من الأخطاء التي يرتكبها أولئك الذين يعتبرون أنفسهم «معارضة» و«مناضلين» و«في ثورة» قيامهم بنشر تقارير مثالها أن البحرين شهدت خلال أسبوع واحد «5 مظاهرات « في 5 مناطق. وسبب اعتبار ذلك خطأ هو أن من يقرأ مثل هذا الخبر يفهم منه أن تلك المظاهرات شارك فيها الآلاف وأنها عملت ضجة ولفتت العالم كله إليها، لكنه عندما يرى صور تلك المظاهرات أو الفيديو الخاص بها يصدم ويقرر أن ناشري الخبر دخيلون على هذا «الكار»، وفي الغالب يقرر أيضاً ألا ينظر بجدية إلى أي خبر يصدر عن هذه الجهة، كي لا يصدم مرة أخرى!

من دون النظر إلى الصور أو الفيديوهات يمكن القول بأن أكبر مظاهرة من بين المظاهرات الخمس موضوع التقرير شارك فيها عشرون شخصاً نصفهم من الأطفال وأنها لم تستمر إلا لوقت قصير وأن الغاية منها في الأساس هو التقاط الصورة وتسجيل الفيديو كيما تستفيد منه الفضائيات «السوسة» التي تصنع من ذلك مادة إعلامية تجعل من يشاهدها يعتقد بأن البحرين تعيش أحوالاً صعبة وأن العشرة الذين هم قوام تلك المظاهرة ليسوا عشرة ولكنهم عشرة آلاف وأنهم بدوا عشرة لأن المصور حريص على عدم إظهار البقية في الصورة لأسباب تتعلق بسلامتهم!

مثل هذا الخطأ ليس صغيراً ولكنه كبير، فأن تتحدث عن مظاهرة ثم يتبين أن قوامها عدد قليل وأنه من الصعب أن يصف المتلقي فعلهم بهذا الوصف يعني أنك تؤكد إفلاسك وضعفك وانفضاض الناس من حولك، فالمظاهرة إن لم يشارك فيها أعداد كبيرة ويهتز المكان بهدير أصواتهم وزئيرهم ويتحقق بها أهداف يتم تحديدها لا يمكن اعتبارها مظاهرة. ولتوضيح الصورة لمن لا يعرف فإن المظاهرات التي تتحدث عنها تلك التقارير التي تصدر عن أولئك مكانها داخل بعض القرى ولا يشارك فيها إلا عدد قليل جداً وسرعان ما تنتهي. لهذا فإن القول المفيد هو أن الأخبار عن هكذا مظاهرات فيه إساءة إلى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم «في ثورة» و«معارضة» و«مناضلين».

الأمر نفسه فيما يخص الأخبار التي تتناول بعض السلوكيات السالبة من مثل إشعال النار في إطارات السيارات، حيث تظهر الصورة أو الفيديو ما لا يؤيده الواقع وما يؤكد حالة الإفلاس التي وصل إليها أولئك، وحالة الملل التي وصل إليها متلقي تلك الأخبار، فمن يسمعها ويرى تلك الصور والفيديوهات يعتقد أن الحياة في البحرين صعبة وخطرة ثم عندما يأتي ويعاين يتبين له مبالغات تلك المجموعة فيصنف تلك الممارسات وتلك الأخبار في باب المراهقة.

عملياً لم يعد للمظاهرات ذات الأعداد الكبيرة أية قيمة، فكيف بالمظاهرات «بو نفرين» التي سرعان ما تنتهي ولا يلتفت إليها حتى ساكني القرية التي تخرج فيها؟ الواقع يؤكد أنه لولا ما ينشر عن هذه في وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الفضايات «السوسة» لما عرف أحد أن مجموعة صغيرة سار أفرادها معاً من مكان إلى آخر واعتبروا ذلك مظاهرة.

لو أن هذا الأسلوب نتج عنه ما يفيد قبلاً لما أحجم عنه أهله اليوم ولشارك في المظاهرات كل من سمع بها أو مرت حيث كان متواجداً، لكن لأنه ثبت ألا نفع من هكذا ممارسة وأنه يمكن أن ينتج عنها ما يضر ساكني الموقع، لذا لم يعد أحد يتحمس لها ولا يشارك فيها إلا ذلك العدد القليل الذي لولا اللافتات التي يحملونها لاعتقد من يراهم أنهم ينتقلون من مجلس إلى مجلس آخر في القرية.

الحديث عن المظاهرات بتلك الطريقة يضر بمنظميها الذين يعتبرون أنفسهم «معارضة» و«مناضلين» و«في ثورة» دون غيرهم، ويوفر سبباً للآخرين لينظروا إليهم بسلبية ويتساءلون عن فلسفة تلك المظاهرات!