نيابةً عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، ألقى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء كلمة مملكة البحرين خلال المناقشة العامة لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها التاسعة والسبعين، والتي عقدت اليوم بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية.





وفيما يلي نص الكلمة:-





بسم الله الرحمن الرحيم


أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي،


معالي السيد رئيس الجمعية العامة،


معالي الأمين العام،


يُشرفني أن أكون هنا اليوم لأبلغكم تحيات وأطيب تمنيات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم.


ويطيب لي أن أتقدم إليكم، السيد الرئيس، بالتهنئة لانتخابكم رئيساً للدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة، مُتمنياً لكم كل التوفيق والنجاح في إدارة أعمالها.


كما أود أن أُعرب عن بالغ تقديري لسعادة الأمين العام، على جهوده الدؤوبة في تعزيز الأهداف النبيلة لهذه المنظمة في جميع أنحاء العالم.





السيد الرئيس،


قبل ثمانية عقود، ومع بدء العصر النووي، وجدت البشرية نفسها في حرب مدمرة، مليئة بالمخاطر وعدم اليقين، وصراعاتٍ غير مسبوقة، وكان العالم حينها في أمس الحاجة إلى الاستقرار ونظامٍ للمساءلة والحوكمة.


الأمم المتحدة، تم تأسيسها، لتكون عمود الاستقرار، حيث اعتمد عليها العالم لمنع وقوع المآسي التي لا توصف من الحدوث مرة أخرى؛ من خلال صياغة وتطبيق القوانين الدولية، وتعزيز العمل والتوافق الدبلوماسي على الصعيد الدولي، والاستثمار في برامج التنمية، ونشر بعثات حفظ السلام، فقد عملت الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة معاً كحِصنٍ منيع راسخ لتعكس روح المسؤولية المدنية الدولية.


إن عدد قادة العالم المُشاركين في اجتماع الجمعية العامة هذا العام هو دليلٌ على هذه الروح المستمرة.


قبل تسعة عشر عامًا كان لي شرف الوقوف هنا في هذه القاعة التاريخية، حيث تناولت في كلمتي التحديات الملحة التي تواجه عالمنا في ذلك الوقت، مثل الفقر والمجاعة والأمراض المعدية الفتاكة والحروب الأهلية وأسلحة الدمار الشامل. هذه التحديات لا تزال قائمة، بل تفاقمت، فنحن اليوم نجد أنفسنا في حقبة أكثر خطورة وغير قابلة للتنبؤ بسبب التحولات الجذرية في النظام الجيوسياسي العالمي. بالإضافة إلى ذلك، ظهرت تقنيات ثورية جديدة، ستعيد تشكيل العالم الذي نعرفه اليوم. علاوة على ذلك تضاعفت التحديات البيئية والصحية التي لا تعرف حدوداً في التعقيد، مما يتطلب منا جميعاً العمل مع بعضنا البعض بغض النظر عن اختلافاتنا.





السيد الرئيس،


إن الأنظمة التي تم إنشاؤها من أجل الحفاظ على النظام الدولي تتعرض لضغوط شديدة. فبعد ثمانين عاماً من تأسيس الأمم المتحدة، ومع تطور التهديدات والتحديات التي نواجهها جميعاً، يجب أن تتطور أيضاً هذه المؤسسة المهمة التي يعتمد عليها مجتمعنا العالمي، لحماية النظام الدولي.


اليوم، ندعم الدعوات لإصلاح الأمم المتحدة لضمان أن تعكس الحقائق الجيوسياسية الحالية، بحيث تكون قادرة على الاستمرار في أداء مهمتها العالمية المهمة لعقود قادمة. ينبغي أن يكون هذا الإصلاح شاملاً، قائمًا على التوافق، ويشمل جميع هيئات اتخاذ القرار في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن.


لقد باتت مُكتسبات السلام التي تحققت بعد نهاية الحرب الباردة ذكرى بعيدة؛ فالعالم اليوم يقف على أعتاب حقبة جديدة، بتحديات جديدة، ويجب علينا تجديد التزامنا بالسلام كركيزة أساسية نبني عليها الازدهار الجماعي والأمل المستدام للجميع، وكما نعلم جميعاً بأن الهدم أسهل بكثير من البناء.


ونشهد اليوم تجاهل بعض الحكومات النظام القائم على القواعد المعترف به دولياً، حيث تنتهج سياسات قائمة على المصالح الذاتية، نرى تفضيلاً لسياسة التعنت واستخدام القوة المشكوك في قانونيتها لتسوية النزاعات، نرى تصاعد التطرف والجماعات المسلحة غير النظامية التي تزرع الفوضى والانقسام.


في غزة، نرى الشعب الفلسطيني الشقيق يعيش كارثةً إنسانيةً غير مسبوقة ذهب ضحيتها أكثر من 40 ألف شخص، العديد منهم من النساء والأطفال. إن حماية الأرواح البريئة مصونة في القانون الدولي وهي مسؤولية أخلاقية ودينية. ومن الواضح أن المطلوب تنفيذه هو وقفٌ فوري لإطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن، وتبني مسار موثوق لا رجعة فيه لقيام دولة فلسطينية مستقلة، ويجب أن يتحقق ذلك الآن، والذي سيسهم في تحقيق سلام شامل ودائم يضمن الأمن والازدهار لجميع الدول في منطقتنا، ويحول دون انتشار صراع إقليمي أوسع.


وفي الغرب، نشهد معاناة واسعة النطاق مع استمرار الصراع المستعصي في أوكرانيا، وفي الشرق نرى التوترات تتصاعد في بحر الصين الجنوبي، مما يثير مخاوف خطيرة من تصعيد عسكري على نطاق واسع وتدهور سلامة النظام الدولي القائم.


تأثيرات هذه الصراعات تتحملها البشرية، الأُسَرِ، المجتمعات وأجيالنا القادمة، وهي تُقوض النمو وتحد من الفرص وتُهدد آمالنا لمستقبل أبنائنا.





السيد الرئيس،


لطالما كانت مملكة البحرين داعمة بقوة للتعددية والتنوع الثقافي، وهذا هو نهجنا الثابت. وفي أغسطس الماضي وفي إطار رؤية حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم بأن الاحترام المتبادل لإنسانيتنا المشتركة من أسس استدامة التناغم العالمي، أطلقت البحرين جائزة الملك حمد للتعايش السلمي. كما دعا حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم، المجتمع الدولي لعقد مُؤتمرٍ دولي للسلام في الشرق الأوسط.


ومن منطلق رئاسة مملكة البحرين للدورة الحالية لجامعة الدول العربية، تدعو المملكة جميع الدول إلى الانضمام لهذه المبادرة الهامة، التي تهدف إلى تعزيز الجهود لتحقيق سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة. يجب إعلاء راية الدبلوماسية والحوار حيث إن العنف العشوائي والصراع والانقسام سيبعدنا أكثر عن هذا الهدف النبيل.





السيد الرئيس،


في مملكة البحرين، التزمنا بوضع المواطن محوراً أساسياً لجميع برامج التنمية الوطنية. وعملنا بلا كلل لضمان صقل مهاراتهم لتحقيق الازدهار والنمو لأنفسهم ولمجتمعهم. ونحن نتطلع إلى المستقبل لن ندخر جهداً للتواصل مع العالم لخلق الفرص الواعدة لمواطنينا للتنافس والابتكار والنجاح.


لقد أعطينا الأهمية للأولويات التي توحدنا جميعاً: الإسكان، والرعاية الصحية، والتعليم، وتوفير فرص العمل، وتحقيق الازدهار. وركزنا عمل الوزارات والجهات الحكومية على مجموعة من البرامج ذات الأولوية، وشاركنا القطاع الخاص والمجتمع المدني، ونسجنا معاً روح فريق واحد يركز على تحقيق هذه البرامج.





السيد الرئيس،


إن عالم اليوم، أكثر اضطراباً من العالم الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لأن التحديات العالمية التي نواجهها اليوم تتجاوز نطاق الصىراع الجيوسياسي. العالم يرى الآثار المدمرة للتنمية غير المستدامة على البيئة. ونتيجة للصراعات والانقسام تشهد البشرية عودةً وتصاعداً للمجاعة على مستوى العالم، كما شهد المجتمع الدولي عن كثب الآثار المقلقة للأمراض، مثل فيروس كورونا كوفيد-19، والتي أظهرت مدى سرعة تعرض النظام العالمي للخلل.


هذه الأزمات لا يجب التعامل معها بمعزلٍ عن بعضها البعض، فهي مُترابطةٌ وتشكل تهديداً ممنهج للبشرية، ومن الضروري أن تتحد الدول التي تتلاقى حول ذات الرؤى والأفكار ، بهدف إحياء وإصلاح وتجديد مؤسساتنا لمعالجة التحديات الكبيرة التي نواجهها اليوم، ولتنفيذ بفعالية الالتزامات الطموحة التي حددها إطار أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وميثاق المستقبل الذي تم اعتماده مؤخراً، ويمكن تحقيق ذلك فقط من خلال إصلاح شامل للنظام يتضمن منظمات حيوية متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية، وكذلك الأمم المتحدة.


إن النظام الدولي القائم لا يُحفظ بالآمال والأحلام فحسب، بل هو قائم نتيجة لوجود مؤسسات دولية قوية ومنظومات أمنية ودفاعية ملائمة للأهداف المنشودة.





السيد الرئيس،


مملكة البحرين بصفتها دولة عضو في الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ملتزمة بشكل دائم بمنهج التعددية. نحن نؤمن إيمانًا راسخًا بأن العمل جنبًا إلى جنب مع الحلفاء ووفقًا للقانون الدولي هو السبيل الأكيد لضمان ازدهارنا على المدى الطويل.


ومن أجل ذلك أبرمت مملكة البحرين والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2023 اتفاقًا تاريخيًا لـتأسيس إطار جديد للأمن والازدهار المشترك. صُممت الاتفاقية الشاملة للتكامل الأمني والازدهار (C-SIPA) ليس فقط كترتيب ثنائي، بل كنقطة انطلاق لإطار متعدد الأطراف يهدف إلى جمع الدول ذات التوجهات المشتركة في تحقيق الاستقرار والازدهار. ومثالاً فعالاً لرؤية شاملة قائمة على الاحترام المتبادل والأهداف المشتركة.


كما يمكن أن تتجاوز هذه الشراكات النطاق الجيوسياسي لتشمل كذلك مجال التقنيات الناشئة، من خلال التعاون الدولي الفعال، بإمكاننا توظيف الابتكارات التقنية، مثل الذكاء الاصطناعي، لتحقيق الأهداف المشتركة للتنمية العالمية والسلام والازدهار. ولتحقيق ذلك، فهناك حاجة إلى جهد عالمي موحد. واليوم ندعو إلى إقرار معاهدة دولية لتنظيم وحوكمة تطوير الذكاء الاصطناعي، لضمان أن تسهم هذه التكنولوجيا في تحقيق السلام بدلاً من تفاقم النزاعات القائمة، وأن تصبح هذه التقنيات دافعاً للإبداع والابتكار، بدلاً من التدمير والانقسام.


تُؤمن مملكة البحرين بأن الانضمام إلى شراكات واسعة النطاق أمر ضروري لتعزيز العمل الدولي متعدد الأطراف ليصبح التعاون بين الدول حجر الأساس في أطر أمننا الجماعي. من خلال هذه الاتفاقيات نحن على ثقة بأن منطقة الشرق الأوسط، والمجتمع الدولي، بإمكانهم بناء مستقبل يسوده السلام ويحقق النمو الاقتصادي ونظام دولي يخدم مصلحة الجميع.





السيد الرئيس، الحضور الكرام،


إن التحديات التي تواجه عالمنا اليوم ليست مُستعصية على الحل إذا ما سعينا بإرادة جماعية وتصميم على صياغة إطار دولي مجدد مبني على القيم المشتركة، والتزام متجدد بتعددية الأطراف التي تعطي الأولوية لازدهار جميع الأمم، ويجب أن نتجاوز اختلافاتنا من أجل حل القضايا بالغة الأهمية.


دعونا معاً نؤكد من جديد مسؤوليتنا المشتركة في دعم وحماية الكرامة الإنسانية وضمان بقاء النظام الدولي قوة من أجل الخير، فنحن مدينون بذلك للأجيال القادمة، وللقيم التي نعتز بها، وللعالم الذي نسعى إلى حمايته. أن نتعلم كيفية العيش معاً بالفعل هو أنبل المساعي.