مع شراسة الأزمات في لبنان، كثر تجّارها، وهذا ما بدا بالظهور في الشهرين الأخيرين في السوق اللبنانية القابع بين قبضة مافيا الاحتكار

أفرزت الأزمة التي يعاني منها لبنان سوق احتكار عريضاً، فأصبحت جميع مفاصل الحياة من الأساسيات إلى الكماليات تحت سلطة المحتكرين، من المياه والدواء وليس انتهاء بالمحروقات والكهرباء وغيرها، وجميعهم شكلوا محميات سياسية وطائفية يصعب اختراقها. وإذا حصل ذات يوم، يكون نتيجة خلافات بين بعضهم على النفوذ، ما لبث أن يعود المحتكر بطلاً باعتبار أن الطائفة مستهدفة خلفه.



ويكاد لا يمر يوم منذ شهر ونصف من حين أطلقت السلطات المعنية والقوى الأمنية حملة لمكافحة الاحتكار إلا ويتم اكتشاف مستودع أدوية يخزن كميات هائلة كان قد حصل عليها جراء دعم الدولة للأدوية وعلى سعر 1500 ليرة للدولار، فيما الناس تكاد تموت على أبواب المستشفيات من دون الحصول على حبة دواء، وكما في الدواء كذلك في المحروقات.

الوكالة الحصرية في لبنان

لكن المفارقة في لبنان أيضا تأتي عبر التشريعات فقد شرع القانون اللبناني الاحتكار عبر بعض مواده وأجاز ما يعرف بالوكالات الحصرية، لكن ما لبث أن ألغاه في المواد وبقي على أرض الواقع، بحيث استفاد التجار من هذا القانون لخلق كارتيلات مالية واقتصادية يصعب اختراقها.

ولكن القانون اللبناني عينه تعاطي مع المحتكرين بكثير من الرأفة، ما شجع عملية الاحتكارات.

وبحسب المحامي والخبير القانوني وسام إسماعيل يُقصد بالاحتكار كل عمل من شأنه سوء استغلال المركز الاقتصادي للحد من المنافسة المشروعة، بهدف جني أرباح خيالية، وبصورة مخالفة للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها السوق بالاستناد إلى قاعدة العرض والطلب. ويمكن تعريفه بأنه حبس الشيء والامتناع عن بيعه، رغم شدة حاجة الناس إليه، حتى يرتفع سعره أو ينقطع عن السوق، وذلك لغرض اقتصادي أو سياسي أو غيرهما.

الاحتكار جنحة في لبنان

وقال لـ"العين الاخبارية" "إن القانون اللبناني يعتبر الاحتكار جنحة، لا جناية. وهي من أخفّ الجرائم عقوبة. فالعقوبة لا تجيز التوقيف الاحتياطي إذا أراد القاضي تطبيق النص على حرفيته إذا كانت العقوبة لا تتجاوز السجن لسنة واحدة."

أضاف: "في المادة 685 من قانون العقوبات، تنطبق على المحتكر عندما يكون قادراً على التأثير في سعر السوق عبر ضبط البضاعة للتلاعب بالعرض والطلب. هذه المادة تتراوح العقوبة فيها بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين وبغرامة مالية. وقد حددت المادة 43 من المرسوم التشريعي رقم 37/38 عقوبة جرائم الاحتكار بالغرامة من عشرة ملايين إلى مئة مليون ليرة، وبالسجن من 10 أيام إلى ثلاثة أشهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وعند التكرار تضاعف العقوبة.

وأشار إلى أنه ورغم أن غالبية التشريعات الداخلية والدولية حظّرت وجود أي نوع من أنواع الاحتكار بصورة مخالفة للقوانين المرعية الإجراء، فقد اختلف المفهوم القانوني للاحتكار في تلك التشريعات، ومنها:

- الولايات المتحدة الأميركية: نصّت المادة الثانية من قانون شيرمان على حظر احتكار أو محاولة احتكار أي عمل من الأعمال التجارية بين الولايات المتحدة أو مع الدول الأجنبية، واعتبرت أن القيام بذلك يعتبر جناية يعاقب عليها بالغرامة التي قد تصل إلى مليون دولار للشخص المعنوي و100 ألف دولار للشخص الطبيعي، أو بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بكلا هاتين العقوبتين حسب تقدير المحكمة.

- القانون الأوروبي: حظرت المادة 68 من اتفاقية السوق الأوروبية إساءة استغلال المركز المسيطر للملتزم أو للمشروع في السوق المشتركة للتأثير على التجارة بين الدول الأعضاء، بقصد بيع أو شراء المنتجات بأسعار أو بشروط غير عادلة، أو خفض كمية الإنتاج إضراراً بالعملاء، أو فرض مراكز تنافسية سيئة على العملاء، أو فرض شروط لا تتفق مع العادات التجارية.

واعتبرت محكمة العدل الأوروبية أن المركز المسيطر هو الذي يؤدي إلى امتلاك مقدرة اقتصادية تمكّن التاجر من تحديد الأسعار أو السيطرة على الإنتاج أو على توزيع جزء كبير من السلع، وإعاقة دخول منافسين إلى السوق نتيجة التأثير البالغ الذي يمارسه التاجر المحتكر.

احتكار المواد المدعومة

ورأى إسماعيل أنه في لبنان احتكار المواد المدعومة، يعني أن المحتكر يكون قد ارتكب جرائم عديدة إلى جانب جنحة الاحتكار، منها جرائم فساد وإثراء غير مشروع لأنه استفاد من الفارق الذي يدعمه مصرف لبنان من ناحية هذه السلعة وحرم المواطنين منها بالرغم من أن هذا الدعم كان مخصصاً لمساعدة الناس.

وختم: من أجل حماية المواطنين في المجتمعات كتبت القوانين الوضعية، ولا بد من ورشة تشريعية تضع محتكر أساسيات الحياة في مصاف القاتل.

وتزامناً مع مطالبات الناس والقانونيين ، أعلن عدد من النواب اللبنانيين أنهم تقدموا من البرلمان باقتراح قانون لتعديل أحكام: قانون العقوبات لجهة تشديد عقوبات الاحتكار ومكافحة التلاعب بالأسعار ، إضافة إلى قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان لجهة تشديد العقوبات.

وذلك بما يتناسب مع الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطن اللبناني بفعل الضغوط الاقتصادية ومافيا المحتكرين، ما يستوجب التشدد إلى الدرجة القصوى في مواد القانون.