كاقتباس مبهم منفتح على أكثر من معنى، سأكتب لكم سردية أندلسية، كانت ضمن اهتمامات لـها حضور دائـم فـي ذهـنـي، محورها أن كل حدث رئيس ملزم بترك أثر في الجغرافيا، وبتشكل دول جديدة.

ففي الصيف الماضي دخلت قاعة بني السراج «Abencerrajes‏ Sala de Los‏» في قصر الحمراء في غرناطة بإسبانيا، كانت القاعة مستطيلة 12م × 8م أرضها رخام ولها قبة عالية وفي وسطها نافورة مستديرة ونوافذ يدخل منها النور بطريقة مبهجة، لكنها مصفرة الألوان كابسامة مذنبة تعلقت بضمير صاحبها. ولما لا فقد شهدت القاعدة في حفلة غرائزية غير مسبوقة إبان حكم السلطان أبو الحسن علي بن سعد 1464 – 1482 حيث لا تزال بقع دامية داكنة في قاع الحوض، تأبى الزوال على الرغم من تكرار الغسل والتنظيف شاهداً على ما حدث. بل وأقسم حراس للقاعة من الإسبان بأنه لا تزال تسمع في بعض الليالي أنات وقرقعة سلاح، وأن كثيراً من حراس القصر لمحوا جنوداً مسلمين في ألبستهم العربية يقطعون بهو السباع جيئة وذهاباً، من وإلى قاعة بني السراج. فقد أعد السلطان أبو الحسن وليمة ضخمة، دعا إليها كل أكابر بني السراج، وكلما دخل فرد من أفراد الأسرة إلى القاعة يبادر السياف بذبحه على حافة الحوض الرخامي، حتى قتل جلة فرسان وزعماء بنى سراج وأغلقت أبوابها.

لنكبة بنى سراج أسباب عاطفية، فقد هام محمد بن سراج عشقاً بأميرة من الأسرة المالكة اسمها الفاهمة -هي أصل منظر عازف الغيتار الذي يغني تحت شباك حسناء في الليل- مما أثار عليه غضب السلطان، فقرر سحق الأسرة كلها ودبر مؤامرة لقتلهم. كما إن لها أسباب خارجية فقد تمتع يوسف بن سراج بنفوذ قوي وصل عقد صفقات سرية مع ملوك قشتالة، وتدخلهم في تولية أمير بوساطة من بني سراج. وقيل بل هي من نسج حريم القصر، فقد كان أبو الحسن متزوج بابنة عمه الأميرة عائشة الحرة، ثم تزوج وهو كهل من القشتالية إيزابيلا دي سوليس الملقبة بالثريا - سترتد عن الإسلام هي وأبناؤها بعد السقوط - فحدثت زوبعة سياسية داخلية هزت أرجاء البلاد المتهالكة، فقد نشب خلاف بين المرأتين على ولاية العهد، فقد كانت كل واحدة تريد أن يستأثر أحد أبنائها بهذا المنصب. وفي هذا الصراع أيد بنو سراج الأميرة العربية عائشة الحرة وابنها المنحوس أبا عبدالله الذي سقطت الأندلس على يده، بينما وقفت إلى جانب الأميرة ثريا عائلة أبا القاسم ابن فينيجاس وزير السلطان أبي الحسن، وأقنعوه بأن زوجته عائشة الحرة تدبر له أمراً مع أسرة بني سراج، فقام بسجنها مع ابنها أبي عبد الله، ثم قام أبو الحسن بتنظيم مذبحة بني السراج.

* بالعجمي الفصيح:

من المأثورات إن أولئك الذين لا يستطيعون تذكر تاريخهم محكوم عليهم بتكراره.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج