خالد المقود
تستضيف الأمم المتحدة بنيويورك في 22 و23 سبتمبر الجاري مؤتمر القمة المعني بالمستقبل، وهو حدث عالمي غير مسبوق سيجمع قادة العالم لبحث أفضل السُبل لمواجهة التهديدات العالمية المتزايدة والمتمثلة في الفقر المدقع والجوع والانبعاثات العالمية المتزايدة التي تؤدي إلى تغيّر المناخ الكارثي، بالإضافة إلى الأزمات الصحية، والصراعات، وارتفاع معدلات النزوح. وتُعرّض هذه التهديدات السلام والأمن الدوليين للخطر وتُعرقل آفاق التنمية لمليارات الناس. كما أن المناخ السائد لتفشي انعدام الثقة، والذي يصاحبه انتشارٌ غير مسبوق للمعلومات الخاطئة والمضلّلة وخطاب الكراهية، بما في ذلك عبر الإنترنت، يؤكد على الحاجة الملحّة لهذه القمة.
وتهدف القمة إلى تعزيز الجهد الجماعي لتحقيق الالتزامات الدولية القائمة المرتبطة بأجندة التنمية واتخاذ خطوات ملموسة للاستجابة للتحديات والفرص الناشئة. وسيُصادق قادة العالم على حزمة من القرارات المتعلّقة بقضايا جوهرية مثل التنمية المستدامة، وتمويل التنمية، والسلام والأمن الدوليين، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار والتعاون الرقمي، والشباب والأجيال القادمة، وتحويل الحوكمة العالمية.
وبما أن هذه التهديدات عالمية بطبيعتها ولا ترتبط بالحدود الوطنية، فإن التعاون الدولي الفعّال أمرٌ ضروري لمواجهتها والاستفادة من الفرص التي تقدّمها العولمة لتحقيق الأهداف المشتركة، والاستفادة من آليات العمل متعدّد الأطراف لدعم الحقائق السياسية والاقتصادية لعالمنا، وهو ما ستسعى قمة المستقبل لتحقيقه عبر تكييف نظام الحوكمة العالمية مع العالم سريع التغيّر، بهدف خلق عالم أفضل للأجيال القادمة.
أما بالنسبة للبحرين، فالقمة تمثل فرصة هامة لتأكيد التزامها بمستقبل مستدام وأفضل لشبابها، وممارسة صوتها كدولة عضو في الأمم المتحدة في الدعوة إلى مستقبل أفضل وأكثر أماناً واستدامة لكل شاب وفتاة في كلّ بلدان العالم، والترويج لالتزامها بالتعايش السلمي والاحترام والتسامح الديني، والدعوة إلى نفس القيم في كل مكان على الأرض.
وتُعدّ أهداف التنمية المستدامة حجر الأساس للسلام والأمن الدوليين. وقد أتيحت لي الفرصة لتسليط الضوء على هذا مرة أخرى في كلمة كنت ألقيتها خلال مشاركتي في شهر مايو الماضي في النسخة الخامسة من المنتدى العالمي لروّاد الأعمال والاستثمار الذي استضافته البحرين تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وذلك بالتزامن مع القمة العربية الثالثة والثلاثين. وكنت سلّطت الضوء على طرق ملموسة لتسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة من خلال الإجراءات والمبادرات التي تقوم بها الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية، وكيف يمكن للقطاع الخاص، بشكل خاص، المساهمة من خلال ريادة الأعمال، وتحمّل المخاطر، والابتكار، والمعرفة.
وقد أيّد المندوبون المشاركون في المنتدى العالمي لروّاد الأعمال والاستثمار «إعلان المنامة»، داعين المجتمع الدولي، بما في ذلك الأطراف المعنية من القطاعين العام والخاص، إلى تسخير قوة ريادة الأعمال والابتكار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع التركيز على النساء والشباب والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد أقرّ الإعلان بأهمية النهج المتكامل والدور الحاسم للمؤسسات المالية والمشاركة النشطة للقطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، داعياً إلى تعزيز المجالات الواعدة، مثل الاقتصاد الإبداعي المعروف بـ»الاقتصاد البرتقالي»، والتحول الرقمي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
ومن المأمول أن تثري هذه التوصيات المناقشات في مؤتمر القمة المعني بالمستقبل. وتعتبر البحرين في وضع جيد لطرح هذه الأفكار، وذلك لكونها، أولاً، البلد المنشأ لإعلان المنامة. ثم إن للبحرين دوراً جلياً في تعزيز الهدف السابع عشر من أهداف التنمية المستدامة «الشراكات من أجل الأهداف»، وهو ما يظهره مستوى الشراكات الدولية للمملكة من أجل تحقيق الأهداف العالمية. وأخيراً، باعتبارها دولة رائدة في الابتكار والتحول الرقميين، فإن البحرين في وضع جيد لمشاركة أفضل ممارساتها، على غرار «ملف البحرين للابتكار الرقمي» الذي تمّ إنجازه في عام 2023 بدعم من الأمم المتحدة. كما يُعدّ تعزيز الابتكار وريادة الأعمال لتحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال التواصل مع الشباب في المدارس والمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة قصة نجاح أخرى تستحق الإبراز. وتتطلع الأمم المتحدة إلى مساهمة البحرين ومشاركتها النشطة في هذا الملتقى الهام للعمل متعدد الأطراف.
* المنسق المقيم للأمم المتحدة في البحرين