أن تستخدم ميليشيات المتمردين الحوثيين، المدعومين من إيران، أسلوب المراوغة والخداع والالتفاف على الاتفاقيات، لاسيما الدولية منها، فهذا ليس بجديد على من انقلبوا على الحكومة الشرعية في بلادهم، واغتصبوا السلطة، لكن الغريب في الأمر، هو السلبية التي تتعامل بها الأمم المتحدة مع نهج المتمردين على مدار أكثر من 4 سنوات منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014.

ولعل تنصل المتمردين من اتفاق السلام حول اليمن في ستوكهولم الذي تم إبرامه قبل أيام في السويد، ومراوغتهم تارة وخداعهم تارة أخرى، ومحاولتهم الالتفاف على تطبيق الاتفاق، أكبر دليل على أن الميليشيات المتمردة رهينة بيد إيران و«حزب الله» اللبناني وميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق.

لكن في الوقت ذاته، لا يمثل مجرد «امتعاض» المراقبين الدوليين وممثلي الأمم المتحدة حلاً للأزمة يبدو يلوح في الأفق، وتطبيق الاتفاق، لاسيما بعدما كشفت مصادر دبلوماسية أن باتريك كاميرت، رئيس فريق المراقبين الأمميين في لجنة التنسيق المشتركة لمراقبة تنفيذ اتفاق ستوكهولم في الحديدة، أبلغ الجانب الحكومي اليمني «امتعاضه» مما أقدمت عليه ميليشيات الحوثي من عملية إحلال عناصر تابعة لها محل عناصر أخرى في ميناء الحديدة.

ومنتصف ديسمبر الجاري، انتهت الجلسة الختامية لمشاورات السلام اليمنية في السويد، بالاتفاق بين الحكومة الشرعية ووفد ميليشيا الحوثي على تحديد بنود حول مدينة الحديدة، غرب اليمن، ونصت بنود الاتفاق بين الطرفين على «إعادة انتشار للقوات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ومدينة الحديدة إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ، وإزالة جميع المظاهر العسكرية المسلحة في المدينة، وإنشاء لجنة تنسيق إعادة انتشار مشتركة ومتفق عليها برئاسة الأمم المتحدة، وتضم على سبيل المثال لا الحصر أعضاء من الطرفين، لمراقبة وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار، وإشراف لجنة تنسيق إعادة الانتشار على عمليات إعادة الانتشار والمراقبة، ومن ثم تشرف على عملية إزالة الألغام من مدينة الحديدة وموانئها، وإيداع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة، للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في محافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن، وانسحاب ميليشيات الحوثي من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى شمال طريق صنعاء خلال مدة 14 يوماً من الاتفاق وإعادة انتشار القوات الحكومية جنوب الخط، إضافة إلى الانسحاب الكامل للميليشيات من مدينة الحديدة في المرحلة الثانية إلى مواقع خارج حدود المدينة الشمالية خلال مدة 21 يوماً من الاتفاق، فيما تقع مسؤولية أمن مدينة الحديدة وموانئها والصليف ورأس عيسى على عاتق قوات الأمن وفقاً للقانون اليمني، ويجب احترام المسارات القانونية للسلطة، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها، بمن فيها المشرفون الحوثيون».

وتواصل الميليشيات استفزازها للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، والحكومة الشرعية، والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن «إعادة الأمل» بقيادة السعودية، من خلال القيام بإجراءات شكلية لتسليم ميناء الحديدة إلى عناصر موالية لهم، ترتدي ملابس قوات أمنية وخفر السواحل، بينما هم في حقيقة الأمر من الموالين للانقلابيين. وقبل ذلك، اتهمت الحكومة اليمنية ميليشيات الحوثي بالتعنت والتهرب من تنفيذ اتفاق الحديدة، المتمثل في انسحابهم من ميناء الحديدة والمدينة، وذلك بالتزامن مع إعادة انتشار القوات الحكومية شرق المدينة، وفتح الممر الإنساني عبر طريق كيلو 16 باتجاه صنعاء. وربما هذا ما دفع مراقبين ومحللين إلى اعتبار ما تقوم به الميليشيات المتمردة «إجراءات هزلية واستخفاف وسخرية من لجنة المراقبين في الأمم المتحدة»، لاسيما في ظل الموقف السلبي الذي تتخذه المنظمة الأممية تجاه الميليشيات المتمردة باعتبار أنها تتعامل مع الأخيرة على أنها ند للحكومة الشرعية. ويبدو أن الخلافات التي تعيشها الجماعة المتمردة هي وراء التخبط الذي تسلكه فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق الحديدة، خاصة بعدما أشارت تقارير إلى أن جناح الصقور داخل الجماعة والمتمثل في عبدالكريم الحوثي ومحمد علي الحوثي وأبو علي الحاكم يرفضون تطبيق اتفاق السويد، جملة وتفصيلاً، في حين يبدي جناح الحمائم والذي يقوده مهدي المشاط والمتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام موافقة كاملة على تسليم المدينة وموانئها شريطة الحفاظ على المصالح المالية للجماعة المتمردة، في حين أن زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي يميل إلى تطبيق رؤية الجناح المتشدد.

* وقفة:

«امتعاض» المراقبين الأمميين وممثلي الأمم المتحدة من تنصل الحوثيين بشأن تطبيق اتفاق الحديدة ليس حلاً لإجبار المتمردين على الانصياع لاستحقاقات المجتمع الدولي وتنفيذ قرارات مجلس الأمن والرضوخ لـ «الشرعية»!!