كان أكثر سؤال طرح علينا.. كيف جاءت الفكرة وكيف جرى التنظيم والترتيب؟

الحق يقال، إن فكرة تنظيم مهرجان عيدك يا وطن الذي نظم الأسبوع الماضي جاءت بمبادرة من شباب سابعة المحرق، أي منطقة عراد وحالتي السلطة والنعيم، بعد الأجواء الانتخابية الديمقراطية الجميلة التي شهدتها المنطقة، ولا نقول هذا الكلام تحيزاً لكوننا من أهالي هذه المنطقة أو من اللجنة التنظيمية لمهرجان عيدك يا وطن، ولكن وفق التحليلات السياسية منذ بدء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك -حفظه الله ورعاه- أن سابعة المحرق هي دائرة حديدية وتعتبر معقل للعديد من الجمعيات السياسية وتحوي الكثير من الأطياف والاتجاهات والمذاهب المختلفة، وهذا ما كشفته المواسم الانتخابية طيلة السنين الماضية حيث الأجواء الانتخابية دائماً ما تكون ساخنة والنتائج لا يمكن تخمينها بسبب كثرة الاتجاهات المتنافسة والقواعد الشعبية التي يحظى بها كل اتجاه في المنطقة.

لكن لعل التجربة الانتخابية الأخيرة كشفت جانباً جديداً تتميز به هذه المنطقة المليئة بالخبرات والطاقات الوطنية، وهو التقارب الموجود بين بعض المرشحين المتنافسين والروح التنافسية الشريفة والإيجابية التي جمعت الفرق الانتخابية، والتي أكدت أن هذه المنطقة تتميز أيضاً بمظاهر الوحدة الوطنية والتلاحم الوطني الجميل، حيث المظاهر الوطنية والشعارات والهتافات التي خرجت بها الفرق الانتخابية والأهالي خلال يوم التصويت في الجولتين الأولى والثانية كانت مميزة ولافتة، مما دفع العديد من أهالي المناطق المجاورة إلى المرور خلال يوم التصويت بالنقاط الانتخابية الموجودة والجلوس والمشاركة والتفاعل مع الأجواء الحماسية.

أراد شباب سابعة المحرق أن يوثقوا هذه المحطة الوطنية الجميلة وأن يوصلوا رسالة لكل من لم يحالفه حظ الفوز، أنه لا يوجد أحد خاسر عندما شارك في المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وطرح نفسه كمرشح سواء لمقعد المجلس النيابي أو البلدي، بل الكل فائز في هذه التجربة الوطنية المميزة والمحطة التاريخية من محطات تجربتنا الديمقراطية، وهناك حاجة بعد تلك المحطة لمواصلة العمل والتعاون مع أعضاء المجلسين النيابي والبلدي الحاليين حتى تكون الدائرة خير مثال للعمل الوطني ومظاهر الوحدة الوطنية، ولا يمكن لأي اتجاه شعبي أن يكون بمعزل عن هذه المظاهر حيث حرص المنظمون للمهرجان على التواصل مع أهالي قرية عراد ليؤكدوا لهم أنهم جزء لا يتجرأ من مستقبل هذه المنطقة، كما أن مبادرة تكريم 30 مجلساً شعبياً والاهتمام بالمجالس الشبابية في المنطقة بالذات رسالة بليغة بدور هذه المجالس الشعبية وأهميتها كونها منابر وطنية تعكس اتجاهات الرأي العام.

كما أن الأمر اللافت، أنه جرى تكريم عضو المجلس البلدي السيدة صباح راشد الدوسري تقديراً لعطائها وإنجازاتها في الدائرة طيلة السنوات الأربع الماضية، ولإيصال رسالة لها أنها ستظل أم الجميع وأم الخير التي تركت بصمة مميزة في العمل البلدي في منطقة المحرق، ومثلت نساء الدائرة بطريقة فعالة، وكشفت الطاقات النسائية التي تتميز بها سابعة المحرق والمحرق كلل.

ما حدث، وكما ذكرت الدوسري خلال حفل التكريم، أنه لأول مرة في تاريخ البحرين يحدث أن يبادر أهالي دائرة ما بتكريم عضو المجلس البلدي وتقديره بهذه الطريقة، ومن الأهالي انفسهم لا من جهات بالدولة، مؤكدة أنها لن تكون بعيدة عن الأهالي بل ستواصل العمل والعطاء مع عضو المجلس البلدي الحالي. وإذا ما رجعنا إلى تاريخ عمل صباح الدوسري في المنطقة سنجد أن تقدير الأهالي لها جاء لعدة أسباب، أهمها أن الدوسري بعد فوزها في انتخابات 2014 لم تغير رقم هاتفها وكانت تتواصل مع الأهالي بشكل دائم وتلبي طلباتهم وتعمل على توثيقها لهم بالصور ومقاطع الفيديو وإرسالها إليهم حتى لا تترك فرصة لأحد أن يتذمر أو يدعي أنها لم تخدمه أو تساعده، وعندما يلجأ مواطن لها للشكوى من سوء البنية التحتية عند منزله كانت تبادر بالإصلاح والتعديل مع توثيق كل ذلك والاتصال به لإخباره إلى أين وصل الموضوع في المجلس البلدي، بل إنها فاجأت أحد المواطنين ذات ليلة بأنها أحضرت له وزير الأشغال بنفسه عند باب منزله بعد شكاوى مستمرة وتذمر من هذا المواطن عن سوء البنية التحتية بمنطقة منزله!!

الدوسري كسبت أهالي دائرتها باجتهادها الميداني وبتواجدها حتى في ساعات متأخرة من الليل في المنطقة في مواسم الأمطار، لذا كان هذا التقدير الشعبي لها والذي خرج بهذا المستوى، وهذا درس وعبرة للبقية أن يكونوا بمثل الاجتهاد والسعي لكسب المواطنين والتواصل معهم بشكل مستمر لإطلاعهم على «أين الأمور وصلت» بدلاً من مقاطعتهم والابتعاد عنهم بعد الفوز وعدم وضعهم في الصورة وتوعيتهم بشأن الإجراءات الواجب عملها لأجل تلبية الخدمات البلدية، فالمواطن البحريني بات أكثر وعياً ونضجاً في تجاربه الديمقراطية وبإمكانه تمييز النائب الذي يعمل لأجله والنائب المتقاعس، كما أن الدوسري لم تقف عند تجربة خسارتها لمعترك الانتخابات النيابية بل لاتزال متواصلة، والدليل اجتماعها مع عضو المجلس البلدي الحالي وتقديمها له المشاريع المؤجلة أو التي لم تكتمل لمتابعتها.

من أهداف المبادرة الشعبية كذلك، إبراز التقدير المجتمعي لدور مديرية شرطة محافظة المحرق وما قامت به من جهود وترتيبات أمنية طيلة الموسم الانتخابي السابق وتواصلهم مع الأهالي عبر مدير عام المديرية العميد فواز الحسن حينما كان يشرف بنفسه على هذه الترتيبات ويتواجد ميدانياً بين الأهالي، وتلك خطوات كانت تعزز الشراكة المجتمعية وتقرب المسافات ما بين رجال الأمن والأهالي وتؤكد الفكرة التي يقوم عليها مشروع الشراكة المجتمعية بتأكيد أن رجل الأمن هو صديق الجميع وقريب من الجميع ومعكم وليس ضدكم.

من الأفكار أيضاً التي خرجت بها المبادرة الشعبية، أنه يجب تغيير القناعة والفكرة العامة عند المواطنين بانتظار المبادرات أن تخرج من المؤسسات الحكومية والرسمية في الدولة فقط والاعتماد عليها، بل من الممكن أن تخرج مبادرات شعبية تتماشى مع الاتجاه العام للدولة وتدعم الأجواء الوطنية الاحتفالية عبر الشراكة مع القطاع الخاص، وتحديداً مع أصحاب الشركات والمحلات التجارية، بالمساهمة في الاحتفالات الوطنية هذه من باب تعزيز الشراكة المجتمعية أيضاً، فلا يمكن أن يبقى هؤلاء بمعزل عن كل ما يخص المجتمع البحريني سواء من أفراح واحتفالات أو حتى مناسبات وطنية هامة، وهذا ما أكده صاحب مطبعة الماص الذي كان أول من بادر بدعم هذه الفكرة، مؤكداً أنه يتمنى لو يكون دعم رعاة الحفل حافزاً للآخرين للعطاء لآجل البحرين وفرحة آهلها وتشجيعهم على المساهمة، لذا حرص المنظمون على أن تكون المبادرة شعبية في كافة المراحل التنظيمية بنسبة 100% ومن الألف إلى الياء.

اهتمام الأهالي كذلك بتكريم الطاقات التي حققت إنجازات في القطاعات الشبابية والأكاديمية والفنية والرياضية دافع لأن يتشجع البقية على التميز والاجتهاد لأجل البحرين ولأجل تمثيل أهالي مناطق البحرين خير تمثيل، فتكريم أهل منطقتك لك وشكرهم إياك، لكونك تمثل قدوة حسنة للكفاءات والطاقات البحرينية المتميزة، بالطبع أمر يحفزك على العطاء والاجتهاد أكثر.

المبادرة الشعبية التي خرج بها أهالي سابعة المحرق، أي عراد وحالتي السلطة والنعيم بتنظيم مهرجان عيدك يا وطن، مبادرة تستحق الوقوف عندها والاحتذاء بالرسالة التي أراد الأهالي إيصالها جراء المحافل الديمقراطية والوطنية التي مرت بها مملكة البحرين لتكون نموذجاً يتم العمل به في كافة المناطق والمحافظات في مملكة البحرين، نتمنى أن نشهد خلال الفترة المقبلة مبادرات شعبية أخرى مماثلة تصب في مبادئ اللحمة والوحدة الوطنية.