وليد صبري

أكد الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان سماحة العلامة السيد د.محمد علي الحسيني أن "النظام الإيراني هو الخاسر الأكبر من عودة سوريا للحضن العربي"، مضيفاً أن "التدخل الإيراني في سوريا سبب للعرب خسائر جمة، وعلى العكس، استفاد نظام "ولاية الفقيه" من تدخله في سوريا كثيراً على كافة الأصعدة وفي شتى المجالات"، داعياً "العرب إلى تغيير استراتيجيتهم ومعالجة أخطاء الماضي باحتضان سوريا وعودتها إلى الحضن العربي".

وأوضح العلامة الحسيني في تصريح لـ"الوطن" أن "الحديث عن العلاقة التي تربط النظامين الإيراني والسوري، ليست كأي حديث آخر، فهو يجمع الماضي والحاضر وتخيم ظلاله الداكنة على المستقبل، وقد كانت هذه العلاقة تفرض دورها وحضورها على مر الأعوام التي أعقبت تأسيس النظام الإيراني، منذ الإطاحة بنظام الشاه، وحكم نظام "ولاية الفقيه" في نهاية السبعينيات، قبل نحو 4 عقود".



وذكر العلامة د.الحسيني أن "اللافت للنظر في هذه العلاقة، إنها كانت دائماً في غير صالح العرب وتخدم أهداف أعداء العروبة وسوريا والمتربصين شراً بها، ومن هنا، فإن إعادة النظر عربياً بهذه العلاقة والبحث والدراسة فيها من مختلف جوانبها بما يحد من آثارها وتداعياتها السلبية على الأمة العربية ضرورة ملحة ولا يجب أن يتم تجاهلها أكثر من ذلك".

وقال إن "هذه العلاقة وعلى امتداد العقود الأربعة الماضية حيث تداخلت فيها الجوانب السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية وتقولبت في نهاية المطاف بأبعاد أيديولوجية واستراتيجية، لابد عند الحديث عن جذورها العودة إلى عهد رئيس سوريا السابق حافظ الأسد ودوره في التأسيس لهذه العلاقة وترسيخها وتقويتها".

وأشار إلى أن "الأسد وكما هو معروف عنه ينتمي للأقلية العلوية وقد حصل في عام 1973 على فتوى ذات طابع سياسي من الأمام السيد موسى الصدر في لبنان تؤكد أن العلويين هم جماعة من الإسلام الشيعي، مع ملاحظة أن العلويين قد قبلوا في فترة ما بعد الاستقلال أن يسلكوا سلوك أهل السنة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية ورفضوا قيام مؤسسة خاصة بهم، لكن حافظ الأسد ومن بعد فتوى الصدر بضم العلويين إلى الشيعة وتوجيههم مع شيعة لبنان وتأسيس النظام الإيراني هذا دفع بالأقلية العلوية باتجاه يعمق من البعد الطائفي فيها على الرغم من أنه كان يرفض في خطابه الرسمي كل اعتبار طائفي، وهو بذلك كان يؤكد وبصورة غير مباشرة أن العلويين أقرب للصفويين من غيرهم".

وأوضح الحسيني أن "فتوى موسى الصدر ومن بعده السيد حسن الشيرازي سمحت لحافظ الأسد بفتح الحوزات العلمية وبناء الحسينيات ونشر الكتب وإرسال المبلغين إلى عموم سوريا، بما أعطى انطباعاً واضح المعالم عن العلاقة الإيديولوجية بين نظام ولاية الفقيه الإيراني ونظام الأسد بما يؤكد قربهم من الصفويين أكثر من الشيعة العرب، وهذه ملاحظة مهمة لا بد من أخذها بعين الاعتبار، خصوصاً وأنه ومع مرور الزمن وترسخ العلاقة الإيديولوجية وأدلجة الأقلية العلوية بسياق مقارب ومتطابق من التوجهات الإيرانية، فقد بدأ خطاب سياسي فكري يتصاعد من دمشق وبشكل خاص بعد عام 2011، يتميز بنبرة واضحة في إبراز الكراهية ضد العرب والعروبة حتى بدأ نشر مواضيع ودراسات وأبحاث تتعلق بالأصل غير العربي لسوريا وأن سوريا قدمت الكثير للعرب ولكن العرب قد طعنوها في الظهر وهكذا دواليك، ومن جراء هذا التوجه الأيديولوجي، حيث سهلت طهران مؤخراً عملية تجنيس واسعة النطاق لصفويين في سوريا، حيث كان واضحاً فيها النظرة بعيدة المدى لسوريا المستقبل، مع ملاحظة أخرى يجب الانتباه لها جيداً، وهي أنه قد بدأت حملات منظمة وبطرق مختلفة وبإشراف وتوجيه إيراني من أجل كسب أبناء الشعب السوري من الطائفة السنية للأقلية العلوية، كما فعل ويفعل في العراق واليمن وكما أقدم عليه في السودان والمغرب والجزائر ومصر وتسبب ذلك بإثارة مشاكل وأزمات وصلت إلى حد قطع العلاقات مع إيران".

وشدد الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان على أنه "عندما يجد البعض صعوبة في تقبل ما قدمه ويقدمه النظام الإيراني من دعم واسع النطاق في سوريا، فإن ذلك دليل على أن هذا البعض لم يفهم ولم يستوعب ما قد قدم للنظام الإيراني في سوريا، من خدمات كبيرة لا يمكن أن تقدر بثمن، لا سيما أثناء حرب العرب بقيادة العراق ضد النظام الإيراني، حيث إن حافظ الأسد الذي كان يدعي وقتها بأنه قائد العروبة وحاميها وجدارها المنيع، قد أصبح أكبر خاذل لها إذ وقف إلى جانب النظام الإيراني سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وفتح أراضي وأجواء وموانئ سوريا أمامه إلى جانب السماح له بتسليح ومد "حزب الله" اللبناني بجسر جوي عسكري من طهران إلى الشام ثم بيروت والتأثيرات بالغة السلبية لذلك على لبنان والذي أبعده بصورة أو أخرى عن حضنه العربي وجعله أقرب إلى سوريا، هذا إضافة إلى إن النظام الإيراني كان حاضراً من خلال حافظ الأسد في القمم والمجالس والهيئات العربية وعضو فيها من خلال سوريا".

وفيما يتعلق بالتأثير الاقتصادي على التدخل الإيراني في سوريا، أفاد العلامة د.الحسيني بقوله "من الناحية الاقتصادية، بذل النظام الإيراني كل ما بوسعه من أجل ربط سوريا به من خلال عقود واتفاقيات تجارية واقتصادية ودخول شركات وإنشاء مصانع ايرانية على الأراضي السورية وكل هذا ما كان يمكن أن يحدث لولا ابتعاد العرب عن سوريا وتركها كطبق شهي أمام النظام الإيراني الذي قام بشراء عقارات ومصانع ومنشآت مهمة ومتنوعة ويجب ألا ننسى بأنه قد قدم الدعم المالي لدمشق مقابل التملك والتجنيس والسيطرة وكل ذلك وضح جلياً بعد أن تبين بأن النفوذ الفارسي قد تفشى مثل السرطان في الكيان السوري وهذا هو ديدن الفرس عبر التاريخ، خصوصا بعدما حولوا سوريا من قلعة للأفكار العروبية إلى حصن معادٍ لها ويعمل باتجاه يضر بالشعب العربي السوري قبل غيره".

وشدد العلامة د.الحسيني على أن "العرب كانوا الخاسر الأكبر من تدخلات إيران في سوريا، والسؤال الذي يجب أن نوجهه لأنفسنا هو، إلى أي مدى قد استفاد العرب من ترك سوريا وتجاهلها طوال الأعوام السابقة وما الذي كسبوه وحققوه من وراء ذلك؟ الإجابة ومن دون أدنى شك صاعقة وإلى أبعد حد، ذلك إن العرب كانوا ولحد الآن "الخاسر الأكبر"، فيما كان النظام الإيراني الرابح الأكبر".

ودعا الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان "العرب إلى تغيير استراتيجيتهم بشأن سوريا وعودتها للحضن العربي مجدداً، حتى وإن كان النظام الإيراني قد استفاد من تدخله في سوريا بطريقة أو بأخرى وحقق مكاسب سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية".

وتساءل العلامة د.الحسيني "هل يريد العرب الاستمرار على هذا النهج الذي ثبت عدم جدواه بل وإنه يتقاطع ويتضاد مع مصالحهم؟".

وقال إن "الاعتراف بالخطأ فضيلة بل وإن المكابرة في الاعتراف بالخطأ موبقة ستضر أكثر فأكثر مع مرور الأيام، ولذلك فإن المطلوب وبصورة ملحة هو العمل من أجل العودة العربية الحميدة بكل أشكالها ومفاصلها إلى سوريا وحتى إلى لبنان الذي يسري عليه ما سرى على سوريا، ولا بد من الخروج باتفاق عربي شامل يؤكد على ذلك ويجعله أمراً واقعاً، وإننا نعتقد بأن سوريا تفتقد العرب وإنهم بعودتهم سيجدون الحضن السوري مفتوح أمامهم، وقطعاً فإن عودة الدور والتواجد العربي إلى سوريا سيبعد بالضرورة الدور والتواجد الفارسي ذلك إنه من المستحيل أن يجتمع الخير والشر والطهارة والخبث معاً".