سعيد الزويري
«الدول المنعزلة كالإنسان الانعزالي».. يقول الفيلسوف الفرنسي كافكا: «إن الإنسان المنعزل يعيش فيما يشبه الغرفة المظلمة، حيث يتنقل بين الجدران يشعر بالآخرين في الغرف المجاورة لكنه لا يستطيع أن يراهم أو أن يفهمهم بشكل كامل وعندما يحاول التواصل معهم يجد نفسه يصطدم بالجدران فيعود مجدداً إلى وحدته».
وفي عالمنا الذي نعرفه اليوم، لا حدود للاتصال والتواصل إلا ما تفرضه على نفسك، إذ إن ما تقوم به الدولة من اتصال دولي مباشر ومؤثر وقوي ينبئ بحيوية النظام والمجتمع والاقتصاد.
على جناح السرعة وبما يعرف عنها من حيوية، نهضت الدبلوماسية البحرينية بأدوار إقليمية ودولية فاعلة ومؤثرة، وبما أن المملكة تنتظر خلال أيام انعقاد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القادة في دورته الـ33 قام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أيده الله بزيارة إلى المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة التقى خلالها بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني تلتها زيارة إلى جمهورية مصر العربية التقى خلالها بفخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وزيارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة ولقاء جلالته بأخيه رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وفي السياق ذاته، تندرج الزيارات المكثفة التي يقوم بها سعادة الدكتور عبداللطيف الزياني وزير الخارجية، إلى العواصم العربية، ويلتقي فيها بالرؤساء ونظرائه وزراء الخارجية، حيث تدخل هذه الزيارات ضمن التواصل مع الدول العربية لتنسيق المواقف، واستكمال إعداد الملفات التي سيتم عرضها ضمن جدول أعمال القمة.
وقد وصفت وسائل إعلام عربية هذه الزيارات بأنها تأتي في إطار التشاور والتنسيق المشترك تحضيراً للقمة العربية المقبلة التي تعتبر استحقاقاً إقليمياً يتطلب توفير عوامل نجاح القمة وحشد الجهود العربية الجماعية لمواجهة التحديات الراهنة.
من موريتانيا غرباً إلى الكويت شرقاً.. عبّر وزير الخارجية عن أهمية انعقاد هذه القمة وعما يمكن أن تحمله من آمال وتطلعات الشعوب العربية بالإضافة إلى عزم البحرين الدولة المستضيفة على توفير كافة الأسباب التي تضمن لها النجاح، لكي تكون القمة الـ33 كما وصفها الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط «ذات بصمة حقيقية في العمل العربي المشترك». المصادر الدبلوماسية العربية تحدثت عن أن أهم ما يمكن أن تسفر عنه هذه الجولات للوزير الزياني هو «توحيد المواقف العربية حيال الأزمات التي تهدد المنطقة، فضلاً عن أية مبادرات يمكن طرحها لتعزيز العمل العربي المشترك في الموضوعات ذات الأولوية»، وفي هذا اختراق كبير -إن تحقق- ستكون القمة ناجحة بكل المقاييس.
لا يملك المواطن العربي ولا النظام العربي ترف الاختيار بين عالم تنعقد فيه القمم أو لا تنعقد، ففي العالم الذي نعرفه اليوم تبلورت قضايانا بشكل لم يسبق له مثيل، وبلغت أسباب قوة وبقاء الجامعة العربية ما لم تبلغه من قبل، إذ إن ما يراه النظام الإقليمي والدولي من قوة للتكتلات السياسية والاقتصادية، لا يترك مجالاً لإبصار أي فرصة للبقاء دون إطار جيوسياسي واقتصادي الذي تملؤه الجامعة العربية.
وصدق «كافكا» عندما حدد أسباب عزلة الدول، واضعاً مصيرها بين يدي سجّانيْن اثنين: الخيال والمغامرة، ولهذا ونحن مجتمعون -بما ندركه من واقعية سياسية وما نمتلكه من مقومات، أقوى وأقدر على العمل الجماعي، وتوفر إحدى بلداننا للأخرى ما تحتاجه من دعم ومواقف، لم تكن لتتُخذ لولا هذا النظام الذي يمتد لأكثر من 7 عقود، ما يجعله أحد أقدم التكتلات التي نشأت ومازالت مستمرة على مستوى العالم.