في تاريخ الأمم والبلاد والحضارات، ملوك ورؤساء وقادة وسياسيون يشار إليهم بالبنان، يصنفون على أنهم أيقونة، يظلون في ذاكرة الأمم والشعوب، محل تقدير واحترام، من الأبناء، كرموز وطنية، يفتخر بها في الداخل والخارج. وفي المقابل، هناك شخصيات، يرتبط اسمها وتاريخها تلقائياً بكل ما هو سلبي ومقيت. والنوع الأخير، يجسده حصرياً في العراق، نائب رئيس الجمهورية السابق، ورئيس الوزراء السابق، ورئيس «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي. وللحقيقة فإنه إذا ذكر المالكي، فإننا نجد أنفسنا نتحدث تلقائياً عن فساد أزكم الأنوف، وطائفية مقيتة، أكلت الأخضر واليابس، وفشل ذريع في إدارة السلطة. ومن يرصد جرائم المالكي في العراق، يدرك تماماً أنها لا تعد ولا تحصى، منذ أن حلت النكبة بالعراق، بتوليه رئاسة الوزراء في عام 2006، وحتى تنازله عن السلطة، مرغماً، في عام 2014.

المالكي رجل لا يعادل طائفيته إلا فساده، ويستحق عن جدارة، لقب، أسوأ رئيس وزراء في تاريخ العراق، بعدما أثبت فشله في إدارة السلطة، خلال توليه رئاسة الوزراء على مدار 8 سنوات، لم يجنِ العراق خلاله إلا النكبات والأزمات.

ولعل أكثر ما يثير السخرية، أن يخرج علينا، نافخ كير الطائفية، ومؤجج الفتنة المذهبية، والمسؤول الأول عن اجتياح تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي، وسيطرته على مساحات كبيرة في العراق في عام 2014، خلال فترة رئاسته لمجلس الوزراء، والمسؤول التنفيذي الأكبر والأكثر فشلاً في العراق على الإطلاق، منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، ليصبح بين ليلة وضحاها، واعظاً ومنظراً، فيوجه سهام انتقاداته، وسمومه، إلى مملكة البحرين، فيتسبب في حالة من التوتر بين البلدين، وفي أزمة دبلوماسية ليس وقتها، ولا داعي لها، بين المنامة وبغداد، لكن في الوقت ذاته، هيهات أن ينال المالكي ومن يحتنكهم من «أعداء البحرين»، أن ينالوا من المملكة وشعبها الطيب الأبي الكريم، في ظل ما تنعم به البحرين من أمن وأمان واستقرار، على وقع التفوق في مؤشرات إقليمية ودولية عالمية في مجالات شتى ليس أولها الأمن وليس آخرها النزاهة ومكافحة الفساد.

ترك المالكي مصائب العراق ونكباته، ترك فشل تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبدالمهدي، حتى كتابة هذه السطور، والذي هو وائتلافه، أحد أسباب تلك المعضلة، نتيجة ارتهانه لإيران، وتدخلاتها المباشرة الفجة في الشأن العراقي، وترك الاحتجاجات المتصاعدة في البلاد، لاسيما احتجاجات البصرة جنوب البلاد، قبل أسابيع، والتي نددت بالتدخل الإيراني في الشأن العراقي، وترك ملفات الفساد، وترك نقص الخدمات، في بلد يعوم على النفط، وتفرغ للحديث عن البحرين، حيث حضر اجتماعاً نظمه ما يسمى بـ «ائتلاف 14 فبراير» - المدرج على قائمة الجماعات الإرهابية في البحرين، منذ مارس 2014 - ليزعم المالكي أن «هناك تمييزاً وتهميشاً بلغ حداً قاسياً على شعب البحرين»، قبل أن يوصل كذبه بقوله «اجلسوا مع المطالبين بالحرية والعدالة.. لكي تحموا البحرين وأهل البحرين سنّة وشيعة»!!

وليست هذه المرة الأولى، التي يهاجم فيها المالكي، البحرين، ففي يناير 2017، وجه انتقادات للمملكة على خلفية تنفيذ حكم إعدام بحق مدانين بقتل رجال شرطة.

لذلك، سارعت وزارة خارجية البحرين إلى «استدعاء القائم بالأعمال بالإنابة بسفارة العراق»، معربة عن «استنكارها لتصريحات المالكي»، واعتبرتها «تدخلاً سافراً ومرفوضاً في الشؤون الداخلية للبلاد، وخرقاً واضحاً للمواثيق ومبادئ القانون الدولي الداعية إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتتناقض تماماً وتشكل إساءة إلى طبيعة العلاقات الأخوية بين البحرين والعراق، وتعرقل المساعي الحثيثة التي يقوم بها البلدان لتعزيز هذه العلاقات على المستويات كافة».

ولعل أبرز ما أشارت إليه وزارة الخارجية البحرينية هو «اصطفاف المالكي إلى جانب «ائتلاف شباب 14 فبراير»، الإرهابي، باعتباره من ضمن من يسعون إلى نشر الفوضى والعنف والتأزيم والإرهاب ولا يريدون الخير، ليس لمملكة البحرين فحسب بل الدول والشعوب العربية أيضاً»، فيما شددت على «ضرورة التصدي لهذه التصريحات وإقامة واحتضان مثل هذه الفعاليات لتنظيمات مصنفة إرهابية على أراضيها، حفاظاً على العلاقات بين البلدين».

وليس غريباً على المالكي دعمه للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، فهو المعروف بولائه لإيران، حيث يبقى دمية نظام «ولاية الفقيه» في العراق، سواء إبان فترة حكمه، أو بعدما قدم استقالته مرغماً في 2014، بعد فضيحة سيطرة «داعش» على الموصل شمال العراق، بعدما أرغم التنظيم المتطرف عناصر جيش المالكي في ذلك الوقت، بالآليات العسكرية، على الفرار من الموصل، باتجاه الأقاليم الشمالية بعد احتلال التنظيم المتطرف للمنطقة، على وقع نحيب جنود عراقيين. وليس أدل على الفشل من أنه في شهر أغسطس 2015، وجهت لجنة برلمانية عراقية اتهامات إلى المالكي و35 مسؤولاً بالمسؤولية المباشرة عن سقوط الموصل بيد «داعش»، وسلمت تقريرها النهائي إلى رئيس مجلس النواب العراقي، آنذاك، سليم الجبوري، لكن كالعادة، لم تتم مساءلة المالكي على إحدى أبرز جرائمه!!

لذلك، الحقيقة المرة، والمأساة القائمة، تتمثل في أن العراق لن ينعم بالأمن والأمان والاستقرار، طالما هناك في البلاد شخصيات على شاكلة المالكي، لا يذكرون تاريخياً بشيء غير أنهم يحظون بثقة إيران، ولعل أكثر ما اقترن بالمالكي خلال فترة حكمه، أن واشنطن وطهران، اختلفا على كل شيء، إلا هو، فقد كان يحظى بثقة حكومة الملالي في طهران، وبالإدارات الأمريكية المتعاقبة في البيت الأبيض، ليكون سبباً رئيساً في خراب ودمار العراق، على مدار عقد ونصف، حقبة ما بعد صدام حسين!!

* وقفة:

لن ينال نافخ كير الطائفية نوري المالكي من البحرين وأهلها حتى وإن أصر على أن يحتنك أعداء المملكة حيث تنعم البحرين بالتفوق على بلاده في مؤشرات الأمن والحرية والتنمية والنزاهة إقليمياً وعالمياً، بينما يواصل العراق الانهيار على وقع فساد وطائفية لن ينجو منها إلا بالثورة على طغمة حاكمة خادمة لـ «ولاية الفقيه»!!