ستستمر تركيا في المتاجرة بقضية مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي ولن تلتفت إلى كل ما تقوله المملكة العربية السعودية عن هذه الجريمة التي «لا تعبر عن سياستها وليست نهج مؤسساتها»، كما قال سفيرها لدى مملكة البحرين الدكتور عبد الله بن عبد الملك آل الشيخ مؤخراً لـ «الوطن»، والأكيد أن تركيا لن تلتفت لاعترافات المتورطين في ذلك ولا لجلسات المحاكمة التي تعقد في الرياض، فتركيا حددت لها أهدافاً قررت أن من الممكن تحقيقها عبر هذا الملف ولن تسمح بإعاقة تحقيقها، وهذا يعني أن السعودية لو فعلت كل ما يمكن فعله فإن تركيا لن تقبل به، إذ كيف يمكنها القبول بما يعيق تحقيقها أهدافها من خلال ملف خاشقجي الذي تعتبره هدية من السماء؟ لهذا فإن من الطبيعي ألا تقدم للسعودية الأدلة والقرائن والمعلومات التي تقول إنها متوفرة لديها فيما يتعلق بقضية خاشقجي.

مسألة أن لتركيا أهدافاً تريد تحقيقها من خلال المتاجرة بدم جمال خاشقجي تتضح يوماً في إثر يوم، والأكثر وضوحاً أنها تعمد إلى جعل هذه القضية مستمرة وطاغية ودفع الإعلام إلى اعتبارها القضية الأولى في العالم والتي من دون تحقيق ما ترمي من خلالها لا يمكن للعدالة أن تتحقق في العالم ولا يمكن أن يقال بأن تقدماً قد حصل في ملف حقوق الإنسان!

باختصار وبصريح العبارة يمكن القول بأن تركيا تريد أن تبتز السعودية. تركيا تساوم السعودية على هذا الملف، والأكيد أن تعتقد بأن السعودية يمكن أن تفعل كل ما يطلب منها مقابل إغلاق هذا الملف. لكن لأن هذا ليس صحيحاً وليس منطقياً، ولأن السعودية أفهمت تركيا بأنها لا تقبل بهذا الأمر، لذا فإن تركيا عمدت إلى التدويل بإدخال الأمم المتحدة طرفاً والقول بأن «الموضوع خرج من يدي»!

كل ما فعلته تركيا وما قالته لم يهم السعودية ولا يهمها. السعودية عبرت عن ألمها لما حدث لمواطنها جمال خاشقجي وشددت على أنه جريمة مرفوضة وعمدت إلى اتخاذ الإجراءات المتعارف عليها في مثل هذه الأحوال، لكنها أكدت أيضاً رفضها لأي «محاولة للخروج بالقضية عن مسار العدالة في المملكة» ونبه سفيرها لدى البحرين إلى أن الموضوع «يهم المملكة قبل غيرها» وأن ما حدث «عمل جنائي بحت» لا يمكن أن يمر من دون معاقبة المتورطين فيه.

من الأمور التي بدأت تتضح في هذه القضية أن تركيا سعت ولا تزال إلى فتح الباب لتدخلها وتدخل الدول الأخرى في شؤون المملكة الداخلية، وهذا يعني أن خاشقجي وما جرى عليه لا يهم تركيا، فما يهمها هو أن تستفيد من كل ذلك وأن تحقق من خلاله ما تريد تحقيقه من أهداف وغايات.

شيء واحد لم تنتبه له تركيا وهو أن العالم مل من هذه القصة التي تفاعل معها وتعاطف كثيراً، وسبب الوصول إلى هذه الحالة هو تبينه أن تركيا لم تهتم بقضية خاشقجي من أجل إحقاق الحق وتأكيد عدم قبولها للأسلوب الذي تم به قتل الضحية وإنما من أجل تحقيق أهداف سياسية بحتة ولمساومة السعودية والضغط عليها بغية تحقيق مآرب أخرى. والواقع يؤكد بأن أغلب الذين تأثروا وتعاطفوا مع ما قالته وروجت له تركيا في البداية وحتى مرور 100 يوم على الحادثة غيروا موقفهم ولم يعودوا يلتفتون إلى ما تقوله وما تفعله، خصوصاً وأنها لم توفر للسعودية ما ينبغي توفيره من معلومات وأدلة وقرائن تتعلق بالقضية.

بعد مرور عام على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي سيتذكر العالم ما حصل له وسيتألم، لكنه سيتألم أكثر عندما يتذكر بأن تركيا عمدت إلى المتاجرة بدم خاشقجي.