شكلت الاستقالة المفاجئة لوزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس «68 عاماً»، المعروف إعلامياً باسم «أقوى الرجال»، ضربة قاسية لحلفاء أمريكا، حيث بدا عليهم قلق لا يخلو من انزعاج، خوفاً من ورطة يكون الحليف الأكبر قد وضعهم فيها، لاسيما وأن الاستقالة المفاجئة كشفت عن خلافات كبيرة داخل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولعل أبرز تلك الخلافات التي بدأت قبل فترة تلوح في الأفق، مسألة الوجود الأمريكي في سوريا، ومصير القوات الأمريكية في أفغانستان، وعلاقة واشنطن بحلف شمال الأطلسي «الناتو».

وقد جاءت ضربة ماتيس بعد ساعات من إعلان ترامب انسحاب أمريكا من سوريا، بذريعة أن الحرب على تنظيم الدولة «داعش» حققت أهدافها، وأعقب ذلك، إعلان آخر، بالإعلان عن انسحاب أمريكا من أفغانستان، فيما لم يتردد مبعوث الولايات المتحدة إلى التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم الدولة «داعش»، بريت ماكغورك، في تقديم استقالته احتجاجاً على قرار ترامب، سحب قواته من سوريا، لأنه على حد وصفه، اعتبار أن ««داعش» قد مني بالهزيمة يعد أمراً متهوراً، وسيكون سحب القوات الأمريكية أمراً غير حكيم».

وكان ماتيس حاسما في الرسالة التي وجهها إلى ترامب حيث قال في رسالة الاستقالة «لأن لديك «ترامب» الحق بأن يكون لديك وزير دفاع تتشابه وجهات نظره مع وجهات نظرك، أعتقد أنه من الصواب بالنسبة لي الاستقالة من منصبي.. لا يمكننا حماية مصالحنا أو القيام بعمل جيد في هذا الدور دون المحافظة على تحالفات قوية وإظهار الاحترام لكل حلفائنا».

حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وحلفاء أمريكا في أوروبا، وفي آسيا والمحيط الهادئ، كلهم أبدوا عدم رضاهم عن رحيل ماتيس، وربما هذا ما ركز عليه الأخير في خطاب استقالته اللاذع الموجه إلى سيد البيت الأبيض، حيث نوه إلى «ضرورة معاملة الحلفاء باحترام»، وكأن ماتيس يغمز من قناة عدم تقدير الرئيس الأمريكي لحلفائه لاسيما فيما يتعلق بالقرارات المصيرية، ومنها، الانسحاب الأمريكي من سوريا، وبعدها تخطيطه الانسحاب من أفغانستان.

ولا أعتقد أن الأمر يختلف بالنسبة لدول الخليج والمنطقة، لاسيما وأن وزير الدفاع الأمريكي كانت له تصريحات قوية داعمة لدول الخليج بمواجهة الخطر الإيراني في المنطقة، خلال مشاركته في مؤتمر «حوار المنامة - قمة الأمن الإقليمي الـ 14»، والذي استضافته البحرين قبل نحو شهرين.

ولا يبدو أن «أقوى الرجال» سيكون آخر الراحلين عن إدارة البيت الأبيض، لاسيما وأنه خلال العامين الماضيين، فترة حكم ترامب، خرج من إدارة الرئيس الأمريكي مسؤولون رفيعو المستوى، بسبب خلافات مع ترامب نفسه، ولعل أبرز المستقيلين من إدارة ترامب، أو بمعنى أدق، القافزين من سفينة سيد البيت الأبيض، وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومبعوث الولايات المتحدة إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة «داعش»، بريت ماكغورك، ووزير الداخلية ريان زينك، والأمين العام للبيت الأبيض جون كيلي، ووزير العدل جيف سيشنز، وسفيرة أمريكا في الأمم المتحدة نايكي هايلي، ووزير البيئة سكوت برويت، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، والمستشار الاقتصادي الرئيس السابق لبنك الاستثمار غولدمان ساكس، غاري كوهن، ووزير البيئة سكوت برويت، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، والمستشار الاقتصادي الرئيس السابق لبنك الاستثمار غولدمان ساكس، غاري كوهن، ومستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، والمستشار الآخر في نفس المنصب، الجنرال إتش آر ماكماستر، حيث خلفهم في المنصب مؤخراً جون بولتون.

ووفقاً لمراقبين ومحللين، فإن القرار المفاجئ لترامب بالانسحاب من سوريا، يمنح فرصة ذهبية لإيران كي تتمدد أكثر، كما أنه يمنح لتنظيم «داعش»، قبلة الحياة، مرة أخرى، كي يستعيد عافيته المنهكة، وبطبيعة الحال لن تترك روسيا ذلك الأمر يمر مرور الكرام، حيث يؤهلها ذلك القرار إلى مزيد من النفوذ، لكنه في الوقت ذاته، وجه ضربة قاصمة إلى قوات «سوريا الديمقراطية»، ومنح تركيا الضوء الأخضر لكي تتخلص من وحدات حماية الشعب التركية، من قناة قتال «داعش»، ولذلك لم يتردد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التعبير عن ترحيبه بقرار ترامب، وقرر على إثر ذلك تأجيل الهجوم على مناطق شرق الفرات، في إشارة إلى تنسيق محتمل بين أنقرة وواشنطن، المتضرر الأول منه «سوريا الديمقراطية»، حليف أمريكا في الشمال!!

ولا يعد الانسحاب الأمريكي الكبير من أفغانستان، بأقل أهمية، من الانسحاب من سوريا، حيث اتخذ ترامب قراره بسحب عدد كبير من الجنود من أفغانستان، فيما تنشر أمريكا نحو 14 ألف جندي هناك، يتوزعون في مهام، بينها التعاون مع قوات حلف شمال الأطلسي «الناتو»، أو في عمليات مكافحة الإرهاب ضد «طالبان» وتنظيم «داعش».

وليس أدل على رفض قرار الانسحاب من سوريا والتحذير منه، مما ذكره مسؤول فرنسي، إنه بعدما علم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأمر قرار الانسحاب من سوريا من مصادر بالبيت الأبيض ودبلوماسيين اتصل بالرئيس الأمريكي، لتحذيره من القرار، فيما كشفت تسريبات أن ماكرون قال لترامب «كن حذراً، نعتقد أن هذا الأمر مبكر بعض الشيء».

وما يدل على التضارب في القرارات بين إدارة ترامب ووزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، أن تتزامن استقالة ماتيس مع وصول حاملة الطائرات الأمريكية «يو إس إس جون ستينيس»، ومجموعتها الضاربة إلى مياه الخليج العربي قبل ساعات لتصبح أول حاملة طائرات أمريكية تصل المنطقة منذ انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي في مايو الماضي، لتنهي أيضاً فترة غياب عسكري أمريكي عن المنطقة استمر عدة أشهر، لاسيما مع تجديد إيران لتهديداتها بإرباك الملاحة في مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يمر عبره قرابة ثلث إجمالي صادرات النفط المنقولة بحراً، وفقا لما ذكرته وسائل إعلام عربية ودولية، في حين، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية قبل أيام، أن «وصول حاملة الطائرات الأمريكية يهدف في الأساس إلى استعراض القوة أمام طهران».

وفي ظل تلك الأزمات، يواجه ترامب معضلة جديدة، مع إغلاق العديد من الإدارات الفيدرالية فى الولايات المتحدة، بعد إرجاء الكونغرس مداولاته بشأن مشروع قانون الاتفاق وتلبية طلب الرئيس الأمريكى الحصول على أموال لبناء جدار على الحدود مع المكسيك، على وقع تهديدات ترامب للكونغرس برفض التوقيع على قانون الميزانية إذا لم يشمل 5 مليارات دولار لتمويل بناء الجدار.

* وقفة:

استقالة ماتيس من إدارة ترامب تعبر عن فوضى كبيرة يعيشها البيت الأبيض لاسيما مع الانسحاب المفاجئ غير المدروس من سوريا وأفغانستان ما يفسح المجال لإيران للعبث بأمن المنطقة دون رادع!!