يقول لي المسؤول فلان: المواطن البحريني صار «رمزاً» في التحلطم والتذمر!

فأجيبه: هذه نتيجة لما تقومون به، فأنتم تتركونه يسأل ويسأل، ولا أحد يجيبه، وتطالعونه في المقابل بقرارات وإجراءات دون أية «مواجهة» معه، لا تبررون له، ولا تشركونه في صناعة القرار، ثم تطلبون منه بـ»طرق غير مباشرة» أن «يتحمل مسؤوليته» تجاه الوطن.

والله المواطن لديه مسؤوليته تجاه الوطن، أنسيتم كيف خرج هذا المواطن ليدافع عن وطنه وليتمسك بقيادته، وليتوحد خلف ملكه حفظه الله وأدامه؟! وبالتالي أرجو ألا يزايد أحد على مسؤولية المواطن.

في المقابل نحن نبحث عن «تحمل مسؤولية» من قبل كثير من المسؤولين، خاصة ممن تشهد لهم تقارير الرقابة المالية والإدارية بـ «سوء الإدارة» سواء من الناحية البشرية، أو من الناحية المالية، عبر الهدر الكبير والفشل في ضبط المصروفات، والواقعية في ابتكار المشروعات والمبادرات.

تحمل المسؤولية لا يجب أن يوجه كمطلب للناس، فالمواطن ليس هو واضع السياسات المالية ولا الإدارية، والمواطن ليس هو السبب في وجود حالات فساد، ولا هو السبب في هبوط أسعار النفط، ولا هو السبب في عمليات الاقتراض وزيادة الدين العام؟! فلماذا يتحمل هو المسؤولية؟!

يفترض بأن من يصنع القرارات ويتخذ الإجراءات، يتحمل مسؤوليتها إن جاءت بنتائج عكسية أو كانت لها انعاكاسات سلبية على الوطن والمواطنين، لكن هل هذا يحصل؟! هل هناك من المسؤولين من يخرج ويقول «أتحمل المسؤولية»؟!

للمرة المليون نقول إننا ندرك معايشتنا لوضع صعب، خاصة على الصعيد الاقتصادي والمالي، لكن رغم ذلك نجزم بأن هناك حلولاً عديدة بعيدة عن المس بالمواطن، لو أننا فقط أبعدنا المواطن ومكتسباته عن الحسبة، إذ في النهاية الدولة وكل قطاعاتها تعمل لأجل مواطنيها، ولا يعقل أن تمضي في سياسات تراها تتسبب بشكل واضح في إثارة الاستياء العام أو نشر حالة التذمر!

قضية وقف العلاوة السنوية، وهي مسألة هامة لكثير من المواطنين، بالأخص من أصحاب الرواتب الدنيا والمتوسطة، لا زالت موضوع الحديث وستظل لفترة قادمة، وبموازاتها هناك من يقلل من شأن العملية في أحاديث جانبية وبأساليب «بيني وبينك» لكنه لا يجرؤ على الخروج أمام الناس ليقول رأيه، لأنه يعرف أن رأيه هذا يشابه كلام «ماري إنطوانيت» التي قالت للشعب الفرنسي الجائع الذي لم يجد الخبر بأن «كلوا بسكويت»، بفارق أن الأميرة النمساوية قالتها بـ»حسن نية»، والنوع الآخر الذي أشرت إليه يقولها «بسبق الإصرار والترصد»، أي أنه يعرف أن ما يقوله لا يعجب الناس.

عموماً، النواب قاموا بخطوة نراها إيجابية بالأمس، من خلال الإعلان عن رفض وقف العلاوة وطلب الاجتماع العاجل مع الحكومة.

وهنا ألفت انتباهك عزيزي المواطن والناخب، بأن عليك منذ الأمس التسجيل في ورقة بيضاء اسم كل نائب وموقفه من الموضوع، بالأخص من أعلن رفضه، سجل أسماءهم وتابع مواقفهم، ومن يغير موقفه، اعرف تماماً أنه شخص لا يستحق الثقة وأنه «خان الأمانة» بالدفاع عن مصالح الناس.

يوم أمس أيضاً تواردت أنباء عن صدور قرار قريب بخفض رواتب الوزراء والبرلمانيين، وهي خطوة أقدمت عليها السعودية العام الماضي، ومع هذه المعلومة التي أفيد بأنها نقلاً عن مصدر مطلع، مازال الناس يجهلون أين تكمن الحقيقة، ويبحثون عن التفاصيل، واللغط يزيد، والافتراضات تتوالد، والكل يفتي ويتحدث، وهنا من زاد غضبه على الحكومة، وهناك من يعتبرها سيناريوهات وتكتيكات لتمرير الميزانية دون تعطيل، وأن الموازنة العامة ستتضمن بنداً لصرف العلاوة السنوية.

كل هذا تداول بين الناس، لكن المشكلة هنا أنه لا يوجد «حسم رسمي» لهذا اللغط، ولا لهذا الانفلات الإعلامي المبرر الحاصل في وسائل التواصل، لأن من حق الناس أن يتساءلوا، ومن حقهم الحصول على إجابات.

مازال الناس ينتظرون واحداً يخرج إليهم ويتحدث بكل وضوح وشفافية، ويشرح لهم لماذا اتخذت هذه الإجراءات، وليكشف لهم عن الخطوات القادمة.

ولكن للتذكير هنا، بأنه حتى عملية المكاشفة والمصارحة بين الحكومة والناس، ليست هي «مربط الفرس»، وليست هي التي تأتي في المقام الأول، بل المسألة الأهم تتمثل في أن «مكاسب الناس» هي التي لا يجب أن تمس، مصلحة المواطن فوق كل شيء، ووضعه المعيشي يجب أن يتطور لا أن يتدهور.

كلموا المواطن، تواصلوا معه، ردوا على أسئلته، اشرحوا له مسوغات القرارات، افعلوا كل ذلك قبل أن تصفوه بأنه «متحلطم» و»متذمر» و»لا يتحمل المسؤولية»!

تحمل المسؤولية يأتي أولاً من أصحاب المسؤولية، لا من المتأثرين بهم.