فشل المتدين الشكلي في الغالب من أن يخلق له قاعدة جماهيرية لتمرير مشاريعه الدينية مهما كان مستواها أو جودتها وحتى طموحها، وذلك لعدم نجاحه في «الحياة الدنيا» حسب مقتضيات أدبياته ولهذا كان «النفور العام» وليس «النفير العام» حسب مقتضيات أدبياته كذلك هو سمة مرحلة التدين المنقوص في الوطن العربي.

لقد فشل أصحاب المشاريع الدينية وعلى إثر ذلك هرب الناس منهم ومن مشاريعهم مما عزز نظرية الإخفاق التي منيت بها غالبية التيارات الإسلامية في العالم. ليس هذا وحسب، بل تيقن غالبية المسلمين أن الإسلام شيء ومن يدعي تمثيله كرجل الدين شيء آخر، وأن ليس هنالك أي تزامن الضرورة بين الإثنين.

البعض من المتشددين بدؤوا يوجهون سهام النقد والتجريح لشبابنا المسلم ورميهم بالزندقة والإلحاد فقط لأنهم تركوا الالتفاف حولهم لكنهم لم يتركوا دينهم أصلاً، ولهذا فإن فغالبية الحملات ضد الشباب المسلم ظالمة للغاية، لأنها صادرة كرد فعل لابتعاد الشباب عن كل من يدعي تمثيل الدين.

اليوم نلاحظ أن معظم الجمعيات الإسلامية السياسية بدأت تخلو من فئة الشباب كما كانت عليه من قبل، لأن التجربة الدينية السياسية لم ترتق للطموح ولم تحقق مكاسب ومنجزات ناهضة على الصعيد الديني والسياسي، ولهذا ومن منطلق هذه التجارب غير الناجحة رأينا الشباب المسلم غير مكترث بالاتجاه صوب «الإسلام السياسي». ولأن رجال الدين لا يملكون مشاريع بديلة أو موازية لمشاريعهم السابقة الفاشلة، أخذوا يرمون الشباب بالخروج عن الدين بينما كان من الأولى أن يلوموا أنفسهم في عدم قدرة مشاريعهم على مواكبة المرحلة.

بسبب سقوط مشروع الإسلامي السياسي برمته، وفشل غالبية التيارات الإسلامية السياسية في كل العالم في مواجهة الواقع وعدم قدرتها على حل ملفات هذه الأمة كما جاء في أدبياتها أيضاً، بات وصولهم للبرلمانات ولأماكن تمثيل المجتمع باهتة وضعيفة للغاية، فاليوم وبالكاد نجد في المجالس التشريعية من أصحاب اللحى من يمثل الجمهور تمثيلاً حقيقياً إلا في المناطق المحافظة أو المنغلقة جداً، بينما بدأ الناس يتجهون للتيارات الأخرى لإيمانهم بأن الدين شيء مختلف عن السياسة.

نحن ننصح تيارات «الإسلام السياسي» بمراجعة تجاربها وخطاباتها وسلوكها أيضاً، فما تقدمه للجمهور في وقتنا الراهن لا يمكن أن يرقى لمسمى «المشروع»، بل إن غالبية ما تقدمه هذه التيارات عبارة عن نظريات مؤدلجة ومعتقة في الحكم الذي لا يتسق والعصر الحاضر، أو في كون مشاريعها لا تتعدى حدود التجربة القصيرة التي لم يكتب لها النجاح. إن الملامة تقع على عاتق أصحاب المشروع وليس على الجمهور الذي لم يجد طريق خلاصه من بوابة «الإسلام السياسي» ولهذا فإن كفره بمشروعهم لا يعني كفره بالدين. هذا ما يجب أن يؤمن به «الإسلامويون».