باريس - لوركا خيزران

رغم أن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول نيته توجيه ضربات حال تجاوز الرئيس السوري بشار الأسد "الخط الأحمر" فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، قد جاءت عشية احتفال العالم بيوم الحب "الفالنتاين" إلا أن "الأحمر" بالنسبة للرئيس الفرنسي هنا بالتأكيد لا يشير إلى أي حب، ولكنه بالمقابل، وبحسب المحلل السياسي "جان جاك نوي" قد لا يعني نية حقيقة للتصرف خاصة وأن الأسد قد تجاوز هذا الخط الذي طالما تحدث عنه ماكرون مراراً وتكراراً".

وأعلن الرئيس الفرنسي ماكرون مؤخراً أن "فرنسا ستوجه ضربات" إذا استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في سوريا لكنه أوضح أنه لم يرَ أي أدلة على ذلك.



وقال ماكرون للصحافيين "لقد وضعت خطاً أحمر فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية. اليوم لم تؤكد وكالاتنا ولا قواتنا المسلحة أنه تم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين على النحو المبين في المعاهدات".

وفي اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة الماضي عبر ماكرون عن قلقه من دلائل على استخدام قنابل الكلور ضد المدنيين في سوريا خلال الآونة الأخيرة، في وقت تحدثت تقارير إعلامية لجهات معارضة عن استهداف نظام الأسد خلال الأيام الماضية مدينة سراقب بريف إدلب والغوطة الشرقية بغاز الكلور السام ما أدى لحدوث حالات اختناق.

وأحبطت روسيا كل محاولات الدول الغربية في مجلس الأمن لإدانة هجمات يتهم نظام الأسد بشنها بالأسلحة الكيماوية على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

وذكرت موسكو أنه لا توجد أدلة على إدانة نظام الأسد، فيما اتهم الغرب، روسيا بالعمل على حماية الأسد من مواجهة عواقب جرائمه.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن وضع خط أحمر للرئيس السوري فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، إذ إن الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب، والفرنسي إيمانويل ماكرون وضعا مؤخراً "خطوطاً حمراء" في ما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، لكن جدية هذه الخطوط أصبحت موضع اختبار الآن، لا سيما مع الاتهامات بمواصلة نظام بشار الأسد لاستخدام تلك الأسلحة.

وأعلنت فرنسا الأربعاء الماضي على لسان وزير خارجيتها جان ايف لودريان أن "كل الدلائل" تشير إلى استخدام النظام الكلور ضد قوات المعارضة.

في حين قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، الإثنين الماضي، خلال اجتماع لمجلس الأمن حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا "هناك أدلة واضحة من عشرات الضحايا" تؤكد استخدام الكلور في الهجمات على الغوطة الشرقية في ريف دمشق ومحافظة إدلب.

ويقول المحلل السياسي والعضو السابق في مؤسسة التعاون الدولي للسلام جان جاك نوي في تصريح لـ"الوطن" إن "نظام الأسد لطالما اختبر جدية الدول الغربية -التي اعتادت رسم الخطوط الحمراء- في معاقبته على استخدام الأسلحة الكيميائية وهو بات يعلم المسار الذي تتخذه الأمور"، معتبراً أن "الدول الغربية وبينها فرنسا والولايات المتحدة تعتقد أن توجيه أي ضربات سيدمر الحل السياسي وهذا ما يمنعها من الإقدام عليها".

وكان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أول من رسم خطاً أحمر في 2012، حين حذر الأسد من أن استخدام أو التحرك لاستخدام أسلحة كيميائية، وقال إن ذلك سيضطر الولايات المتحدة للجوء إلى ضربات عسكرية انتقامية.

ولكن بعد هجوم بغاز السارين في العام التالي ضد الغوطة الشرقية قتل فيه نحو 1500 مدني في ريف دمشق، تنازل أوباما عن اللجوء إلى الضربات الانتقامية وعوضاً عن ذلك توصل لاتفاق مع روسيا لتفكيك ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية.

وفي أبريل 2017، تسبب هجوم كبير بغاز السارين في خان شيخون، قتل فيه 88 شخصاً، بغضب دولي عارم وأدى لإصدار ترامب أوامر بشن ضربات جوية على قاعدة الشعيرات العسكرية التابعة لقوات النظام في ريف حمص، وقالت واشنطن إن الهجوم انطلق منها.

وبعد شهر واحد من انتخابه رئيساً لفرنسا، حدد ماكرون "خطاً أحمر واضحاً جداً" في ما يتعلق بهذه القضية، متعهداً بـ"انتقام ورد فوري من فرنسا" إذا تم استخدام أسلحة كيميائية من قبل النظام.

واتفقت باريس وواشنطن على استعدادهما للرد بشكل منسق على أي هجوم كيميائي يشنه نظام الأسد.

وقال برونو تيرتراي مساعد مدير مؤسسة البحوث الاستراتيجية في باريس، في تصريحات صحفية مؤخراً إن "الخط الأحمر الذي وضعه ماكرون تم تجاوزه تماماً"، مضيفاً: "حين حدد خطه الأحمر من المحتمل أن يكون قد فكر في هجوم كبير مثل الهجمات الفتاكة في الغوطة أو خان شيخون، التي نفذها عملاء باستخدام السارين".

وكان رد الفعل الفرنسي إطلاق باريس فرنسا في يناير 2018 "الشراكة ضد الحصانة"، وهي مبادرة وافقت عليها نحو 20 دولة لضمان تقديم مرتكبي الهجمات الكيميائية في سوريا إلى العدالة، معلنة أنها ستضع على لائحة سوداء الشركات والأفراد الذين يشتبه بارتباطهم بالبرنامج السوري للسلاح الكيميائي.

أما واشنطن فأعلنت "كما قال الرئيس ترامب في أبريل الماضي، هو مستعد للنظر في جميع الخيارات" المتاحة، رافضة "التكهنات" حول ردود الفعل المحتملة.

ومثل فرنسا، تركز الولايات المتحدة جهدها على المسار السياسي فيما تطالب روسيا بردع حليفها الأسد من استخدام السلاح الكيميائي.

بدوره يقول فرنسوا هايسبورغ، رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، إن "الأمريكيين لا يعدون الكلور سلاحاً كيميائيا حقاً. لذا يتجنبون أي رد فعل"، وحذر من أن يكون ماكرون "قد جازف" بتحديده خطا أحمر، مضيفاً: "إذا قلنا وكررنا أن هناك هجمات كيميائية، فإننا نلزم أنفسنا برد فعل".

وفي تناقض واضح مع تأكيدات وزير الخارجية الفرنسية استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، قالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، الجمعة الماضي إن "عدم تأكيد حصول هجمات كيماوية مفترضة في سوريا، يحمل على القول إنه لم يتم تجاوز الخط الأحمر الذي حدده الرئيس ماكرون للقيام برد فرنسي".

وأضافت رداً على سؤال لإذاعة "فرانس انتر" حول الخط الأحمر الذي حدده الرئيس ماكرون، قالت: "حتى الآن، ونظراً لانعدام تأكيد حول ما حصل، وعواقب ما حصل، لا يمكننا أن نقول أننا في المكان الذي تتحدثون عنه".

وأوضحت وزيرة الجيوش الفرنسية: "لدينا مؤشرات عن احتمال استخدام الكلور، لكن لا يتوافر لدينا تأكيد قاطع. لذلك فإننا نعمل مع آخرين على التحقق، لأن من الضروري تأكيد الوقائع".

ومازال مجلس الأمن عاجزاً عن التوصل إلى نتيجة ملموسة حول إعلان هدنة إنسانية في سوريا، إذ فشل أيضاً الخميس الماضي في اتخاذ قرار حاسم بهذا الشأن لتبقى سوريا وفقا لتوصيف صحف فرنسية "سوريا المسكينة" وليست "سوريا المفيدة" أو "المضرة" كما درج الساسة الغربيون على إسباغ توصيفات لأجزاء منها من دون أخرى.