سنة جديدة دخلت علينا.. بالطبع فيها من الدروس والعبر والمحطات الكثير.. بعض السنين في حياتنا تجعلنا نكبر عمراً كاملاً وبعض السنين تمر كما هي قد لا يتغير في سيناريوهات أيامها سوى التواريخ.

بعض السنين تجعلك تكبر سريعاً.. تقطف من داخلك بقايا الطفولة وعنفوان الشباب.. أحداثها وأيامها تجعلك تمتلك حكمة ونضجاً عقلياً وركادة روحية ما كان من الممكن أن تحصل عليها لولا هذه المنعطفات وبعض المواقف التي تكون بمثابة المحك.. هناك سنوات عجاف تمر بك وتغيرك تماماً وتأخذ منك أكثر مما تمنحك.. وهناك سنوات الصدف والاكتشاف تكتشف فيها أمور جديدة بنفسك وقدرات ما فطنت لها يوماً وهناك سنوات الانقلابات التي تقلب كل أمورك رأساً على عقب وتستبدل العديد من ثوابتك وأركان حياتك وتكون فيها الكثير من نقاط النهاية لا الفواصل.. بعض سنوات الانقلابات تغيرك لشخص أفضل وبعضها لشخص أسوأ وتبدلك كلياً .. هناك أيضاً سنوات الإنجازات والقطاف فيها من المنح والخير والعطاءات التي تطير بك إلى عوالم وفضاءات ما حلمت بها يوماً!

تشعرك بعض السنين بانك من الداخل قد قفزت إلى ضعف عمرك الحالي فتكون في العشرين أو الثلاثين ولكن روحك وعقليتك عقلية شخص في الخمسين عاماً!! لذا بعض محطات السنوات في حياتك محال أن تنساها أو لا تكون كما الوشم داخل روحك تحفظها كما تحفظ اسمك وهويتك عكس بعض السنوات التي قد لا تتذكر من تفاصيلها شيء ويطويها النسيان وتحتاج لمراجعة بعض التواريخ والأوراق القديمة لتستعيد فيها تفاصيل تلك الأحداث المخزنة في عقلك في خانة الأمور غير المهمة!

والدي رحمه الله كان في نهاية كل سنة يتفهرس السنة القادمة بالقول «أشعر أنها ستكون سنة خير.. أشعر في السنة القادمة ستتغير أمور كثيرة» سبحان الله في آخر سنة من حياته كان يقول دائماً «سأموت صغيراً وسأرحل باكراً وقبل سن الأربعين عاماً.. أشعر بذلك» وقد حدث ما خمنه بالضبط! في تلك السنة أقدم على العديد من الأمور وقدم توصياته التي تعكس أنه كان يدرك فيها أنها قد تكون سنته الأخيرة ويرحل!! بعض البشر لديهم مهارات قراءة السنين وتفهرس الأيام كمكرمة من الله سبحانه وتعالى وسر لن تفهمه مدارك البشر المحدودة!

لذا ليس كل شيء تفهمه في هذه الحياة من خلال عيناك وسمعك وبناء على لغة الأرقام وثوابت منطقية.. ثمة بعض الأمور غير المنطقية التي ستهديك إياها الأيام عليك أن تتقبلها دون أن تفتش عن سرها.. ستعلمك بعض السنين أن هناك أموراً سيدركها قلبك فقط ويلامسها دون منطق وتلتقطها روحك وتختص بها عن بقية البشر.. قد تكون العالم الوحيد بها ويمدك الله بشيء من نورها وحكمة سماواته!

«بعض تدوينات السنين هي حكم ومختصر دروس وتأملات تستحق عرضها لذا اسمحوا لي أن أقدم لكم مع بداية عامنا الجديد بعضها»:

* ستدرك سيكولوجية الصداقة الغريبة مع مرور الوقت وانت تكبر.. ستدرك مع الأيام حكمة كيف تتأقلم مع أحدهم ولا تتوالف روحك مع كثيرين .. كيف تتكلم بانطلاق وعفوية ومن أعماق قلبك أمام صديق مقرب فيما عندما تكون مع صديق آخر لا ترتاح نفسياً ولا تكون بنفس العفوية.. أسراب الطيور عندما تحلق مع بعضها البعض في تناغم جميل ولوحة رائعة في السماء فهي تقدم لك درس مجاني عن سيكولوجية الصداقة والتأقلم و»التوالف» فالطيور فعلاً على أشكالها تقع!!

* ما لا يرتاح له قلبك ردة فعل لا شعورية لفطنة عقلك الباطن.. عقلك الباطن كما جهاز الأشعة فوق البنفسجية.. يلتقط أموراً لا تبصرها بعينيك المجردة.. العقل الباطن أذكى بكثير من عقلك الواعي لذا صدق دائماً إحساسك الداخلي.

* بعض الأمور الجميلة في حياتك تحدث لك كما المطر تخرج من المنزل فيفاجئك بالهطول عليك في وقت لم تكن مستعداً له وبشكل لم تتصوره وفي مكان لم تتوقعه!!

* قد يكون هناك شيء ما لا يؤذيك لكنه يؤذي من تحب ليتعبك وقد يكون هناك شيء يؤذيك لتؤذي من تحب فيتعبكما معاً.. بعض الأمور المؤذية في حياتك قد لا يشترط أن تكون مباشرة لإيذائك أنت بل هي تستهدف من حولك لتؤذيك أنت مرتين!

* تكلم العديد من المفكرين والمثقفين عن لصوص الوقت كالمماطلة والتأجيل وعدم قدرتك على قول «لا» للآخرين وعدم النظام والمجهود المكرر ومنهم من أضاف لمفهوم لصوص الوقت مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية التي تأخذ الكثير من وقتك وعمرك لكن لم يتكلم أحداً عن لصوص طاقتك الذين يسحبون منك كل طاقات الخير والرزق والجمال والفرح ويستبدلونها بالحزن والاكتئاب والأمراض وغالباً لصوص الطاقة هم الحساد الحاقدين لما لهم من طاقات نارية شريرة دعا الإسلام حتى إلى التحصن منها من خلال الاذكار والرقية الشرعية «ومن شر حاسد إذا حسد».. هناك أيضاً أعداء النجاح وأصحاب الطاقات السلبية الذين يمتصون حيويتك وتفاؤلك وطاقة إنجازاتك.. هؤلاء بداخلهم طاقات شر هائلة تبعد عنك كل خير في دربك وفي أحسن الأحوال تعمل على تعطيله وإفساده لذا لا تجاملهم على حساب مصلحة نفسك.. احذفهم من حياتك بالبلوك العقلي والمكاني.

هناك أيضاً لصوص سعادتك وهم الأخطر خاصة أن كان اللص يظهر أمامك في مظهر الصديق والحبيب والقريب فيما هو من وراء الكواليس يتعمد إيذائك وهدم وإغلاق أي باب سعادة وخير يفتح لك! لص سعادتك دائماً ما يكون قريباً منك يدرس نقاط قوتك وضعفك ويحوم حولك كثيراً بانتظار الفرصة المناسبة لإلحاق الضرر بك مثلما يفعل اللص الذي قبل أن يسرق منزلاً ما يدرس مداخله ومخارجه ويحوم في الحي كثيراً وينتظر اللحظة المناسبة والخفية لكي يرتكب جريمته ويسرقك!!

* موت الشخص من حياتك وفي عينيك أسوأ بكثير من موته من الدنيا.. إن أسوأ ما قد تعايشه يوماً أن تكتشف أن الشخص الذي أمامك مات بداخلك! لم يعد موجوداً ولم يعد محسوساً ولم يعد مهماً ويعنيك.. ماتت كل صفاته الحلوة أمام صدمتك بحقيقته وسقوط قناعه ولم تعد ترى فيه شيء يستحق أن تعده من الأحياء.. الأسوأ أن تكتشف متأخراً جداً أنه كان لص عمرك وأجمل محطات سنين حياتك.. إنه سرقك منك وسرق من داخلك الكثير.. ثمة انكسارات لا تجبر مهما حاولت لذا في فلسفة كسر الأشياء عندما يكسر الشيء ارميه واستبدله ولا تحاول إصلاحه لأنه سيبقى مشروخاً ومعرضاً للانكسار من جديد!

* كل إنسان بحياته سنة لا ينساها وسنة تطوي تفاصيل عدد من السنين المرة أو الحلوة.. ترى ما هي السنة التي لا تنساها وما هي السنة التي أنستك كل ما حملته لك سنين ماضية بحياتك؟