محمد الرشيدات

مكتسبات سياسية واقتصادية وتقارب ثقافي
الصين في مقدّمة الأقطاب الاقتصادية العملاقة المستثمرة في العالم العربي
تحول علاقة العرب والصين لكتلة اقتصادية قادرة على تفادي تذبذب أسعار الطاقة
تعاون عربي صيني بالنفط والغاز الطبيعي والاستخراج والتكرير والنقل



عقدان من الزمان على ولادة منتدى التعاون الصيني العربي، الذي أطلق العنان للعلاقات العربية الصينية لتصل إلى آفاق أرحب تكفل المنفعة المشتركة لكلا الجانبين، فالصين من جانبها أظهرت اهتماماً كبيراً بالتعاون المشترك مع الدول العربية، وتحديداً في قطاع الطاقة لدعم اقتصادها، وحل مشكلاتها التنموية في الداخل، وتعزيز موقعها على المستويين الآسيوي والعالمي، إضافة إلى ما انتهجته بكّين باعتماد سياسة الانفتاح في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي، وهذا ما أدّى إلى أن تصبح الصين في مقدّمة الأقطاب الاقتصادية العملاقة المستثمرة في العالم العربي.
دول جامعة الدول العربية بدورها وجدت من نافذة منتدى التعاون الصيني العربي فرصة إستراتيجية مهمة، خصوصاً في إفساح المجال أكثر أمام حجم التبادلات التجارية بينها وبين الصين، لتتحول العلاقة بين الطرفين إلى كتلة اقتصادية واحدة قادرة على تفادي تذبذب أسعار الطاقة والمعادن التي تؤثر بشكل سلبي على التجارة البينية بينهما، خاصة في ظل وجود مجالات تعاون جديدة وواعدة مثل الاستثمار المشترك في الصناعات البتروكيماوية والطاقات المتجددة والزراعة والتقنيات العالية والاستخدام السلمي للطاقة النووية.
أهداف قريبة بدأت تتحقق شيئاً فشيئاً، وأخرى طويلة الأمد تُخاطب تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدول العربية لتحقيق الاستقرار الداخلي ومعالجة مشكلات الفقر والبطالة، وحماية مصادر الطاقة لضمان التنمية المستدامة واستقرار التطور الصناعي ومعدلات النمو الاقتصادي في العالم، بالإضافة إلى دعم التعاون في مجال الطاقة، لا سيما النفط والغاز الطبيعي، وفي مجالات الاستخراج والتكرير والنقل، وتحقيق تنسيق في الخدمات الهندسية والتقنية في الحقول النفطية وتجارة المعدات والمعايير القطاعية، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة المتجددة خاصة الطاقة الشمسية والكهرومائية وطاقة الرياح، وتحقيق شراكة في بناء مركز التدريب الصيني- العربي للطاقة النظيفة، وإنشاء بنك أو صندوق مشترك صيني- عربي للاستفادة من الوفورات المادية لكلا الطرفين، على غرار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
عشرة اجتماعات وزارية عُقدت تحت مظلة منتدى التعاون العربي الصيني حتى اللحظة، بالإضافة إلى سلسلة من الندوات والمؤتمرات التي ترتقي بصور العمل المشترك بين الصين والدول العربية، كمثل ندوة العلاقات الصينية- العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية، والمنتدى الصيني- العربي للإصلاح والتنمية، ومؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب، وندوة الاستثمارات، ناهيك عن مؤتمر التعاون الصيني- العربي في مجال الطاقة، ومؤتمر الصداقة الصينية- العربية، ومنتدى التعاون الصيني- العربي في مجال الصحة، لتعزز تلك اللقاءات التبادلات المنتظمة بين الجانبين على جميع المستويات وفي مختلف المجالات، مما وسّع من نطاق حجم النتائج المثمرة على الأصعدة كافّة.
في إطار منتدى التعاون الصيني- العربي، زادت التفاهمات في ظل مبادرة «الحزام والطريق» وغيرها من الآليات، لتوقّع الصين وثائق تعاون بشأن البناء المشترك لـ«الحزام والطريق» مع جميع الدول العربية الـ22 وجامعة الدول العربية، لتعلن 17 دولة عربية دعمها لمبادرة التنمية العالمية، وأصبحت 15 دولة عربية أعضاء في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومشاركة 14 دولة عربية في مبادرة التعاون بين الصين وجامعة الدول العربية في مجال أمن البيانات.
إن المستوى المؤسسي لمنتدى التعاون الصيني- العربي قد ارتقى إلى ربوة جديدة، تتمثّل بارتفاع الكم وصولاً لارتقاءٍ في جودة النوع والمضمون، وهذا ما يمكن أن نشاهده بالنقلة النوعية التي شهدها حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية بعدما كان أكثر من 36 مليار دولار أمريكي في عام 2004، ليرتفع إلى ما يزيد على 430 مليار دولار أمريكي في عام 2022.
عطفا على ذلك، فخلال السنوات العشرين الماضية، زاد الاستثمار الصيني- العربي في الاتجاهين بشكل كبير، وتوصل الجانبان إلى أكثر من مائتي مشروع تعاون واسع النطاق في إطار مبادرة «الحزام والطريق»، استفاد منها ما يقرب من 2 مليار شخص، إلى جانب الاستفادة المبادلة التي ضمنتها هذه المبادرة وإحقاق رؤى الترابط والتواصل من أجل مواضيع أخرى تتمحور حول الاقتصاد الأخضر، والتعاون الزراعي، وتنفيذ عدد كبير من مشروعات البنية التحتية والزراعة والصناعة والتكنولوجيا، والتبادل الثقافي والحضاري.
إن الجانبين العربي والصيني أوليا أهمية بالغة لتنفيذ وتفعيل ما توصلا إليه من قرارات وتوصيات في المجالات جميعها منذ إنشاء المنتدى وحتى الآن، لم تخرج عن دائرة تعزيز العلاقات السياسية على أساس الاحترام المتبادل، وتكثيف التواصل التجاري لتحقيق التنمية المشتركة، وتوسيع التبادل الثقافي لتحقيق الفائدة المتبادلة، وتوطيد التعاون في المحافل الدولية لحفظ السلم العالمي، ليشكّل ذلك إطاراً فعّالاً وخارطة طريق لتطوير علاقات التعاون الإستراتيجي بين الصين والدول العربية، بما يتفق مع مصالحهما الأساسية والإستراتيجية، والإسهام في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في العالم.
وتعمل كل من الصين والدول العربية على تطوير الروابط الإستراتيجية بينهما، ليصبحا شريكين في بناء «الحزام والطريق»، فكما تشترك الصين والدول العربية في صفتين، وهما أنهما من الدول النامية، وأنهما تواجهان مهام الإصلاح والتنمية والاستقرار من أجل تحفيز عمليات التصنيع والتكنولوجيا وتطوير التكنولوجيا الفائقة، وتحسين المستويات المعيشية لشعبيهما، كذلك يشتركان في سعيهما إلى تحقيق خططهما وإستراتيجيتهما التنموية المتوسطة والبعيدة المدى، تتعلّق ببناء مجتمع الحياة الرغيدة وإطلاق مسيرة جديدة في كيانات دول تهتم بتطوير ذاتها وبناء اقتصاداتها من خلال خطط متنوعة.