أطل علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أسابيع بتصريح مفاجئ لنا في الشرق الأوسط ولمرافقيه ولوزير خارجيته ودفاعه، بل إنه فاجأ بتصريحه حتى ابنته وزوجها كما قال بعض الساخرين، إذ قال في تصريحه هذا إنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا. عندما نفكر في الأمر، صحيح أنهم ألفا رجل فقط، لكن هذا العدد هو من يسند ظهر الأكراد الذين وقعوا بين النيران التركية والعراقية والسورية منذ عقود طويلة. ترامب لم يعط أية تفاصيل عن ماهية الانسحاب، غير أن الآلة الإعلامية في الغرب والشرق أبرزت المحللين، حيث يدلي كل منهم دلوه بشأن تأثير ذلك على دول نحو الأردن والعراق ولبنان وتركيا، وحتى إسرائيل، وتوسع بعض المحللين في طرح أسباب لها علاقة بتوقيت الانسحاب.

لقد تمحورت أغلب الأسئلة الحادة حول المستفيد من الانسحاب، إذا ما كانت أمريكا نفسها التي ملّت من الإنفاق على الصراعات وتريد الدخول مع حلفائها بطريقة تجارية لدفع تكاليف الصراعات؟ أم إن إسرائيل هي المستفيد، فسحب التواجد الأمريكي يمنح الصهاينة ذريعة الدفاع عن أنفسهم كما يريدون وفي أي وقت؟ أم إن الانسحاب أتى لمصلحة تركيا حتى تنهي صراعها في شمال سوريا مع الأكراد؟ أم لأن واشنطن تتقاسم المصالح مع موسكو فتركت لها سوريا التي ينتصر فيها حليفهم الأسد؟ أم إن واشنطن قدرت أنها قضت على «داعش» ولا داعي لبقائها لمزيد من الوقت؟

ثم فجأة.. أعلن ترامب وقف وتيرة الانسحاب السريعة، وبدأ يضع أعذاراً كثيرة كتعهده ببقاء القوات الأمريكية لهزيمة تنظيم الدولة «داعش»، ثم تعهد للأكراد بحمايتهم، ثم بالتلميح إلى أنه يستمع لآراء مستشاريه رغم استقالة أهمهم، ثم التلميح إلى أنه قرر الانسحاب، لكن ذلك ليس لابتزاز دول المنطقة للحصول على المزيد من الأموال لدفع مخصصات الوجود الأمريكي في سوريا والعراق ودفع رواتب للعاملين هناك.

يعول البعض على شعار ترامب الانتخابي «أمريكا أولاً»، وأنه ينوي تطبيقه فعلياً، لاسيما وأنه أوفى بالكثير من الوعود الانتخابية التي أطلقها، وأولها الخروج من الاتفاق النووي مع إيران، هذا وأوفى أيضاً بوعده بشن حرب تجارية مع الصين وها هو يكاد يركعها ويدخلها في ركود اقتصادي، كما أوفى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأوفى بقوانين الهجرة، وهو يخوض الآن حرب الجدار العازل مع المكسيك.

* اختلاج النبض:

يرى بعضهم أن تصريحات ترامب مضللة، وأنه لا يريد الانسحاب من سوريا ولكنه يريد المزيد من المكاسب من خلال استثمار رأس مال صغير هناك، هم ألفا جندي فقط، وهو بذلك يثبت نفسه كرجل أعمال ناجح، لكنه يتدثر بلباس أمريكي جديد هو الغموض الخلاّق استكمالاً للفوضى الخلاقة التي لم تحقق أهدافها كلها.