لا شك في أن الرئيس دونالد ترامب قادر على إرباك خصومه وجعلهم يتفاعلون بشكل ارتجالي، فقد أعلن عن عقيدته أو مبدأ ترامبTrump Doctrine ‏ أسوة ‏ببقية الرؤساء بمبادئهم الإرشادية أو الملزمة كمبدأ ايزنهاور ومبدأ نيكسون ‏ومبدأ كارتر، وملخصه «إذا احتجتني اطلبني»، والاختلاف الحاد عنها أنه ‏يظهر عزوف ترامب عن مبادئ السياسة الخارجية الأمريكية طوال قرن محيراً ‏المراقبين إن كان ما يطرحه رؤية أم ارتجالاً. فقد بدأ بانسحاباته العجولة من ‏مواقع عسكرية مثل سوريا وأفغانستان بل وسبقها سحب الباتريوت من الخليج‏‏.‏

لقد أقام الاستراتيجي القابع مستتراً في هيئة رجل أعمال اسمه ترامب، أقام مبدأ الأمن عند ‏الطلب ‏ Security By Request»‏» حيث يمكنكم طلب البيتزا أو دجاج ‏كنتاكي إذا شعرتم بالجوع وسوف نفرض شروطاً لصالح واشنطن تدفعونها ‏صاغرين، لكنني لن أفتتح مطبخاً في بيتكم، وستعرفون قيمة ما نقدم إذا لم تروه إلا ‏بعد مكابدة عناء التوصيل. ‏

ولم تحير الانسحابات العجولة حليفاً حكومياً في جبال أفغانستان أو كردياً بشمال ‏سوريا أو عربياً على ضفاف الخليج فحسب، بل أثارت جزع أجنحة مؤسسة صنع القرار ‏الأمريكية، الأمنية والاستخباراتية والعسكرية، وكأن ترامب قد تحرر من قيوده ‏الداخلية والخارجية، ففي الداخل هناك شعور بالخيانة مما شرع الأبواب أمام ‏تخرصات منها إمكانية أن يعيد ترامب النظر فيما قرره من انسحابات أو على الأقل عدم ‏الاستعجال في تنفيذه، وفي الخارج نظرة شك في هذه التحركات وتفسيرها على ‏أنها إعادة انتشار وخلق جبهات جديدة.‏

لقد آمنا طويلاً أنه ليس من المستحسن أن يشارك المشرعون في اتخاذ ‏قرارات ‏استراتيجية لميلهم المصلحي لشعبية القرارات، لكن رجل الأعمال المسمى ترامب القابع مستتراً في هيئة رئيس أقوى دولة في العالم أخذ في خفض تكاليف ‏الميزانية الأمريكية في الخارج ليعززها في الداخل، فقد سبق ذلك ضرائب على ‏المستورد من الصلب والألمنيوم، مع استخدام التعرفة الجمركية كسلاح، ثم نجاحه ‏في الحرب التجارية مع الصين عبر إهانة بكين باعتقال مديرة هواوي عملاق تكنولوجيا ‏الاتصالات، وتقديم الصين تنازلات مذلة كخفضها الضرائب على السيارات ‏الأمريكية من 40% إلى 15% فقط بذريعة نزع فتيل الأزمة لتجاوز ركود ‏اقتصادها. ‏

* بالعجمي الفصيح:

إن انسحاب ترامب العجول من ساحات القتال في أفغانستان وسوريا وقبلها ‏سحب بطاريات الباتريوت من الخليج مؤشر على أن الانسحابات القادمة بناء ‏على عقيدة ترامب «إذا احتجتني اطلبني» ستكون من القواعد الأمريكية حول ‏العالم.

فماذا أعددنا في الخليج لمرحلة الانسحاب من القواعد بعد اكتمال ‏الانسحاب من الصراعات؟

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج