وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي في موقف لا تحسد عليه، على خلفية زيارته المفاجئة التي قام بها مؤخراً للجنود الأمريكيين، بمناسبة عيد الميلاد، في قاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار غرب العراق -الحليف الاستراتيجي لأمريكا- الأربعاء الماضي، لا سيما بعد أن أعلنت الحكومة العراقية أنها لم تكن على علم بتلك الزيارة التي فاجأ بها ترامب الجميع، فيما تعد أول زيارة له لمنطقة الصراعات في الشرق الأوسط بعد عامين تقريباً من رئاسته وعقب أيام من الإعلان عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، والتخطيط للانسحاب الكبير من أفغانستان.

لكن يبدو أن الأمر لم يمر مرور الكرام في العراق، حيث سارع رئيس الحكومة العراقية إلى النأي بنفسه عن تداعيات تلك الزيارة المفاجئة حتى لا يقع في فخ المتورط بالرضوخ والخنوع لأمريكا، وتشجيع ترامب على انتهاك سيادة العراق، وأكد أن «اجتماعاً بين القيادة العراقية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ألغي بسبب خلافات حول كيفية تنظيم اللقاء»، مضيفاً أن «تبايناً في وجهات النظر لتنظيم اللقاء أدى إلى الاستعاضة عنه بمكالمة هاتفية تناولت تطورات الأوضاع، خصوصاً بعد قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا، والتعاون المشترك لمحاربة تنظيم الدولة «داعش» وتوفير الأمن والاستقرار لشعوب وبلدان المنطقة»، لا سيما وأن عبدالمهدي رفض لقاء ترامب في قاعدة عين الأسد واشترط أن يجري اللقاء في بغداد، وفقاً لتصريحات مسؤولين عراقيين.

بيد أن ما ظهر جلياً أن المعترضين على مبدأ زيارة ترامب للعراق باعتبارها انتهاكاً، مثله في المقام الأول، السياسيون العراقيون الشيعة، المؤيدون لإيران أو المناهضون لها، على حد سواء، في حين كان موقف السنة والأكراد أقرب إلى الصمت، لكن ذلك فسره أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د.خالد عبدالإله في تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية قائلاً إن «السنة والأكراد ليست لديهم مواقف متشنجة حيال أمريكا، وهذا انسحب على الموقف من زيارة ترامب»، لذلك لم يسارع السنة والأكراد إلى التنديد بالزيارة وباعتبارها انتهاكاً لسيادة العراق وخنوعاً لـ»الشيطان الأكبر»، بحسب وصف إيران وحلفائها.

وبدا الموقف السياسي الشيعي في العراق من الزيارة أكثر تشدداً، لا سيما من خلال الهجوم اللاذع الذي شنه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر -المناهض لسياسات طهران في العراق- على حكومة عبدالمهدي حيث قال «أسفاً، أسفاً لحكومة العراق وسياسييها من الرضوخ لممارسة كهذه، فهي بهذا الخنوع إنما تضيع المواقف البطولية والتاريخية لهذا البلد العريق».

بدورها، هددت الميليشيات الموالية لإيران في العراق بالرد على زيارة ترامب، حيث توعدت جماعة «عصائب أهل الحق» و«حركة النجباء»، بأن «الزيارة لن تمر دون عقاب».

وقال زعيم فصيل «عصائب أهل الحق» المسلح المدعوم من إيران، قيس الخزعلي في حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، «ردنا سيكون بإخراج قواتك العسكرية رغماً عن أنفك وإذا لم تخرج فلدينا الخبرة والقدرة لإخراجها بطريقة أخرى تعرفها قواتك». فيما حذرت ميليشيات «حركة النجباء» الموالية لطهران، من أنها «لن تسمح أن يصبح العراق قاعدة أمريكية لتهديد دول الجوار»، في إشارة إلى إيران، حيث طالبت الحكومة العراقية «بطرد القوات الأمريكية من البلاد، على اعتبار أن وجودها يمس بسيادة البلاد». ولم يكن موقف «تحالف البناء» بقيادة هادي العامري، زعيم ميليشيا «بدر»، المنضوية تحت ميليشيات «الحشد الشعبي» المسلحة المدعومة من طهران بأقل تهديداً من الجماعات المسلحة السابق ذكرها، حيث أبدى اعتراضاً شديداً على الزيارة المفاجئة.

وقبل تلك التصريحات سارعت إيران إلى التعليق بطريقة ساخرة على زيارة ترامب، من خلال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، الذي اعتبر أن «الرئيس الأمريكي اضطر للدخول إلى العراق بصورة سرية ولصوصية تحت إجراءات أمنية واستخباراتية مشددة»، على حد تعبيره.

وربما أعطى ترامب الضوء الأخضر لإيران -عن غير قصد- باستغلال الزيارة والخلل التنظيمي الذي صاحبها، لحشد الموالين لها وتشجيع حلفائها في البرلمان العراقي على سن قانون يلزم حكومة بغداد بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي على الأراضي العراقية، في محاولة إيرانية لقيادة جبهة تحيي صراع النفوذ القائم بينها وبين واشنطن من أجل السيطرة على مقاليد الحكم في العراق، من خلال تقويض مراكز صنع القرار.

وإذا كانت «الأطراف السياسية العراقية الموالية لإيران تريد تشريع قانون يسمح بتقليص الوجود الأجنبي العسكري على أرض العراق إلى حده الأدنى، لا سيما الوجود الأمريكي»، وفقاً لما ذكرته وسائل إعلام عربية ودولية، إلا أن ذلك الأمر يبدو صعباً، خاصة وأن رئيس الحكومة العراقية ليس بصدد تغيير الوضع الأمريكي القائم في العراق على وقع الملفات والتحديات التي تواجهها حكومته، إضافة إلى إعلان ترامب أنه ليس لديه خطط لسحب القوات الأمريكية من العراق، وذلك بعد نحو أسبوع من إعلانه عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، وأوامره التي وجهها لوزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» بالبدء في التخطيط لسحب ما يقرب من ألفي جندي أمريكي من سوريا، و7 آلاف من أفغانستان خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهو القرار المفاجئ الذي دفع وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس، إلى الاستقالة لمعارضته الانسحاب، في حين لا يزال هناك نحو 5 آلاف جندي أمريكي في العراق، لدعم الحكومة في حربها ضد ما تبقى من فلول تنظيم «داعش».

* وقفة:

حماس الكتل السياسية الشيعية لسن قانون ينهي الوجود العسكري الأمريكي بالعراق أمر يدعو للسخرية لا سيما وأن واشنطن هي من قدمت العراق لإيران على طبق من ذهب منذ سقوط النظام السابق واحتلال العراق في 2003!!