لعل ما حصل خلال الأيام الماضية، واستدعى تدخل جلالة الملك حفظه الله ليحسم الأمور ويرفع من شأن رأي الناس، ويرسل رسالة واضحة للمعنيين بأن صوت المواطن يجب أن يستمع له وأن يحترم، لعل ما حصل يكون بمثابة الدرس الذي يدركه من يكونون طرفاً في صناعة القرارات أو من يقدمون المشورات.

نتوسم حسن النية في الجميع، ولا نريد القول إن هناك من «لا يهمه المواطن»، بل لعل البعض أغفل «الأهم» قبل «المهم»، والأهم هنا يتمثل بالمواطن الذي يجب أن تتمحور العمليات الحكومية حوله، كونه هو الأساس، هو أساس من أساسات الوطن، وهو المحرك الأول لعمليات النهوض به، وهو الذي يمثل الشعب الذي بتكامله مع القيادة يشكل الوطن بأكمله.

بالتالي كل ما أتمناه ألا تتكرر مثل هذه الأمور، وألا تكون التجارب في أي سياسة كانت تبدأ أولا بالمواطن، خاصة وأن الأخير بما تتشعب تصنيفات أفراده، من طبقات متفاوتة منها الطبقة ذات الدخل المحدود، أقل تغيير يطرأ عليها تتأثر أيما تأثر.

وعليه، من الحصافة أننا حينما نضع أي سياسة، أو نتجه لإقرار أية أمور، من الحصافة أن نضع أنفسنا مكان أقل مواطن في مستواه المعيشي، وأن نرسم السيناريوهات والفرضيات بصيغة «ماذا لو حصل كذا أو كذا» ونخلص للنتائج، حينها يمكننا أن نستقرئ ردات الفعل بسهولة، طبعاً دون أن ننسى في عملية رسم السيناريوهات هذه لا بد من وجود عناصر تنتمي للفئات المستهدفة، أو على الأقل يتواجد أشخاص مهمتهم تقديم الرأي المخالف، أو تصعيب العملية.

في علم التخطيط الإستراتيجي، حتى ينجح رسم العمليات، وحتى تكون السياسة المراد انتهاجها ناجعة ومفضية لنتائج إيجابية، لا بد وأن يكون هناك حيز للتعاطي مع السلبيات المتوقع بروزها، إذ لا يسمى أبداً «تخطيطاً إستراتيجياً» إن كان جميع الضالعين فيه يمثلون اتجاهاً واحداً، كلهم مقتنعون برؤية واحدة دون أن تتم مناقشتها أو حتى اختبارها، والمشكلة لو أن هذا التخطيط بني على رأي فئة غالبة أو رأس هرم معين، ووافقه الجميع باعتبارات موقعه.

هنا أتحدث عن أمثلة، وعن بديهيات تدرس في علوم التخطيط الإستراتيجي، إذ هذا العلم يقول لك إنك لو عرضت خطة ما أو توجهاً معيناً ولم تجد رأياً مخالفاً، فإما أن خطتك هذه «محكمة» تماماً، أو أن هناك من لا يريد التعبير عن رأيه ولا يريد الاختلاف معك، أو أن المعنيين بالنقاش لا يعرفون التفاصيل الصغيرة الهامة المعنية بالموضوع.

مثال ذلك، لو جئنا اليوم لنقول كما حصل، بأن العلاوة السنوية ستتوقف حتى إشعار آخر، هناك من المسؤولين من قد يراها مسألة عادية وأنها لن تؤثر في الناس، في حين أنه – في الوضع الطبيعي – منطقياً لا بد من وجود عناصر قريبة من الشارع، بالأصح قريبة من الواقع، ستفيد بأن مثل هذه الخطوات – حتى إن رأها البعض صغيرة – إلا أن تأثيراتها كبيرة وتداعياتها خطيرة، خاصة وإن ارتبطت بسلوكيات الفرد وردة فعله إن كانت مبنية على إحباط أو خيبة أمل.

لذلك حينما بين جلالة الملك حمد في توجيهاته بأن أية توافقات بين السلطات لا بد وأن تضع نصب عينها مصلحة المواطن، ومضى أكثر ليشير للفئات التي يقع عليها الضرر الأكبر كالطبقة المتوسطة والدنيا، حينما بين جلالته ذلك، فهو أوضح «أساس» كل عملية تخطيط ورسم للتوجهات والإستراتيجيات، وهو ما نترجمه هنا في علم الإدارة والتخطيط الإستراتيجي، بأن أية عملية تخطيط لا تفضي في النهاية لمصلحة إيجابية للمواطن، أو أقلها تفرض عليه تراجعات سلبية، فهي عملية تخطيط لآليات لا تخدم ولا تفيد بل تضر وتكسر أموراً أخرى.

الخلاصة، بأن أي تخطيط كان، إن تم بمعزل عن التفكير في مصلحة المواطن واستقراء ردات فعله، فهو تخطيط لن يكتب له النجاح، ولن يوافق عليه الناس، ولن تقبل به قيادة البلد طالما أنها حريصة دائماً على المصلحة العامة وتعمل لأجل الناس.

نأمل ألا تتكرر مثل هذه الأمور، فالناس والله كفاها ما جاءها بسبب الظروف الاقتصادية التي مررنا بها، رغم أن هناك بدائل عديدة وكثيرة، أولها ما وجه له سمو رئيس الوزراء حفظه الله في جلسة الأمس من ضبط صارم لسفرات ومشاركات الوزراء الخارجية، إذ هذه المسألة لوحدها فيها كلام يطول، وفيها أرقام لا يقبل بها في زمن التقشف وضبط النفقات.