الحرة

تواجه المدن العراقية منذ أكثر من نحو شهرين عواصف ترابية شبه يومية، يعتبرها خبراء في البيئة نتيجة للتغييرات المناخية وانعدام الغطاء النباتي وازدياد ظاهرة التصحر وزحفها بشكل سريع نحو المدن، محذرين من زيادة هذه العواصف وتأثيرها على الحياة المواطنين في ظل انعدام الحلول.

وتسببت عواصف رملية كثيفة ضربت المدن العراقية خلال الأسابيع الماضية لعدة مرات في شل حركة السير في الشوارع وانخفاض مستوى الرؤية إلى 50 مترا، وغصت المستشفيات بالمئات من العراقيين إثر حالات الاختناق وضيق التنفس التي تعرضوا لها بسبب كثافة الأتربة التي حملتها هذه العواصف.

وفي ظل ازدياد هذه العواصف، أعلنت وزارة البيئة العراقية أنها تدرس جملة من الحلول للحد من تأثير هذه العواصف على المدن.

وقال مدير عام الدائرة الفنية في وزارة البيئة، عيسى الفياض، في تصريح خاص لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، الجمعة الماضي، إن "من بين الحلول التي يجب القيام بها لتفادي تأثير العواصف الترابية زيادة مساحة الغطاء النباتي، وإنشاء الغابات التي تعمل مصداً للرياح من أشجار مناسبة قوية الجذوع وسريعة النمو وقليلة الحاجة للمياه وتتحمل درجات حرارة مرتفعة"، مشيرا الى أن هذه الحلول تتطلب إجراء دراسة تتضمن تحديد نوع العواصف الترابية ومواقع اختلال الضغط الجوي ونوع الأشجار.

وكشف الفياض أن الوزارة تبحث إمكانية تخصيص مبلغ 100 مليون دولار كمرحلة أولى لمشروع الحزام الأخضر، وتجري حاليا دراسة استخدام مياه المجاري لسقي الأشجار غير المثمرة كما هو معمول به في العديد من دول العالم".

ورغم أن العواصف الترابية كانت حاضرة في العراق خلال السنوات الماضية مع حلول فصل الصيف، إلا أن خبراء يعزون زيادة شدتها وكثافتها إلى ما تشهده التربة في منطقة الصحراء الغربية والبادية المحاذية للبادية في سوريا والأردن والسعودية من تدهور نتيجة حركة المركبات العسكرية، إلى جانب شح المياه في نهري دجلة والفرات وتجفيف الأهوار وتقلص المساحات الزراعية، بسبب انعدام مشاريع الري وازدياد أعداد السدود التي بنتها إيران وتركيا على منابع نهري دجلة والفرات وروافدهما، وانخفاض نسبة هطول الأمطار في العراق.

وتوقع مدير إعلام الهيئة العامة للأنواء الجوية والرصد الزلزالي، عامر الجابري، في تصريح لجريدة الصباح الحكومية الرسمية "استمرار موجات الغبار لفترات طويلة خلال الأشهر المقبلة".

ويعتبر كبير خبراء الاستراتيجيات والسياسات المائية وعضو التدريس بجامعة دهوك، رمضان حمزة، شح الموارد المائية في العراق خلال المرحلة المقبلة في ظل غياب الأحزمة الخضراء حول المدن السبب الأهم في ارتفاع عدد الأيام المغبرة.

ويوضح حمزة لموقع "ارفع صوتك": "من المتوقع أن يصل عدد الأيام المغبرة إلى 300 يوم في السنة حتى عام 2050"، لأن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية في العراق متدهورة أو مهددة بالتدهور، ومن الأسباب التي تسارع في عملية زحف الصحراء نحو المدن العراقية وبالتالي زيادة العواصف الترابية".

ويرى حمزة أن الاستخدام الجائر للمياه الجوفية في المنطقة تسببت مؤخرا بجفاف بحيرة "ساوة" جنوب العراق، معتبرا ذلك سببا آخر من أسباب العواصف الترابية وزيادة التصحر.

ويضيف: "الأسباب التي ذكرناها إلى جانب التغيرات المناخية، وانخفاض الرطوبة التي تؤدي إلى فقدان الغطاء النباتي الذي يعتبر العامل الرئيس لتثبيت التربة، لأن تفكك جزيئات التربة وانتقالها مع الرياح هي التي تسببت في حدوث العواصف الترابية".

وبحسب حمزة، ازدادت نسبة جفاف التربة في العراق بسبب مرور موسمين من الجفاف على البلاد، وتضررت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بسبب هذا الجفاف. لكن البادية العراقية، وخاصة منطقة الجزيرة، كانت الأكثر ضررا فهي تتميز بالظروف القاحلة وغياب الغطاء النباتي، وسرعة الرياح فيها كون المنطقة منبسطة وليس فيها مصدات للرياح.

من جانبه، يحذر الخبير الاقتصادي خطاب عمران الضامن من تأثيرات العواصف الترابية على الوضع الاقتصادي في البلاد، موضحا لموقع "ارفع صوتك": "الأضرار الصحية والتقنية التي تسببت بها هذه العواصف تؤثر على النشاط الاقتصادي بصورة سلبية، عبر تقليص ساعات العمل في القطاعين العام والخاص، وتلكؤ حركة النقل والتسبب في حوادث السير، وإغلاق الأسواق بسبب مخاطر الاختناق وصعوبة الرؤيا"، داعيا الحكومة إلى التحرك العاجل لمواجهة موجة التصحر التي ضربت البلاد، وذلك من خلال زيادة المساحات الخضراء وخصوصاً في غرب البلاد وجنوب غربها.