مقسط».

* يا بني.. وطنك بحاجة إليك وإلى جهدك، فسخر أوقاتك للتميز وخدمة الوطن، وكن عالياً شامخاً بأخلاقك في كل موضع تطأ فيه أقدامك، ولا ترضى إلا أن تكون في قمم العطاء والشموخ. ولا تكن إمعة في المجتمع، وكن صاحب رأي متزن، ولا تقابل شواهد الحياة وإنجازات الآخرين بقلب حاسد وناقم، بل طهره من كل الشوائب وافرح بفرح الآخرين وكن معهم في كل حين، واحذر أن تتذمر من كل شيء، ولا تلقي تقصيرك على ظروف الحياة وتبرر بتبريرات واهية.. وقف موقف المحايد بخطوة واحدة أمام جميع من يرتبط بك بعلاقات في الحياة حتى لا تخسر أي أحد.

* يا بني.. كن أنت الوطن الذي يحتضن الناس بأخلاقه وعمله وبصماته المؤثرة، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك، واستثمر شبابك قبل هرمك، وتذكر سؤال المولى لك يوم يقوم الأشهاد لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدماً العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله فيما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه». اترك بصمة مؤثرة في حياة كل من تقابله، ولا تذهب ساعات حياتك دون أن تستثمرها في النافع والمفيد، وليكن لديك عملاً تطوعياً تكون ملهماً فيه، تلهم الآخرين بأخلاقك وحسن صنيعك، فالأثر الذي سوف يبقى ما عملته من صالح الأعمال والأقوال.

* ومضة أمل:

تذكر يا بني.. بأني أحبك كثيراً.

*يا بني: إلى كل ابن يبتغي رضا ربه.. أهديت هذه الكلمات العابرة.