إن مصر دافعت عن نفسها وعن عروبتها وإسلامها العقلاني المعتدل، وكان الله مع شعبها وجيشها وأبناء الشعب المصري الطيب المسالم والوديع وجيوشها في قتاله مع الصليبيين والتتار والأتراك العثمانيين الذين لولا وقوف الغرب الاستعماري معهم ضد جيش مصر في عهد محمد علي باشا ما بقيت الدولة العثمانية وقد جعل الله مصر بلداً آمناً ومستقراً وشعبها ودوداً وصبوراً وحقاً قال الله تعالى «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».

أما بالنسبة للغزوات والقتل باسم الإسلام فإن الدين الإسلامي بريء منه فالرسول وصحابته أوصوا المجاهدين بعدم المساس بالأديرة والرهبان وعدم المساس بالأطفال والنساء وكبار السن. وأكد القرآن على مبدأ التسامح والعدالة في آياته تجاه الأديان الأخرى بقوله «لكم دينكم ولي دين». وأشير بوجه خاص لبعض الآيات التي ينساها بعض المسلمين وبعض رجال الدين وهي آيات في سورة الممتحنة حيث يقول جل شأنه في تلك السورة «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».

هذه الآية الكريمة هي المبدأ الثابت في الإسلام، فهي ليست خاصة بالمشركين في مكة، بل هي تجاه مختلف العقائد والطوائف عبر العصور، وهذه رسالة واضحة ودعوة للسلام والتعاون مع من لم يقاتلوا المسلمين في الدين، أي لإخراجهم من دين الإسلام، ولم يخرجوهم من ديارهم. وهذا النص المتضمن المبدأ الصريح هو أساس الإسلام ودليل على خروج مسلمين عن المبادئ الصحيحة للإسلام. كذلك الموقف في آيات مماثلة في المسيحية عندما يقول السيد المسيح «أحبوا أعداءكم وباركوا لأعنيكم»، أو يقول «من ضربك على خدك الأيسر فادر له خدك الأيمن»، وعندما يقول الإنجيل «مبارك شعب مصر»، ويؤكد القرآن هذه المباركة فهي من الله سبحانه وتعالي منزل جميع الأديان وجميع الكتب المقدسة.

ويؤكد الإسلام دائماً ومراراً وتكراراً على أن القتل للنفس البشرية بدون ذنب حرام وأن قتل المسلم الذي ينطق بالشهادة حرام. والإسلام بقيمه يرفض قتل النفس بلا مبرر ولا ذنب ويرفض أعمال الفئات الضالة التي تقتل أنفسها والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: «وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين». وقال الله تعالى في القرآن الكريم أيضاً، «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً».

إنه لحري بنا أن نستذكر كل هذه القيم في بداية العام الجديد سواء كان عاماً هجرياً أو ميلادياً أو نحو ذلك من التواريخ الإنسانية في مختلف الحضارات. وأذكر واقعة معي أنني كنت أحياناً أقوم بخطبة الجمعة في مسجد والد زوجتي المغفور له بإذن الله العالم الجليل الشيخ عبد الرحيم جمعه الشريف وهو من سلالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بمدينة نصر، وتصادف يوم الجمعة أول أيام السنة الميلادية آنذاك فخطبت عن السيد المسيح وميلاده وتاريخه وعلاقته بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام الذي قال في حديث أبو هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟!»، قال: «فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين»، رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.

ولا شك في أن مصر متسامحة عبر العصور ومتحابة مع أبنائها من المسيحيين خاصة الأقباط، حيث يزور شيخ الأزهر الكنيسة في المناسبات الدينية كما يزور البابا ورجال الكنيسة الأزهر بل يحتفلون بشهر رمضان المبارك ويقيمون حفل إفطار يدعون إليه شيخ الأزهر وكبار علماء المسلمين.

والاحتفال بالذكري المئوية للرئيس الأسبق محمد أنور السادات رجل الحرب والسلام وداعية بناء مجمع الأديان في سيناء لا غبار عليه بل هو ضرورة فالسادات زعيم مصري وعربي ودولي سبق عصره في الدعوة للسلام وحققه لمصر، وكان يمكن أن يتحقق للفلسطينيين والدول العربية الأخرى لو ساروا وراء نهج السلام الذي أوضحه السادات في خطابه بالقدس عند زيارتها. وكذلك مباحثات السلام وضعت أسس العمل السلمي برفض التنازل عن الأراضي المحتلة. وللحديث بقية.

* مستشار رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات»