^   أعيد إلى الذاكرة مقالي الذي نشرته عام 2010 في صحيفة (لافيغارو) الفرنسية ، وحمل عنوان “البصرة جسر الخليج الذي تحتله إيران”، وترجمته من ثم إلى العربية ونشرته عدة مواقع إلكترونية عراقية وعربية ، ومازال منشوراً، وأكرر ما أوردته عن وصية الشاه رضا بهلوي لولده محمد رضا الذي خلعته شعوب إيران، من أنه أمّن له ضفة الخليج الغربية، وعليه تأمين ضفته الشرقية، وأن شاه إيران الجديد المعمم وضع تلك الوصية نصب عينيه حتى باتت البصرة على وفق تلك الوصية، التي فشل في إنجازها إبان حرب الثمان سنوات، بعد عقد من احتلال العراق، مدينة شبه غريبة عن العراق والعراقيين، ومثابة للمشروع الإيراني الجديد القديم لسلخ الجنوب العراقي بأكمله، تحت شتى الذرائع والمسميات وإلحاقه بإيران، ومن ثم اتخاذه مثابة للقفز على المنطقة الشرقية في السعودية والكويت والبحرين ، ونحن نرى الجهد الإيراني بوضوح هذه الأيام في البحرين ، إذ بات يختزل محطات الانقلاب بالقوة ، مستعيداً خطط هادي المدرسي العسكرية لإسقاط النظام والاستحواذ على البلد، وإلحاقه بإيران، وسيناريوهات حزب الله التي أسس لتنفيذها عبر تدريب الدرنات الإيرانية وبعض صبيان الشيعة العرب السذج من مغسولي الأدمغة الذين يلاحقون حلماً طوباوياً طائفياً ، شحنهم بأساطيره الخطاب الملائي القمي ، لداينمو ولاية الفقيه، وممثليها في البحرين ، دون أن يدركوا أنهم إنما يسيرون على درب استعبادهم ، والانسلاخ عن هويتهم الوطنية ، منذ اللحظة التي يقدمون فيها ولاءهم الطائفي لقم على الولاء للوطن، ويمكن التدليل على ذلك بقراءة السطور الظاهرة لجريمة العكر ، التي أعدها تطوراً نوعياً للتراكم الكمي لجرائم الاستهداف بالمولوتوف. ما يعيد إلى ذهني بقوة أيضاً تقليب صفحات البصرة واستذكار المشروع الإيراني لجنوب العراق ، السعي الحثيث لحكومة المالكي في ترسيخ كيان عراقي طائفي ممزق الأشلاء ، كشفه تعثر الجهود لعقد المؤتمر الوطني العام لحل الخلافات بين القوى السياسية في العراق بعد فشل الاجتماع التحضيري للكتل السياسية الرئيسية في منزل نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي الأربعاء الماضي، وتفاقم حدة الخلافات واشتعالها بين جبهتين: الأولى هي “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي ، الأداة الإيرانية لتنفيذ مشروع دولة الجنوب الإيرانية ، بوعي وإرادة وعلم ، أم لجهل بالعواقب وبالنتيجة ، والثانية تضم ائتلاف “العراقية” بزعامة إياد علاوي إضافة إلى “التحالف الكردستاني” المكون من “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني و«الاتحاد الوطني الكردستاني” بزعامة الرئيس جلال طالباني. حيث تبادلت الجبهتان الاتهامات بشأن من يتحمل مسؤولية تصاعد الخلافات في ظل تعقد الكثير من الملفات الخلافية، وفي مقدمها, ملف النفط بين الحكومة المركزية في بغداد وبين حكومة إقليم كردستان في أربيل، كما إن ائتلاف علاوي جدد اتهامه المالكي بتعزيز سياسة الاعتقالات ضد أعضاء الائتلاف وبأنه يسعى إلى تقوية تفرده بالسلطة من خلال ربط عمل البنك المركزي العراقي بأمانة مجلس الوزراء. والأهم في كل ذلك هو اتهام القيادي في ائتلاف علاوي عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان حامد المطلك إيران بالسعي، ضمن سياسة استراتيجية، إلى تصعيد الخلافات بين الشيعة من جهة والسنة العرب والأكراد من جهة ثانية. فقد ذكر في حديثه لجريدة (السياسة) الكويتية أن المشروع الإيراني في العراق يهدف إلى أمرين: الأول تمزيق وحدة العراق وإشعال مواجهة طائفية مع السنة من خلال دفع بعض أطراف التحالف الشيعي إلى الهيمنة على السلطة، والثاني التمهيد لقيام دولة شيعية تكون امتداداً لإيران ومرتبطة سياسياً بها في المحافظات الجنوبية التسع. في سياق متصل، أفادت بعض التسريبات السياسية في بغداد أن أطرافاً في “حزب الدعوة” الذي يتزعمه المالكي تنسق بشكل وثيق مع الجهات الإيرانية، سيما “الحرس الثوري” الذي يتبنى المشروع السياسي التقسيمي في العراق. وبحسب المعلومات، فإن “الحرس الثوري” المدعوم من المرشد الأعلى علي خامئني يؤيد تقسيم العراق وتأسيس دولة شيعية تابعة لإيران في جنوبه، كي تلعب هذه الدولة دوراً أساسياً في الصراع الإقليمي الاستراتيجي بين دول الخليج العربي وبين إيران. ويرى العديد من المحللين والمتابعين ، للشأن الإيراني وسياسة إيران نحو العراق ودول مجلس التعاون الخليجي ، إن وجهة نظر “الحرس الثوري” تتلخص بأن العراق لن يذهب بعيداً في مساندة إيران في صراعها مع مجلس التعاون الخليجي طالما بقي العراق الواحد الذي يسمح للسنة والأكراد بأن يكونوا جزءاً من الحكومة ومن القرار السياسي بشكل أو بآخر. وإن هناك خيارين أمام “الحرس الثوري”: إما تقسيم العراق وقيام دولة شيعية في الجنوب خالصة الولاء السياسي للجمهورية الأسلامية في إيران، وإما تمكين المالكي وتحريضه مع حزبه على الاستيلاء الكامل على المواقع الحيوية للدولة العراقية وإخضاع السنة والأكراد لهيمنة شيعية مطلقة، ويظن البعض أن الخيار الثاني يبدو صعباً لأن السنة والأكراد كشفوا حقيقة المخطط مبكراً، وهو الأمر الذي أدى إلى تصاعد الخلافات ، وهذا ما يدفع بالسيناريو الأول إلى تصعيد الجهد الإيراني ، في العراق ودول الخليج ، وفي مقدمتها البحرين ، تزامناً مع تصاعد الأحداث في سوريا وتطورات الأوضاع فيها ، والدور الخليجي الإقليمي المتنامي ضد التيار الإيراني . وكنا نراقب بدقة الانتظار الإيراني لإتمام القوات الأمريكية انسحابها من العراق ، لتقليب صفحات هذا المشروع ، على بطئها ، لكننا سجلنا بدقة تعجيلها المتسارع ، بعد تفجر الأحداث في سوريا وظهور بوادر سقوط النظام السوري ، واحتمال انهيار أهم محطة متحالفة مع إيران ومشاريعها في الشرق الأوسط أو الشرق العربي الذي تسميه المشرق الإسلامي . في ذات السياق، أكدت الباحثة في الشؤون الإيرانية مريم النعيمي لصحيفة (السياسة) الكويتية أيضاً ، أن أهداف طهران أبعد مما قد يتصوره أي سياسي، لأن هدفها لن يقف عند حدود إقامة دولة شيعية في الجنوب العراقي. وأشارت إلى وجود مرحلتين من المشروع الإيراني الذي يتبناه “الحرس الثوري”: مرحلة أولى تقضي بتأسيس دولة شيعية في العراق، سواء بتقسيمه أو عن طريق الهيمنة المطلقة للمالكي وبعض الأطراف الشيعية على الدولة العراقية الكاملة والموحدة وإخضاع السنة و الأكراد، فيما تقضي المرحلة الثانية بخلق اضطرابات في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل واسع، سيما في البحرين والكويت وشرق السعودية وعُمان، ليتم بعدها احتواء منطقة الخليج بالكامل لصالح النفوذ الإيراني بدعم من حكومة شيعية قوية ومهيمنة في بغداد أو دولة شيعية في جنوب العراق. والسؤال الآن ، أين تقف دول الخليج من هذا المخطط؟؟