في ظل تطبيق الضريبة المضافة، وارتفاع الأسعار سواء معها، أو فيما سبقها، تلك التي شملت المحروقات والكهرباء أو غيرها، باتت مطالب الناس بشأن زيادة الرواتب تتزايد، بحيث تكون هناك نسبة وتناسب بين ارتفاع كلفة المعيشة يقابلها ارتفاع المداخيل.

تداول الناس بالأمس أخباراً وفيديوهات معنية بحراك نيابي بشأن مطالبة بزيادة رواتب القطاع العام المسؤولة عنه الحكومة، بنسبة تصل إلى 20٪ من الرواتب الأساسية. وأيضاً نشرت تصريحات على لسان وزير مجلسي النواب والشورى يبين فيها أن هذه النسبة المقترحة كزيادة في الرواتب، ستكلف ميزانية الدولة عبئاً مالياً إضافياً تصل تقديراته إلى 90 مليون دينار بحريني.

هناك قراءتان لهذا المشهد، الأولى يمكن نسبها للجهاز الحكومي والمعنيين بالاقتصاد ودراسة الوضع المالي للبحرين، ومفادها أن تخصيص هذا المبلغ الضخم في الوقت الراهن صعب جداً، في ظل الوضع الاقتصادي العالمي، ومع بدء مساعي تنفيذ برنامج «التوازن المالي»الذي تحاول معه الحكومة معالجة ملف «الدين العام»، بحيث نصل بعد سنوات قليلة لمرحلة التوازن، وهو يمثل تحدياً صعباً يستوجب عمليات مركبة ومعقدة، تدخل في إطارها عملية إعادة برمجة الموازنات، وإعادة ضبط المصروفات، ووقف أية أشكال من الهدر المالي، أو الصرف الذي يمكن تجنبه أو إعادة توجيهه لجوانب أخرى، تكون لها عوائد وفوائد على المواطن. وهناك القراءة الثانية، والتي تقرن بالمزاج الشعبي العام، والذي يخوض فيه الناس، ويقولون فيه بأن عملية زيادة الرواتب مطلوبة خاصة الآن في ظل تطبيق الضريبة المضافة ورفع أسعار بعض السلع، مع طرح متسق يقول فيه الناس بأن مبلغ 90 مليوناً ليس كبيراً بالنظر لإيرادات ومداخيل البحرين، وحتى لو تم تجميعه من موازنات كافة القطاعات الحكومية عبر تقليل نسبة صغيرة من موازنة كل قطاع.

المواطنون في طرحهم وكأنهم يسهمون في إيجاد أفكار ومخارج وحلول للحكومة بشأن توفير السقف المطلوب، وأعني المبلغ التقديري الذي كشفه وزير المجلسين في معرض إجابته ورده على مطلب النواب، وهو مطلب يحسب لهم بالمناسبة، وبالتالي إيجابي أن نرى تفاعلاً من الحكومة في هذا الملف بما يضع المواطن في الصورة بشأن الوضع الحالي وإمكانية تحقيق هذا المطلب الآن، أو أقلها الإشارة لإمكانية تحقيقه على المدى المستقبلي، ووضعه كهدف منشود.

الفكرة هنا تتمثل بأن إثارة الموضوع في حد ذاته أمر إيجابي، لأنه يعكس نبض الشارع ويقدم صورة صريحة عن مطالب الناس، وحتى رد الحكومة له ميزته الإيجابية عبر تحديد السقف المطلوب. يبقى الفيصل هنا فيما إذا يمكن وضع المجهر بشكل أكبر على هذا المطلب وبحث إمكانية تحقيقه، من خلال تنفيذ بعض المقترحات والأفكار العديدة التي بدأت تنتشر.

وهنا لابد من الإشارة لنقطة لها ارتباط تام بالموضوع، إذ قبل شهرين، صدر تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية في نسخته الخامسة عشرة، وضمن التقرير يمكن تحديد إجمالي المبالغ التي توضع تحت توصيف الهدر أو سوء الاستخدام، وهو رقم سيقوم الناس بمقاربته مع سقف التسعين مليون المطلوبة لزيادة الرواتب بنسبة 20٪، وعليه من البديهي أن تقول جموع كبيرة من الناس، بأن هذا المبلغ لو وجه لزيادة هذه النسبة، فإنه سيحول صعوبة تحقيق المطلب إلى إمكانية التحقيق.

ما نريد التأكيد عليه هنا، أن مطلب وطموح زيادة الرواتب سيظل موجوداً كمطلب شعبي، وأيضاً كهدف حكومي، ولا شك لنا في ذلك، لكن هل يمكن تحقيقه عاجلاً أم آجلاً؟! هذا هو السؤال.

* اتجاه معاكس:

نسبة زيادة الرواتب المقترحة 20٪ لن تكون نسبة عادلة لو تحققت، فلو كانت من نية لأي زيادة فإن تطبيق معادلة «النسبة والتناسب» بين الرواتب الأساسية والزيادة ستكون أفضل الحلول، وقد تسهم في خفض المبلغ المطلوب كسقف بواقع 90 مليوناً. إذ المبلغ مقدر بناء على نسبة 20٪ لكل الرواتب، لكن لو طبقت النسبة على الجميع فستجد فوارق كبيرة بين الناس أنفسهم، وقد ندخل في حالة من مشاعر الإحساس بالإجحاف.

مثلا لو طبقت ذات النسبة على وظيفة على الجدول التنفيذي، سواء الوكيل أو المدير وغيرهم، قد تعادل نسبة الزيادة بحد ذاتها راتباً لموظف على الدرجات الاعتيادية! لتقريب الصورة، زيادة 20٪ لشخص راتبه الأساسي 3 آلاف دينار على أقل تقدير، فستكون الزيادة بواقع 600 دينار، بينما لو طبقت على شخص راتبه 500 دينار، فستكون زيادة نسبة 20٪ بواقع 100 دينار فقط!

حتى مسألة النسبة تحتاج لمراجعة ووضع آليات دقيقة وتدرج في النسبة من أدنى الرواتب لتكون نسبة عالية عندها وتتناقص كلما ارتفعت لأعلى بحسب الدرجة الوظيفية. الهدف في النهاية تحسين مدخول الفرد، ورفع مستوى الدخول بحيث يخفف من العبء على ظهور الناس.