العين الاخبارية

فيما لا يزال غبار الثورة السودانية الجارفة ضد حكم جماعة الإخوان عالق في الأفق، يعيق رؤية المستقبل، يبدو ماضي البلد الأفريقي أكثر وضوحا.

وأمام سيف التاريخ تقف جماعة الإخوان بعد سقوطها وقد تعرت من ورقة السلطة التي أخفت خلفها لعقود دورها الأسود في إفقار السودان وتجريفه وحبك أزماته التي قادت إلى حرب أهلية اكتوى بنيرانها.

وعبر سلسلة من التقارير تنقب "العين الإخبارية" في مسيرة الإخوان، لكشف الأقنعة عن سوءات التنظيم الإرهابي الذي أحال حياة الشعوب إلى جحيم في العديد من البلدان وبينها السودان، وتروي الحلقة الأولى من السلسلة إدمان الجماعة الانقلابات سواء ضد السلطة القائمة أو ضد حلفائها أو حتى من داخلها

مولد الكارثة

ومنذ أربعينيات القرن الماضي لحظة ميلاد التنظيم الإخواني بالسودان وحتى اليوم كانت "الانقلابات" بكل صورها مدنية أو عسكرية، وفق خبراء، أحد أبرز أسلحة الجماعة الإرهابية لتصدر المشهد السياسي في البلاد، كما اعتمدته وسيلة رئيسية للوصول إلى سدة الحكم.

الوجه الانقلابي السافر الذي أظهرته مسيرة الإخوان، يدحض مزاعم التنظيم الإرهابي بشأن اعتماده نهجا سلميا قائما على إقناع المجتمعات بفكرها، لتأييدها في الاستحقاقات الانتخابية، حيث لم يسبق للإخوان الوصول إلى مقاعد السلطة عبر صناديق اقتراع شفافة ونزيهة، وفق الخبراء.

الغدر السياسي في أدبيات الإخوان

وفي هذا الجانب، يقول الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، فتحي مادبو لـ"العين الإخبارية" إن جماعة الإخوان اعتمدت على الانقلابات كوسيلة أساسية لتصدر المشهد على مر تاريخيها، فهي مارست الانقلاب حتى على نفسها، فضلاً عن أنها مارست الغدر السياسي بحلفائها في انعدام لأدنى سقف أخلاقي لهذا التنظيم.

ويضيف مادبو أن الجماعة التي تأسست في السودان في أربعينيات القرن الماضي وبرزت في الخمسينيات، كانت تعيش في كنف حزب الأمة التاريخي في بداياتها بعد أن تحالفت معه لكنها انقلبت عليه في تلك الحقبة، ومن ثم تحالفت مع نظام الرئيس الراحل جعفر نميري وانقلبت عليه من الداخل وتسببت في سقوطه.

ونميري هو الرئيس الرابع للسودان، وقد صعد للسلطة بانقلاب عسكري وحكم البلاد خلال الفترة من 25 مايو/أيار 1969 إلى 6 أبريل/نيسان 1985.

وبعد سقوط نظام نميري بثورة شعبية في 1985، عاد الإخوان بمسماهم الجديد؛ "الجبهة الإسلامية القومية" بزعامة الراحل حسن الترابي، وتحالفت مع حزب الأمة مجدداً وشكلت معه حكومة، لكنها انقلبت عليها عسكريا في يوينو/حزيران 1989، وسيطرت على مقاليد السلطة منفردة لثلاثة عقود.

والترابي (1 فبراير/شباط 1932 - 5 مارس/آذار 2016) من أبرز قادة الإخوان في السودان وقد عمل أستاذا في جامعة الخرطوم ثم عين عميداً لكلية الحقوق بها، ثم وزيرا للعدل في السودان في البلاد. وفي عام 1988 عين وزيرا للخارجية السودانية. كما أختير رئيساً للبرلمان عام 1996.

تلاعب وتزوير

وشدد فتحي مادبو على أن الجبهة الإسلامية القومية تلاعبت بالدوائر الانتخابية وحصدت أصواتا أهلتها لأن تكون التنظيم الثالث في الجمعية التأسيسية عام 1986، بعد حزبي الأمة والاتحادي، وذلك عقب الثورة الشعبية التي أطاحب بالنميري".

وأضاف: "تحالف تنظيم الإخوان مع حزب الأمة وكون معه حكومة، ولكن كعهد الجماعة التي تدمن الغدر السياسي عمل التنظيم الإرهابي على وأد التجربة الديمقراطية بانقلاب عسكري صعدت بموجبه الجماعة إلى السلطة بقيادة الجنرال عمر البشير وضباط آخرين في التنظيم".

ولم تكن هذه الصفات مرتبطة بفترة محددة في تاريخ الإخوان، لكنها ظلت ملازمة لمسيرة الجماعة التي ولدت من رحم حركة الطلاب السودانيين في مصر أواخر أربعينيات القرن الماضي، قبل أن تظهر للوجود في الخمسينيات بعد أن تم دمجها في جسم موحد تحت مسمى جبهة الدستور الإسلامي والتي ضمت أيضاً الاشتراكيين الإسلاميين مثل ميرغني النصري ومجموعته، وفق مؤرخين.

وكانت هناك مجموعة ثانية وهم القادمون من "مدرسة حلوان" (ضاحية في جنوب العاصمة المصرية القاهرة) مثل صادق عبدالله عبدالماجد وغيره، وأخرى أعجبت بالفكر الإخواني من خلال الصحف المصرية التي كانت تأتي للسودان".

ونشأت جماعة الإخوان في مصر عام 1928 في مدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة) على يد مؤسسها حسن البنا، الذي تحالف مع أحزاب الأقلية في مصر في محاولة لهدم حزب الوفد الذي مثل في ذلك الحين أكبر قوة سياسية في البلاد.

وفي السودان ومع عود حسن الترابي من دراسته في أوروبا عام 1959 إلى البلاد اندمجت المجموعات الإخوانية الثلاث وبدأت تعمل تحت جبهة الدستور الإسلامي حيث طرح الترابي تشكيل جبهة الميثاق الإسلامي أواسط ستينيات القرن الماضي، حينها انشقت مجموعة تحت مسمى "الإخوان المسلمين"، لترسم وجها جديدا ضمن حلقات الوجه الانقلابي للجماعة الإرهابية.

جماعة تنقلب على نفسها

وفي ذات المنحى، يؤكد المحلل السياسي أحمد حمدان أن "مشروع تنظيم الإخوان بني عبر الانقلابات العسكرية والمدنية، وقد مارست الجماعة على مر الحقب التاريخية المختلفة انقلابات داخلية، كان بعضها يستهدف خداع الجماهير".

ويقول حمدان في حديثه لـ"العين الإخبارية" "بدأ هذا التنظيم بمسمى الاشتراكيين الإسلاميين، ومن ثم جبهة الدستور الإسلامي، مع وجود مجموعة منشقة تحت لافتة "الإخوان المسلمين"، ومع مضي الوقت صارت جبهة الميثاق الإسلامي، وبعد الجبهة القومية الإسلامية، وأخيراً الحركة الإسلامية والتي انقسمت للمؤتمرين الوطني والشعب".

وأضاف أن كثير من الدوائر تعتقد بأن الانفصال الشهيرة بين الرئيس المعزول عمر البشير وزعيم الجماعة الراحل حسن الترابي في مطلع الألفية الثانية كانت مجرد مسرحية المراد بها إنقاذ الجماعة الإرهابية التي اشتد عليها التضييق الدولي والإقليمي في تلك الحقبة.

وفرض المجتمع الدولي عقوبات على النظام السوداني على خلفية ممارساته واستضافة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن،

وتابع حمدان قائلا: "هذه الجماعة أدمنت الانقلاب، فقد صعدت به إلى السلطة ودمرت البلاد في كل مناحي الحياة، وحتى بعد إسقاط حكمها بثورة شعبية دبر عناصرها أكثر من 4 محاولات انقلاب عسكري على الحكومة الانتقالية لكنها فشلت، وربما تواصل مسعاها خلال الفترة القادمة".

واعتبر أن التيار الإسلامي العريض الذي دشنه الإخوان الشهر الماضي، بمثابة وجه انقلابي جديد للجماعة الإرهابية، تحاول من خلاله تقديم نفسها للمشهد لكن تم فضحه بعد أن استفاد الكل من التجارب السابقة لهذا التنظيم".

وكانت 3 عقود قضتها الجماعة في السلطة، حافلة بخيانة العهود ونقضها، وفق حمدان، فقد كانت اتفاقيات السلام التي وقعتها الجماعة مع الحركات المسلحة وحتى نتائج الحوار الوطني الذي قاده البشير مع القوى السياسية، مجرد حبر على ورق ولم يلتزم التنظيم الإرهابي بأي من تلك النتائج الشيء الذي أطال أمد الحرب والصراع في البلاد.

خيانة الحلفاء السياسيين

ويقول الخبير في الجماعات المتطرفة عبدالواحد إبراهيم، إن "الإخوان تحالفوا مع نظام نميري رغم الاختلاف الأيدولوجي بهدف التمكين، حيث قاموا بإدخال عناصرهم في مؤسسات الدولة المختلفة، في الجهاز القضائي والعدلي والكهرباء وسكك الحديد والبريد والجيش، وقد استغل الترابي موارد السودان في تلك الفترة لتأهيل كودار التنظيم وإرسالهم في بعثات دراسية خارجية، ومن ثم انقلبوا عليه".

ويرى عبدالواحد الذي تحدث لـ"العين الإخبارية" أن تغيير اسم الجماعة في كل حقبة كشكل انقلابي سعى من خلاله تنظيم الإخوان إلى إدخال عناصر جديدة على تماس مع ما يسمى بالمشروع الإسلامي القائم على منهج استخدام الدين لتجييش الناس والمساعدة في تعبئة الجماهير واستقطابها وتنظيمها وإعادة تأهيلها طبقاً لأيدولوجيتهم.

وتعتبر أيضاً، وفق إبراهيم "محاولة إخوانية لتكييف الأجواء فمن الممكن أن يشقوا تنظيمهم إلى جزئين في سبيل حماية مشروعمهم، وقد أسسوا حزب المؤتمر الوطني بعد صعودهم إلى السلطة بلونية قومية زائفة بغرض استقطاب الفئات الأخرى كالمسيحيين" وغيرهم، وفي ذات الوقت احتفظوا بالحركة الإسلامية كتنظيم سري واستفادوا من الحزب كواجهة مسيطرة على مؤسسات الدولة لتغذية التنظيم بالأموال، لكن هذه الألاعيب باتت مكشوفة ولن تنطلي على السودانيين مجدداً".

ولم يكتف تنظيم الإخوان بنحو 8 عقود من الانقلابات ونقض العهود، فما زال يحاول بث هذه السموم في المشهد السوداني لتصدره من جديد، فمنذ عزله بثورة شعبية ملهمة قبل ثلاث سنوات دبر فلول الجماعة الإرهابية أكثر من 4 محاولات انقلابية عسكرية فاشلة.

وإلى جانب ذلك، حاولوا خلع عباءة الماضي الملطخة بالجرائم والزيف، وارتداء ثوب جديد من خلال تأسيس ما يسمى بالتيار الإسلامي العريض، في سلوك انقلابي على الذات، لحثا عن إيجاد موطئ قدم في المشهد بعدما لفظ الشعب الجماعة في شكلها القديم، لكن هذه الحيلة فضحت منذ الوهلة الأولى ولم تعد ذات جدوى مثلما حدث في العهود السابقة.