التعامل مع الآخرين والإتيكيت والبروتوكول هو فن وذوق، والأولى بأن نمارسه أولاً داخل نطاق الأسرة بحرفية مع الأشخاص الذين نلتقي بهم كل يوم ونعيش معهم تحت سقف واحد، فحسن التصرف وأدب السلوك في جميع معاملاتنا اليومية مع أفراد الأسرة كعلاقة الأزواج ببعضهم ومع الأبناء وأهل النسب وحتى مع الأفراد الذين يعملون في المنزل – عاملة أو طباخ وسائق – فالإتيكيت أو بروتوكول التعامل داخل دائرة المنزل هي بمثابة مرآة تعكس الواقع الحقيقي لكل فرد في التعامل مع الآخرين من خارج هذا النطاق في العمل أو في المدرسة أو عند استخدام المرافق العامة من شوارع وأسواق أو خلال إنهاء بعض المعاملات في منشآت مختلفة، فبروتوكول التعامل أو الأدب والتنظيم يبدأ من المنزل أولاً.

حضرت الأسبوع الماضي دورة تدريبية للأستاذة منى الزايد خبيرة البروتوكول والمراسم والتشريفات حول البروتوكول في العمل، حيث اتسمت دورتها بروح من المرح الممزوج بعمق الخبرة التي تمتلكها الأستاذة منى الزايد في هذا الجانب الهام في التعامل مع الضيوف في إطار العمل، وكلما تفردت الأستاذة منى الزايد في معلومة حول البروتوكول في جانب معين، أقارنها شخصياً في الجانب العملي الحياتي، وليس في الجانب الرسمي مع الوفود، لأجد بأن البروتوكول والإتيكيت جزء هام لا يتجزأ في التعامل مع الآخرين حتى في محيط الأسرة، لذلك من المهم معاملة أفراد الأسرة بعناية واحترام تماماً كما نحترم ضيوفنا في العمل ونعاملهم معاملة الشخصيات رفيعة المستوى.

أحيانا يكون سلوك فرد في الأسرة أو ربما جميعهم مع بعضهم البعض في التعامل بقسوة أو بإهمال واللامبالاة بأنه «عادي» أو غير مهم في بذل أقصى مراتب الاحترام والتقدير، لكون هذا الفرد يعيش معه ويشاهده كل يوم، وننسى بأن الله عز وجل خلق المشاعر والأحاسيس، مثلما خلق الحواس والأطراف وأعضاء الجسم، فالاهتمام بالمشاعر هي تماماً كما الاهتمام بالأشياء الأخرى، ما دامت تحيط الفرد ويكون في دائرته، ففن التعامل وحسن المظهر والتواجد اليومي – على مائدة الطعام أو مشاهدة التلفاز ومعرفة أدق تفاصيل يوميات كل فرد من أفراد الأسرة – هو بمثابة بروتوكول في تنظيم حياة أسرية سعيدة بل قصة نجاح الأفراد في تعاملهم مع بعض ومرآة واضحة بعيدة عن النفاق مع تعاملهم مع الناس، تقول لي إحدى الأمهات – وهي ربة بيت – بأن زوجها وأبنائها لا يقدرون تضحياتها لهم من خلال تواجدها اليومي لتلبية طلابتهم بالرغم من أن تعاملها مع الآخرين يتميز بالاحترام وحسن التقدير، وتقول بأنها لو تمرض ليوم واحد ينقلب البيت على عقبيه، ولا يتحمل أحد منهم المسؤولية في التنظيم والترتيب.

وهذا يقودني بأن أقول، بما أن البروتوكول كما جاء في تعريفات كثيرة - واقتبست هذا التعريف - هو «إتيكيت خاص بقواعد الدبلوماسية وشؤون الدولة»، فإني أرى أن كل شخص يحتاج أن ينظم نفسه وفق بروتوكول لمجموعة من القواعد التي يجب أن تحترم تبدأ من احترام الذات وتنتقل إلى احترام الآخرين والاعتراف بأهميته وبوجوده، ومثلما نعطي الآخرين اعتبارات كثيرة واحترام يفوق الوصف، فإن الأولى بأن يحوز كل فرد من أفراد الأسرة هذا الاستحقاق، البروتوكول في نطاق شؤون الأسرة من أجل سعادة الجميع تبدأ من سعادة النفس وتنتقل إلى الأسرة وإلى المجتمع بعد ذلك.