يصادف اليوم الاثنين، 13 نيسان 2015، الذكرى الـ40 لبدء الحرب الأهلية اللبنانية، هذه الحرب التي راح ضحيتها أكثر من 150 ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى وأصحاب إعاقة دائمة، بالإضافة إلى أكثر من 17 ألف مفقود لايزالون مجهولي المصير حتى اليوم.
وعلى الرغم من انتهاء هذه الحرب منذ 25 عام أوكتوبر 1990 إلا أن جزءاً كبيرا من اللبنانيين يعتبرون أن الحرب لاتزال مستمرة من خلال ما خلفته من فكر طائفي، ويجدون من التذكير ببشاعة تلك الحرب سبيلا لمنع تكرارها. ولهذا، شهدت الدراما والسينما اللبنانية الكثير من الأعمال التي تتمحور حول مآسي الحرب الأهلية، إضافة إلى الأفلام الوثائقية التي توثّقتها.
المخرج والأستاذ الجامعي هادي زكاك قرر الخروج عن المألوف من خلال تصوير فيلم وثائقي يختزل 60 عاما من تاريخ لبنان من خلال سيارة "المارسيدس"، هذه السيارة التي دخلت لبنان في الخمسينات من القرن الماضي وأصبحت جزءا لا يتجزأ من النسيج اللبناني.
في الوثائقي الذي يحمل عنوان "مارسيدس" صوّر زكاك لبنان المزدهر قبيل الحرب، وأظهر من خلال مقاطع نشرات إخبارية تُبثّ من راديو المارسيدس، الحالة الاقتصادية النشطة وحركة السياح الكثيفة إلى لبنان، حينها تركت عائلة مارسيدس ألمانيا لتستقر في لبنان.
وانقسمت العائلة التي لُقِّبت حينها ب "المدعبلة" إلى مجموعتين، الأولى انضمت إلى فئة "التاكسي سرفيس" والثانية أصبحت من "وجهاء البلد". وفي الستينات أصبحت "المدعبلة" رمزا للطبقة الكادحة بعد ولادة جيل جديد من المارسيدس التي استحوذت على "الوجاهة".
وتتوالى الأحداث بعد ذلك سريعا حين تبرز في بداية السبعينات أخبار متتالية تنذر بأحداث وتدخلات خارجية لتجعل من لبنان ساحة حرب.
وبالفعل تحول لبنان مطلع العام 1975 بحسب الفيلم إلى "استوديو طبيعي لتصوير أفلام الحرب". وكانت المارسيدس جزأ لا يتجزأ من الحرب حيث أصيبت ونقلت سيارات إسعافها المصابين، وكانت تنقل المقاتلين وتحمل على متن شاحناتها قواعد صواريخهم، وتحمل الأبرياء من النازحين إلى أماكن آمنة، وتؤمن شاحناتها التابعة للصليب الأحمر لهم المساعدات.
وفيما كان "الوجهاء" يقيّمون قرارات السلم والحرب، اغتيل أفراد العائلة الألمانية معهم، وشهدت العائلة وصول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى التلال المشرفة على بيروت، كما وحملت إلى لبنان جنود الجيش السوري الذين دخلوا بهدف فرض وقف لإطلاق النار.
ومع بدء حلحلة الوضع، بدأت حال "المدعبلة" تتراجع مع سوء الأحوال المعيشية وحالة الترقب الحذرة لأحداث قد تشعل الحرب من جديد. وفي العام 1990 شاركت العائلة الألمانية الاحتفالات بنهاية الحرب الأهلية، وبدأت بالتزامن مع مرحلة إعادة الإعمار، محاولة تصليح المارسيدس، إلا أن هذه المرحلة التي عملت على بناء الحجر دونما بناء البشر، تركت على "المدعبلة" تشوهات وصدأ فلم تشفى، كما اللبنانيين جراحها.
تمثل "المدعبلة" في الفيلم بالنسبة لهادي زكاك، حالة اللبناني الذي شارك أو شهد على الحرب الأهلية، إلا أنه لا يزال يعاني من مخلفاتها حتى اليوم، ومن أبرز هذه المخلفات "الطائفية". فبعد أن عمل زكّاك في الأعوام الماضية على العديد من الأفلام التي تحاكي واقع اللبنانيين، استاء من تغلغل الطائفية في المجتمع، فقرر أن يوثّق الحرب الأهلية من خلال عائلة المارسيدس التي ترمز إلى المجموعة الطائفية، تلك التي تدهورت حالتها خلال الحرب وفشلت في أن تجدد جسدها المليء بالصدأ والجلوف.
ويقول زكاك في حديث مع "العربية.نت" إنه ملّ من تكرار الأفلام التقليدية التي تعيد رواية أحداث الحرب بقالب كلاسيكي، إلا أنه يجد من الضرورة تذكير اللبنانيين بها والإشارة إلى أن تلك الحرب لم تصل إلى حل، "فنحن اليوم لانزال نعيش في الحرب، وما فعلته من خلال الفيلم هو تقبّل للواقع ومعالجته في سياق ساخر بعض الشيء، وساعدني هنا الاستعانة بعائلة المارسيدس كي لا تسيئ سخريتي إلى أي طرف."
ويكمل الفيلم تطور المارسيدس ودورها في مرحلة ما بعد الحرب حيث ظهرت إلى الساحة أجيال جديدة عرفت بـ "الشبح" والغواصة" (وهي تسميات يطلقها اللبنانيون على موديلات المارسيدس الحديثة).
وواكبت "الألمانية" كافة التطورات السياسية والأمنية التي تبعت الحرب.
ويُتوقع أن تتمسك العائلة الألمانية بلبنان، فبعد فشلها بإلغاء الطائفية أصبحت المارسيدس طائفة بحد ذاتها.
وكان "مارسيدس" قد عرض للمرة الأولى في مهرجان دبي السينمائي حيث حاز على المرتبة الأولى، ثم شارك الفيلم بالعديد من المهرجانات السينمائية حيث نال العديد من الجوائز ليعرض بعد ذلك على قنوات أوروبية ومن ثم عربية، ويختتم جولته بإصداره منذ أسبوعين في الأسواق اللبنانية على أقراص DVD.