هير شتيه وهير بوعمامة وهير بولثامة؛ ثلاثة مغاصات أدرجت ضمن مسار اللؤلؤ الذي مر على تسجيله بقائمة التراث العالمي عشر سنوات، حيث تشغل هذه الهيرات مساحة تقارب 35 ألف هكتار.



قصة البحر واللؤلؤ زاخرة بالتفاصيل؛ فمن على شاطئ قلعة بوماهر تبدأ حكاية الساحل الطبيعي، وبين أحجار القلعة ثمة قصة تاريخية تميز المحرق عن أي مدينة أخرى، فهي تفاصيل حياة لا تتكرر وليس لها مثل، وفي هذا التقرير التقت وكالة أنباء البحرين (بنا) مع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، مدير إدارة التراث الوطني في هيئة البحرين للثقافة والآثار، والمهندس غسان الشمالي للحديث عن الذاكرة الجميلة التي تحويها هذه البقعة الجميلة من مملكة البحرين.



بهذا الخصوص؛ أكّد الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة أهمية الحكايات المحليّة التي تخبر عن غنى التاريخ، قائلاً: "لكل وطن حكايات قديمة تعكس تاريخه والمكان والشخوص التي عبرت تلك الأمكنة والأزمنة، وللبحرين حكايتها الفريدة مع اللؤلؤ. هناك شواهد فريدة اختصت بها مدينة المحرق، هي مغاصات اللؤلؤ الشهيرة المليئة بذكريات السفن والبوانيش القادمة من الهند أو من مناطق الخليج العربي الأخرى، تتضمن مشاهد الفرح تارة والألم تارة أخرى. كما هي أيضاً خط الدفاع والحماية من مخاطر العدوان الخارجي، ونذكر هنا الدور المحوري لقلعة بوماهر المؤلفة من أربعة أبراج منيعة، والتي شكلت في مواسم الغوص الشهيرة جبهة دفاعية لمدينة المحرق وأساطيل اللؤلؤ من القراصنة والمعتدين".

جوهرة هذا الشاطئ هي قلعة بوماهر، أو ما تبقى منها، وعنها تحدث المهندس الشمالي؛ برزت قلعة بوماهر لأوّل مرّة ضمن مستندٍ رسميّ على خريطة برتغاليّة تعود إلى العام 1635م. وكانت تتألّف من أربعة أبراج ذات جدران حماية منيعة وضخمة، وتقع على ساحل بو ماهر، لتؤدّي بذلك دورًا أساسيًّا في اقتصاد اللّؤلؤ مشكّلةً جبهة دفاعيّةً لحماية مدينة المحرّق، وكذلك الحوض المائيّ ما بين جزيرة المحرّق والجزيرة الأمّ الرّئيسيّة (البحرين)، وشكّلت القلعة أهميّة بالغة لحماية أسطول اللّؤلؤ من القراصنة والمعتدين الآخرين في مياه الخليج العربيّ، خصوصًا خلال فترتيّ بداية ونهاية موسم الغوص الكبير. إضافة لذلك فقد شملت القلعة بحمايتها مصدر المياه الرّئيسيّ لمدينة المحرّق حيث ينبوع المياه العذبة الذي يقع في البحر.



ويضيف المهندس غسان الشمالي، الذي يعمل ضمن فريق عمل مسار اللؤلؤ: "تراجع دور قلعة بو ماهر الدّفاعيّ في العام 1868م، بعدما قامت قوّات البحريّة الملكيّة البريطانيّة بدكّ القلعة وتدمير أجزاء كبيرة منها. ومنذ ذلك الحين اكتسبت بقايا القلعة أهميّة مغايرة بالنّسبة لمجتمع اللّؤلؤ، خصوصًا فيما يتعلّق بإقامة احتفالات المغادرة والعودة لأساطيل الغوص، إذ كانت تتيح للجموع فرصة التمتّع بمراقبة مشهد انطلاق سفن الغوص (البوانيش) وعودتها إلى الميناء، باعتبارها النّقطة الأعلى في أقصى جنوب الجزيرة، واليوم لم يتبقّ منها سوى البرج الجنوبيّ وبقايا الجدار الدّفاعيّ المتّصل به، فيما يمكن ملاحظة بقايا الأبراج ورؤيتها في المساحات التي تمّ تنقيبها، إذ يبدو كلٌّ من البرج الشّماليّ الغربيّ والبرج الجنوبيّ الشّرقيّ، إضافة إلى أساسات الحائط الشّماليّ".



ويوضح الشمالي: "كانت مغاصات اللؤلؤ في البحرين شاهدة على توافد سفن الغوص خلال الموسم من الدول الخليجية المجاورة، فمصائد البحرين تعكس مزايا وجودة ومغاصاتها كانت ذات صيت وشهرة وسمعة مرموقة، وكانت أساطيل الغوص بالسفن القديمة والبوانيش تتجه دائما إلى البحرين، فخلال مواسم الغوص تستخرج كميات من اللؤلؤ ذا الجودة العالية من قلب المياه، والتي تعتبر الأغنى على مستوى الخليج العربي".



(السّيف).. شاطئ البحر الذي لطالما شكل جزءًا رئيسيًّا من صورة الحراك الثّقافيّ والاستراتيجيّ لاقتصاد اللّؤلؤ، يتحدث عنه الشمالي قائلا: "كان الشاطئ شاهدا على نقطة انطلاق أساطيل سفن صيد اللّؤلؤ خلال موسم الغوص السّنويّ (الغوص الكبير)، وفي مواسم العودة لاحقًا بعد أربعة أشهر، وتُعدّ هاتان المناسبتان الأكثر أهميّة ضمن برامج صيد اللّؤلؤ، بين مشاعر مختلطة قد تكون فرحة بعودة أو حسرة فقد، ويمتاز الشاطئ بكونه محطة كان التّجار العالميّون يفرغون بضائعهم القادمة من الهند أو من مناطق الخليج العربيّ الأخرى، كما كان نقطة الاستقبال الرّسميّة للزوّار والضّيوف الدّبلوماسيّين، إضافة إلى اعتباره خطّ الدّفاع الاستراتيجيّ للمنطقة، وذلك من خلال حماية مدينة المحرّق كونها ليست سهلة الوصول".



للمحرق بريق خاص على خارطة التراث، فسحر هذه المدينة لم يكن فقط ساطعا ما بين 1810م وحتّى 1923م، حيث ازدهر اقتصاد اللّؤلؤ، بل كانت هذه الجزيرة ولا تزال عاصمةً اللّؤلؤ في منطقة الخليج العربيّ، وذلك لكونها أكثر المدن ازدهارًا واتّصالاً بهذا الاقتصاد العريق، إضافة إلى كونها موطنًا لأكبر عددٍ من الغوّاصين، ويختم الشمالي: "شكل سيف المحرق بيئة بحرية منوعة، محتضنة للعديد من أنواع الكائنات البحرية، مثل الشعب المرجانية وشقائق البحر، ونجوم البحر والأسماك، ومن البحر إلى الأرض ثمة ذاكرة شعبية، وموروثات، ومشاريع توثيق، وممارسات ثّقافيّة وتّقليديّة، بما في ذلك أغنيات الصّيد واللّؤلؤ، وأنشطة الغوص والبحث عن اللّؤلؤ، والعديد من العادات والطّقوس التي لا زال يعتز بها أهالي مملكة البحرين".