العين الاخبارية

لا تُسعف شواهد التاريخ تنظيم الإخوان المسلمين، بالنزاهة في العمل السياسي، إذ طالما تدثرت الجماعة بلبوس العمل الخيري لتحقيق مآربها.

وطالما ارتدت جماعة الإخوان الإرهابية، قناع العمل الخيري للتسلل إلى صفوف المجتمع، وتشهد الوقائع على استخدام الإخوان للتبرعات في غير موضعها؛ إما لجذب عناصر لينضموا إلى صفوفهم، وإما لكسب الود الشعبي، بغية تنفيذ المخططات.

ويوما بعد يوم تتكشف حقيقة قناع العمل الخيري للإخوان وفي أكثر من مجتمع، ضمن استراتيجية اختراق الجمعيات الأهلية الناجحة عبر الزمان، والمطبقة في أكثر من مكان.

تشير المعلومات إلى اختراق الإخوان الجمعيات الخيرية والأهلية في مصر والعالم العربي، واستخدامها ستاراً لأنشطتهم المريبة، وذلك منذ بدأوا في الإسماعيلية عام 1928 كجماعة دينية تعلن أن مشروعها تحفيظ القرآن وبناء المساجد، ووقتها بدأت حملات التبرع، ونجحت في مجتمع متدين، يمكن فيه استغلال عاطفة البسطاء وحبهم لعمل الخير، لتحصيل الأموال اللازمة للجماعة أو الظهور كدعاة بر وإحسان.

وفي كافة مشاريع الإخوان التالية كان مؤسس الجماعة حسن البنا يقدم نصائحه لأتباعه بأن يرسموا خطة محكمة يغزون بها قلوب البسطاء، ويستخرجون أموالهم، كما حدث في مغاغة أثناء تأسيس مدرسة الإخوان هناك، وظل منذ ذلك الحين دأب الجماعة التستر وراء حملات البر وعمل الخير، لكن لصالح الجماعة والتنظيم.

الانتهازية منذ النشأة

سيطرت البداية النفعية والإنتهازية على سياسة وفلسفة عمل الإخوان في مجال" البر" أو العمل الخيري على مر تاريخهم، هذه البداية جعلت أعمال الخير في فهم قادة الإخوان قائمة على الحصول على مساعدة من المجتمع وليس العكس.

انشغل البنا في المرحلة الأولى بالحصول على الأموال سواء من الدولة أو من المتبرعين، حسب قول جمعة أمين في كتابه "أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين.."؛ حيث يشير في هذا الصدد إلى توصيات المؤتمر الأول للإخوان عام 1934، عندما طالبوا الملك فؤاد بتوزيع المبالغ المخصصة "للملاجئ" على الجمعيات الإسلامية، وكان يقصد جمعيات الإخوان في المقام الأول.

كما طالب مؤتمر الإخوان بمراقبة المدارس الأجنبية وسحب تمويلها وتسليمه للإخوان المسلمين أو ما أسماهم "الجمعيات الإسلامية"، حماية مما توهم أنه حملات تبشيرية، وهكذا كانوا يجمعون الأموال من الميسورين لتقديمها كمساعدات للفقراء دون المساس بأموال الجمعية نفسها، وفق نفس المصدر.

التجربة شجعت حسن البنا لاحقا على إنشاء "لجان الزكاة" في جمعيته، وأمر أعضاء جماعته دفع زكواتهم له، عبر تلك اللجان وأن يحثوا الناس أيضا على التصدق على لتلك اللجان، عبر منشورات وملصقات تعلق في الجوامع والمساجد.

قضية فلسطين "مصدر مدرّ"

يبدو أن "البنا" اكستب خبرة في جمع الأموال، لذلك حين عاد إلى القاهرة بعد عدة خلافات بينه وبين أعضاء جماعته وأهالي الإسماعيلية، وضع خطة ليكون التبرع عبر صناديق كثيرة وحسابات واكتتابات سرية خاصة، فكان أكثر خبرة في جمع التبرعات لإقامة مشاريع خيرية وهمية.

وكانت قضية فلسطين في ذلك الوقت مصدرا مدرا للدخل، وحجة مقنعة يمكن استغلالها لتتدفق أموال المتبرعين إلى جيوب الإخوان، وفق تأكيد محمود عبد الحليم؛ مؤرخ الإخوان في كتابه "الإخوان المسلمين أحداث صنعت التاريخ".

وهنا يقول المؤرخ "إن عمل الإخوان استمر أكثر من عامين بالمرور على المساجد وجمع التبرعات" ويعترف أن "النقود التي كنا نجمعها لفلسطين من المساجد والمقاهي والبارات لم تكن تذهب إلى فلسطين، فلم يكن القصد من جمعها إعانة إخواننا الفلسطينين... وإنما كان جمعنا لهذه التبرعات أسلوب من أساليب التأثير في الناس.. وكانت هذه المبالغ تصرف على أنشطة الإخوان بل إن "اللجنة العربية العليا" كانت ترسل أموالا طائلة للإنفاق على أنشطة الإخوان بهذا الخصوص".

ستار للعمل السياسي

عام 1942 أدرك حسن البنا أن سنوات الحرب العالمية الثانية مربكة وكاشفة، ولم يشأ أن يكشف توجهه وانحيازه السياسي، فأسر إلى أتباعه كما تقول المصادر، بالتوقف عن الحديث في السياسة علنا، ومهادنة الملك والحكومة والمستعمر، والتركيز على إنشاء مكاتب للمساعداتِ الاجتماعية، تجمع زكاة الفطر، ولحوم الأضاحي وجلودها كمصادر مالية للتنظيم.

هذا النشاط المريب، اصطدم بقانون الجمعيات الذي صدر عام 1945، ما جعل الإخوان في ورطة، إذ عليهم أن يوضحوا طبيعة عمل جمعيتهم، وفصل السياسي عن الخيري، فقرر البنا أن ينشئ كيانا من داخل الإخوان يكون متوافقا مع قانون الجمعيات وليس له وجود واقعي.

البديل العملي أطلق عليه حينها: "المركز العام لجمعيات البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين" ووضع لافتة بذلك داخل المركز العام، وتولى رئاسته أحد المقربين من البنا.

في هذا التغيير أصبح باقي أنشطة الجماعة التي تشتبك مع السياسة مسنودا إلى "هيئة الإخوان المسلمين العامة"، وفق المصادر التاريخية.

خلال الخمسينيات والستينيات انكشفت حقيقة الإخوان، وانهار ما يسمى "مكاتب الخدمة وأقسام البر"، إذ توقفت النشاطات الخيرية على إثر الخلاف مع القيادة السياسية.

"الجمعيات" قناع الإخوان في التأسيس الثاني

ثم جاءت السبعينات، والثمانينات، وكان التأسيس الثاني للجماعة، ولم يجد الإخوان وسيلة أكثر فاعلية لاختراق المجتمع المصري والعربي إلا الجمعيات الأهلية و ستار العمل الخيري، الذي تنفتح له قلوب الناس وجيوب البسطاء، فأعادوا تجربتهم مرة ثانية.

تأسست عشرات الجمعيات التي ساهمت في توفير المناخ لتجنيد عناصر جديدة، سواء بعقد لقاءات لقادة الإخوان لينشروا أفكارهم تحت مزاعم أنشطة ثقافية وتوعوية، أو بتواجد قيادات مدربة على التجنيد عبر الأنشطة العامة للجعيات الأهلية.

استراتيجيات التسلل

واستخدم الإخوان استراتيجيات توظيف الجمعيات، عبر ثلاثية "الاختراق، والتطويع، والتأسيس"، وذلك من خلال اختراق الجمعيات المعروفة، بدس عناصر خفية، تتسلل حتى تصل إلى مجلس الإدارة، ومن ثم تطوع نشاط الجمعية لصالح الإخوان.

أما الجمعيات التي يصعب عليهم اختراقها فكان يتم التعامل معها من منطلق التطويع، ويتم هذا عبر التسلل لأعضاء مجالس الجمعيات بشكل شخصي وإقناعهم بأنشطة بعينها وتوفير مؤيدين لهم ومستمعين من الإخوان، فيطوعوا عمل الجمعية لصالح التنظيم.

ولكن الإخوان بطبعهم يريدون جمعيات كاملة، فقاموا بتأسيس جمعيات خالصة لهم ولعناصرهم، لتحقيق أكبر فائدة من ورائهم، كانت تنشط هذه الجميعيات في أوقات الانتخابات عندما يحتاج الإخوان أصوات مؤيديهم فكانوا يستغلون حاجة الناس إلى المساعدة فيقدمونها على أمل الحصول على أصواتهم لمرشحيهم.

ومن أمثلة ما كانوا يقومون به جمع جلود الأضاحي وشنطة رمضان، وعندما وقع الصدام مع الدولة المصرية عام 2013 قرر الإخوان التوقف عن تقديم أي مساعدات للناس أو تقديم زكاة فطر أو إقامة شعيرة الأضحية، وطالبوا مؤيديهم وقتها بالتبرع بثمنها للجماعة ولأعضائها عوضاً عن ذلك، في استغلال فاضح لأموال أهل الخير.

حصان طروادة إخواني في أوروبا

تسارعت الأحداث وتطور العالم، وتطورت أساليب الإخوان في اختراق المجتمعات، لكن ظلت فلسفتهم واحدة، وهي استغلال قناع العمل الأهلي والتطوعي الخيري، ليخفوا وراءه حقيقتهم، ولم يقتصر توغلهم في حقبة السبعينات على العالم العربي والإسلامي فقط، بل وضعوا أوروبا والغرب نصب أعينهم.

ففي أوروبا كانت الجمعيات هي "حصان طروادة" لاختراقها، وذلك عبر الجمعيات الإخوانية أو المحسوبة على تيار الإخوان في أوروبا، والتي يبلغ عددها أكثر من 500 منظمة بدول الاتحاد الأوروبي وخارجها، هذا بالإضافة إلى الكيانات غير الرسمية التي تعمل في إطاره.

وتشير دراسة نشرها "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب" إلى أن الجمعيات الخيرية الدينية التي تمارس نشاطاً سياسياً أو تعمل لصالح الإخوان، تعد خطراً على المجتمع الفرنسي.

ونوهت معدة الدراسة إلى أن "تدارك فرنسا لهذا الخطر جعلها تخضع ما يقرب من 51 جمعية دينية للمراقبة، وحل عدد منها بسبب تورطها في الترويج لأفكار تنافي مبادئ الجمهورية" الفرنسية.

وقديماً وحديثا، كان تدثر الإخوان بقناع العمل الخيري عابرا للقارات، وموقفهم واحد، هو استغلال التبرعات المالية لصالح التنظيم، فالغاية تبرر الوسيلة في فكر الجماعة.