ليست من الضرورة أن تكون أزمة الثقة السياسية قائمة بين أحزاب سياسية والحكومة، ولكن قد تكون قائمة بين المواطن والمؤسسات السياسية سواء كانت حكومية أو برلمانية. خاصة إذا ما تخللها تراجع ما تحققه تلك المؤسسات السياسية على مستوى طموح واحتياجات المواطن.

ومن جانب آخر على المؤسسات السياسية أن تعي أن الثقة بها تركز على تحقيق متطلبات الحياة والوضوح والشفافية الحقيقية. فليس من مصلحة أي طرف فقدان المصداقية والثقة.

كما إن تراجع الثقة في العمل الحزبي لدى الشارع البحريني ليس لأن المواطن البحريني ليس محزباً فحسب، بل لأن تلك الأحزاب عجزت عن تسويق عملها السياسي، ومن جانب آخر، انجراف عدد من الجمعيات بعد تجيير عملها طائفياً، أو قيامه على قناعات مرجعية خارجية، سواء كانت سنية أو شيعية، مما أدى إلى تأصل عدم الثقة بها وصولاً لانعدام قناعة المواطن بالعمل السياسي الحزبي، الذي نشهد نتائجه في آخر ثلاث دورات برلمانية.

قفزة بهلوان

البهلوان هو الشخص البارع في نوع من الألعاب التي تتطلب التوازن والخفة كالمشي على الحبل، أو من يحاول إدهاش الناس بوسائل غريبة.

من المؤسف اليوم أننا نرى أن هناك من يحاول أن يقفز قفزة البهلوان عن أزمة الثقة السياسية، بإصدار بيانات أو استنتاجات لا تستقيم وقراءة المواطن للمشهد السياسي الحالي، مثال على ذلك طلب زيادة الرواتب في ظل الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، مثال آخر التلكؤ في محاربة الفساد بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ من القضايا التي ترد في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية إلى أن وصلت إلى انعدام قناعة المواطن في تحقيق ذلك خاصة في ظل تضخم تقارير ديوان الرقابة!

إن هذه الأمثلة هي نابعة مما يدور من أحاديث بين عامة الناس ومجالسهم.

إن عدم الإجابة على هذه الأسئلة يعد بمثابة القفز على وعي المواطن خاصة بعد ما شكل رؤية وأصبح يفرق بين المطالب الحياتية والأطماع السياسية، بعد الأحداث المؤسفة التي مرت عليه في فبراير 2011، والتي ما زالت حاضرة بذهنه وان تجاوز آثارها النفسية والمجتمعية والسياسية.

إذا ما قررنا أن هناك أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسات السياسية، فمن الأوجب استعادة تلك الثقة بين جميع الأطراف التي تنطلق من عهد موثوق قوامه هموم واحتياجات المواطن حيث إذا ما فشلت المؤسسات السياسية ستفقد مصداقيتها وثقتها لدى المواطن وجيل المستقبل.

حقيقة يجب إدراكها

رغم أن الثقة هي جسر الحياة التي نمضي عليه إلا أنه أضحت ثقة المواطن بالبرلمان في تراجع كبير وغداً يعول على برنامج عمل الحكومة وبرنامج التوازن المالي، للحفاظ على مكتسباته الحياتية والاقتصادية أكثر من البرامج الانتخابية للسادة النواب. كما إن عدم الإيفاء بالوعود والعهود التي قطعتها المؤسسة السياسية والإدارية على نفسها والتي تعزز وتطور استدامة الخدمات الحكومية لصالح المواطنين، خاصة طبقة محدودي الدخل، سيجعل المواطن في أزمة ثقة حقيقية مع تلك المؤسسات.

لأنه وببساطة رغم أن المواطن يتطلع إلى رؤية إيجابية مستقبلية طويلة الأمد، إلا أنه بحاجة لرؤية قريبة الأمد تحقق له إشباع حاجاته ورغباته الضرورية التي قوامها الحفاظ على مكتسباته والشفافة الحقيقية. ومن يقول غير ذلك سيكون ممن يتخذون من قفزات البهلوان منهاجاً.