يبدو التخبط سيد الموقف فيما يتعلق بموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الانسحاب الأمريكي من سوريا، وهو الأمر الذي تسبب في استقالة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، وتبعه، مبعوث أمريكا الخاص لدى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة «داعش»، بريت ماكغورك، ثم قبل ساعات، إعلان كبير موظفي وزارة الدفاع الأمريكية كيفن سويني، أيضاً الاستقالة، وهو الأمر الذي دفع مسؤولاً رفيع في «البنتاغون» في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إلى تفسير ما حدث قائلاً إنه «في الظروف العادية، لا تعد استقالة كبير الموظفين بعد رحيل وزير الدفاع أمراً اعتيادياً فحسب، بل ومتوقعاً، لكن هذه ليست ظروفاً عادية، وفي ظل وجود الكثير من الفجوات في القيادة في «البنتاغون»، وشدة الغموض بشأن القيادة المستقبلية، فإن رحيل سويني سيزيد من الشعور المتزايد بعدم الاستقرار في مؤسسة يتوقف ازدهارها على التنبؤ».

ومنذ أن أعلن ترامب عزمه الانسحاب من سوريا، لم تخلو تصريحاته من التضارب تارة، والتخبط تارة أخرى، ففي 19 ديسمبر الماضي، غرد ترامب على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي قائلا «لقد هزمنا تنظيم «داعش»، في سوريا، وهذا مبرري الوحيد للوجود هناك خلال رئاستي»، قبل أن تكشف صحيفتا «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال» الأمريكيتين أن «ترامب أمر بانسحاب سريع للقوات الأمريكية في سوريا»، موضحة أن «الولايات المتحدة بدأت على الفور في نقل عدد قليل من جنودها من سوريا، وستقوم بسحب ألفي جندي بأسرع وقت ممكن، خلال الأسابيع القليلة المقبلة».

وفي اليوم التالي، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، استقالته من منصبه إثر اختلافه مع ترامب في السياسات الخارجية، وبعده بيومين، لحقه مبعوث أمريكا الخاص لدى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة «داعش»، بريت ماكغورك، اعتراضاً على قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا. وظهر التخبط جليا في علاقة البيت الأبيض، بالبنتاغون، ووزارة الخارجية الأمريكية، من خلال تصريحات قائد قوات المشاة في البحرية الأمريكية روبرت نيلر الذي أكد أنه «ليس لديه أدنى فكرة عن خطط الانسحاب من سوريا»، قبل أن يوقع وزير الدفاع الأمريكي المستقيل أمراً بسحب القوات الأمريكية من سوريا، تنفيذا لقرار ترامب.

واستمر ترامب في تخبطه وتضاربه بشأن قرار المفاجئ وغير المدروس، حينما غرد نهاية العام الماضي، على «تويتر»، بقوله إنه «سينسحب ببطء من سوريا، والمعركة مع تنظيم «داعش» مستمرة»، فيما كشفت وسائل إعلام أمريكية بينها قناة «سي إن إن» عن أن «مسؤولين كبار في البنتاغون يحاولون إقناع ترامب بأن يمد فترة الانسحاب من سوريا من 30 يوماً إلى أربعة أشهر»، لاسيما وأن الصحافة الأمريكية نشرت بيانات خاصة بوزارة الدفاع الأمريكية تكشف فيها أن «الضربات الجوية التي استهدفت تنظيم الدولة «داعش»، بينت أن التنظيم المتطرف أبعد ما يكون عن الهزيمة».

والخميس الماضي، فجر مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، مفاجأة من العيار الثقيل، حينما كشف أن «الولايات المتحدة ليس لديها جدول زمني لسحب قواتها من سوريا، لكنها لا تنوي البقاء إلى أجل غير مسمى»، قبل أن يعلن ترامب تراجعاً كبيراً في قراره المفاجئ حينما قال إن «خطوة الانسحاب من سوريا ربما لا تتم سريعا»، مناقضاً ما أعلنه قبل نحو 3 أسابيع عن انسحاب سريع من سوريا، قبل أن يؤكد مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جون بولتون تصريحات ترامب الأخيرة، بإعلانه أن «الانسحاب من سوريا لن يتم إلا بعد أن تضمن واشنطن عدم تعرض الأتراك للأكراد، وتتأكد من الهزيمة الكاملة لـ «داعش»»، مناقضا هو الآخر تصريحاته، التي أعلنها قبل نحو 3 شهور، وذكر فيها أن «القوات الأمريكية قد تظل في سوريا إلى أن يغادر الإيرانيون».

ورغم تداول تقارير وتحليلات حول صفقة بين واشنطن وأنقرة تتعلق بانسحاب الأولى من سوريا، لاسيما مع تصريحات ترامب التي ذكر فيها أن «دولا من المنطقة مثل تركيا عليها أن تتولى أمر ما تبقى من تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا»، متحدثا عن «تأكيدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيستأصل فلول «داعش» من سوريا»، إلا أن مسؤولين في الإدارة الأمريكية ليس آخرهم جون بولتون، تحدثوا صراحة عن أن واشنطن ستضمن عدم اشتباك تركيا مع قوات وحدات حماية الشعب الكردية عقب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، حيث تناور واشنطن بمسك العصا من المنتصف، لاسيما وأن مسؤولين أمريكيين اقترحوا لحماية الأكراد السماح لهم بالاحتفاظ بالأسلحة التي قدمتها لهم واشنطن لضمان محاربة «داعش»، لذلك لم يتردد جون بولتون في التأكيد على أنه «يجب أن توافق تركيا على حماية الأكراد»، حلفاء أمريكا، وهو الأمر الذي لم يروق بطبيعة إلى أنقرة، حيث رد إبراهيم كالين المتحدث باسم أردوغان على بولتون بقوله إن «أهداف تركيا هي وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني و«داعش»»!

* وقفة:

انتقادات حلفاء واشنطن لترامب بشأن قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا دفعته إلى حالة من التخبط والتضارب في تصريحاته لاسيما وأن إيران وروسيا وتركيا لن تمتثل إلا لمصالحها في سوريا!!