سماهر سيف اليزل




يجوز جواز التبرع مع الالتزام بالضوابط الشرعية

أكد الشيخ أحمد الدعيس، أن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً أمر واقع فرضه التقدم العلمي والطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية المفيدة، ولكن يشوبه في كثير من الأحيان أضرار نفسية واجتماعية ناجمة عن ممارسته من دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع إعمال مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد والجماعة، والداعية إلى التعاون والتراحم والإيثار.


وأضاف، أنه يقصد هنا بالعضو «أي جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها، كقرنية العين، سواء أكان متصلاً به، أم انفصل عنه».

كما أن الانتفاع الذي هو محل البحث، هو استفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم: كالبصر ونحوه، على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعاً.

وتنقسم صور الانتفاع هذه إلى أقسام وهي: نقل العضو من حي، أو نقل العضو من ميت، والنقل من الأجنة.

ففي الصورة الأولى، وهي نقل العضو من حي، تشمل: نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.

أما نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر، فينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه، أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فردياً، وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين

أما ما لا تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه مالا يقوم بها، ومنه ما يتجدد تلقائياً كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والموروثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.

والصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت، ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين، الأولى:موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه طبياً.

الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفاً تاماً لا رجعة فيه طبياً، فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة.

أما الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة، وتتم الاستفادة منها في 3 حالات، حالة الأجنة التي تسقط تلقائياً، وحالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي، وحالة اللقائح المستنبتة خارج الرحم.

ومن حيث الأحكام الشرعية: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر بجسمه، مع مراعاة التأكد من أنَّ النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود، أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب، أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.

ثانياً: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.

ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.

رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.

خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها: كنقل قرنية العين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية، فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.

سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك، بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.

سابعاً: ينبغي ملاحظة أنَّ الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو؛ إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.

أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر.

ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.

وقال دعيس: «اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة منهم من أجازه وفق الشروط الشرعية وقد منعوه في العضو الذي يؤدي الى ضرر على المتبرع أو يغلب على الظن حصول ذلك، فإن من القواعد المعروفة أن الضرر لا يزال بمثله واشترطوا أن لا يكون هذا العضو له دور رئيس ومهم في الجسد يضعف جسد المتبرع بالتبرع به».

كما أن منهم من منع ذلك مطلقاً، إلا ما كان متجددا كالتبرع بالدم فإن الدم يتجدد، مستدلين على منعهم من ذلك بأن الإنسان لا يملك أعضاءه وهي أمانة عنده كما أنه لا يجوز أن يقدم على الانتحار ويقول «أنا حر بنفسي» فكذلك الأعضاء «المسلم وقالوا بأن المسلم محترم حيا وميتا، والواجب عدم التعرض له بما يؤذيه أو يشوه خلقته، ككسر عظمه وتقطيعه، وقد جاء في الحديث: «كسر عظم الميت ككسره حيّاً»، ويستدل به على عدم جواز التمثيل به لمصلحة الأحياء، مثل أن يؤخذ قلبه أو كليته أو غير ذلك؛ لأن ذلك أبلغ من كسر عظمه ومن منع من ذلك العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله.

ومن العلماء من توقف في ذلك لتردد المسألة عندهم بين المنع والجواز كالشيخ بن باز رحمه الله

والقول بالتفصيل هو المتجه بالشروط التي نص عليها العلماء وما كان متجدداً كالدم فعامة أهل العلم على جواز التبرع في ضوء الشروط الشرعية.