أدار الندوة - أنس الأغبش

"تصوير: سهيل الوزير"

أجمع مسؤولون وخبراء في القطاع الصحي، على أن السياحة العلاجية في البحرين بحاجة إلى فريق عمل يضع استراتيجية واضحة للأعوام الـ5 المقبلة أساسها 5 محاور تتضمن، تخصيص منصة إلكترونية، وقائمة بأسماء المستشفيات والأطباء ومؤهلاتهم وتحديد الفئة المستهدفة واستحداث دليل في الموقع الإلكتروني، بجانب "باقة" شاملة للإقامة والسياحة في البحرين، حتى يتمكن السائح من اختيار ما يناسبه.



وأضافوا في ندوة نظمتها "الوطن"، بعنوان "مستقبل الاستثمار في القطاع الصحي والسياحة العلاجية.. في ظل أزمة كورونا"، أن البحرين تفتقد إلى شركات متخصصة لتنظيم السياحة العلاجية، مثل الإمارات والأردن وتركيا وغيرها من الدول لتقديم الباقة لاستقطاب مزيد من الزوار، مطالبين بوضع خطة مستقبلية تتضمن تدريب كوادر طبية لسد الحاجة الملحة في المجتمع لهذه الكوادر.

وأوضح المنتدون أن إجمالي الاستثمارات في قطاع المستشفيات الخاصة القائمة يتراوح بين 80 و 100 مليون دينار، مبينين أن المملكة تمتلك مقومات مشجعة للسياحة العلاجية من خلال الإمكانات الطبية والكفاءات البشرية المؤهلة.

لكنهم ذكروا أن إجمالي الاستثمارات في المستشفيات التي تعتزم دخول البحرين يجب أن تعتمد على دراسة بالتعاون مع الجهات المعنية.

ولفت المجتمعون في الندوة، التي شارك فيها كل من الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم المهن والخدمات الصحية د. مريم الجلاهمة "عن بعد" عبر الاتصال المرئي، وبحضور عضو مجلس الشورى، ورئيس لجنة القطاع الصحي بغرفة تجارة وصناعة البحرين د. ابتسام الدلال، ورئيس جمعية المستشفيات الخاصة د. عبدالوهاب محمد، إلى أن هناك نقصاً في بعض التخصصات الطبية كتخصص القابلات ومساعدي الأسنان وفني التعقيم، وضرورة استكمال التخصصات الفرعية في الأمراض الباطنية والجراحة والنساء والولادة والأطفال.

وبينوا أن توجيه الاستثمار في القطاع الصحي نحو المهنية سيشكل نقطة فاصلة لدعم السياحة العلاجية، إذ يجب توجيهه نحو التخصصات النادرة كمراكز القلب المفتوح والقسطرة وعلاج أمراض القلب الخلقية عند الأطفال ومراكز الأبحاث والتكنولوجيا الطبية ومراكز الإخصاب ومراكز الوراثة وأمراض الدم والسكري، بالإضافة إلى مشاريع الصناعة الدوائية والمستلزمات الطبية، ولتشغيل هذه المشاريع بالاعتماد على الصناعات المحلية لسد الحاجة.

وفيما أكدت الدلال، أن البحرين تحتاج إلى تطوير البنية التحتية المؤهلة لاستقطاب السياحة العلاجية، أوضحت الجلاهمة أن المملكة تمتلك المؤهلات بدليل تزايد الاستثمارات الصحية بعد الإعلان عن ترخيص أول مركز استشاري متخصص في تقديم الخدمات الصيدلانية الاستشارية، بالإضافة إلى الترخيص لأول مصنع للأودية في مملكة البحرين، فيما سيكون هناك مصنع آخر لتصنيع كمامات N95 سيرى النور قريباً. فإلى تفاصيل الندوة:

*الاستراتيجية تقودنا نحو الهدف

"الوطن": كيف يمكن أن تكون البحرين وجهة للسياحة العلاجية في ظل أزمة كورونا وما بعدها؟

ابتسام الدلال: نحن بحاجة ماسة إلى استراتيجية متكاملة للسياحة العلاجية، الأمر الذي يتطلب تشكيل فريق عمل لفترة محددة يضع النقاط الأساسية للأعوام المقبلة ويقدم خلالها التقرير إلى الجهات العليا مع متابعة الإستراتيجية، حتى نتمكن من تعزيز السياحة العلاجية، مع مراعاة إعادة تأهيل البنية التحتية للقطاع الطبي للانطلاق نحو هدف "السياحة العلاجية".

أرى أن البنية التحتية الصحية في المملكة تحتاج إلى إعادة نظر للانطلاق نحو السياحة العلاجية، ومن المهم أيضاً إطلاق برنامج تدريبي لا يقل عن عامين في التخصصات النادرة، وذلك بعد أن أظهرت أزمة "كورونا" نقصاً في الكوادر الطبية والتمريضية في المستشفيات الخاصة والحكومية، الأمر الذي يستلزم إيجاد خطة تدريبية متكاملة نأخذ في الاعتبار استكمال هذه الأمور الضرورية من أجل الاتجاه نحو أمن صحي شامل.

مريم الجلاهمة: أتفق معك أن الاستراتيجية غائبة، وعلى الرغم من حزمة الدعم المالي والاقتصادي التي أقرتها الحكومة مؤخراً، نحتاج إلى خطة مستقبلية تتعلق بالتخصصات المطلوبة لتوطين السياحة الداخلية والخارجية، فالتوجه العام للحكومة فتح الاستثمارات في جميع المجالات بما فيها الاستثمار في القطاع الصحي.

أقترح أن تتضمن الاستراتيجية 5 أساسيات، تشمل تحديد الفئة المستهدفة من السياحة العلاجية، واستحداث دليل في الموقع الإلكتروني يحوي كافة المعلومات المتعلقة بالمستشفيات والأطباء، بالإضافة إلى منصة إلكترونية لإرشاد السائح حول سيرة الطبيب وخبرته المهنية، ناهيك عن تشجيع القطاع الخاص لتكثيف الاستثمارات الصحية وأخيراً تخصيص "باقة" متكاملة للإقامة والسياحة والمصروفات وكلفة العلاج، وبالتالي المساهمة في تشكيل منظومة علاجية سياحية متكاملة، مع أهمية تقييم ومتابعة حالة المريض.

أما بشأن التدريب، فإن اللجنة العليا للتدريب المنبثقة من المجلس الأعلى للصحة، أقرت خلال اجتماعها خطة قبل أزمة فيروس كورونا (كوفيد 19) بشأن الاحتياجات التدريبية وستشق طريقها قريباً.

كما أن لدى هيئة تنظيم المهن الصحية حالياً، خطة لدراسة عدد الأسر بحسب عدد سكان البحرين، ونوعية التخصصات الموجودة خلال الأعوام الـ5 المقبلة سواء في مراكز القلب المفتوح وعلاج أمراض القلب الخلقية عند الأطفال أو مراكز الأبحاث والتكنولوجيا أو في مهن مساعدي الأسنان، بالإضافة إلى خطط لتوجيه الاستثمار من أجل الحفاظ على جودة الخدمات.

إذاً، الفئة المستهدفة في المرحلة الحالية هي دول مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية، فكثير من سياح تلك الدول يقصدون البحرين للعلاج سواء في الطب المتخصص أو التجميلي أو جراحات الأسنان.

لدينا توجه لوضع خطة مستقبلية لدراسة التخصصات النادرة بالمنطقة، ومن هذا المنطلق نشجع القطاع الخاص للاستثمار فيها، وعلى الرغم من أن كلفتها في العادة تكون عالية فإن تطبيق الضمان الصحي سيسهل من ذلك كثيراً.

الهيئة لديها قائمة بجميع المستشفيات والمهن والتخصصات، فقد لا يستطيع السائح الدخول على الموقع الإلكتروني للهيئة، الأمر الذي يتحتم معه إنشاء منصة إلكترونية تسهل عليه معرفة نوعية الخدمة المقدمة والعلاج وكلفته والطبيب المعالج.

عبدالوهاب محمد: السياسات وغياب الاستراتيجية تعتبران عائقاً أمام السياحة العلاجية، الأمر الذي يستلزم استحداث استراتيجية واضحة المعالم تقوم بتنفيذها لجنة متخصصة تكون مسؤوليتها الوصول إلى استكمال المتطلبات خلال فترة محددة، وخصوصاً أن الفكرة موجودة في أذهان المسؤولين في المجلس الأعلى للصحة وهيئة تنظيم المهن الصحية.

فالسياحة العلاجية -لكي تمضي في الطريق الصحيح- يجب أن تتضمن كثيراً من المتطلبات الهامة مثل توفير كافة الأدوية والكفاءات الطبية المتميزة؛ حتى يستطيع الزائر أن ينوع خياراته، وبالتالي تكون البحرين مركزاً للسياحة العلاجية المتميزة في المنطقة.

التاريخ يشهد بتطور الطب في البحرين

"الوطن": كيف ترون مستقبل الاستثمار الصحي، وخصوصاً أن البحرين مشهورة تاريخياً بمهنة الطب؟

عبدالوهاب محمد: البحرين تمتلك مقومات السياحة العلاجية، والتاريخ يشهد أنها كانت قبلة لمن يريد العلاج منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ولربما كانت البحرين في يوم ما قبلة لدول الخليج العربي للعلاج، وخصوصاً في الطب العام والجراحة وطب الأسنان.

كان الأطباء في البحرين في بدايات القرن العشرين يخرجون عبر المراكب لمعالجة الغواصين في البحرين لما عرف عنهم بالكفاءة، ناهيك عن توجه الأنظار عالمياً في تلك الفترة للاستثمار الصحي في المملكة.

وكان "مستشفى فيكتوريا" أول مستشفى بريطاني يتم تأسيسه في البحرين، وكان حينها صغيراً يقدم خدمات الإسعافات الأولية، ومن ثم تم إنشاء مستشفى الإرسالية الأمريكية الذي تم افتتاحه في عام 1901، بالإضافة إلى افتتاح مستشفى عوالي في عام 1937، تلاه مستشفى النعيم ومستشفى السلمانية. كل ذلك يؤكد أن البحرين كانت تمتلك مقومات لبناء مستشفيات أكثر وأخذت دور الريادة في تطوير الخدمات والكوادر الطبية منذ أمد بعيد.

إذاً، كانت المقومات البشرية والمعدات التقنية موجودة، حيث يؤكد التاريخ أن أول الدفعات من خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت وغيرها من الجامعات كانوا أطباء بحرينيين.

هناك معوقات ظهرت مؤخراً أمام الاستثمار في القطاع الصحي، فمن وجهة نظري أرى أننا توسعنا في العلاج العام وتغاضينا عن العلاج المتخصص؛ فالمراكز والمستشفيات تكرر الخدمات نفسها. كما أن هناك تخصصات نادرة تندرج تحت التخصصات الرئيسة، مثل: أمراض الباطنية والأطفال لم تستكمل حتى الآن، فمن الصعب أن أستقطب أحداً للعلاج ثم أفاجأ في منتصف رحلة العلاج بأن التخصص النادر غير موجود.

ولا ننسى أن نذكر أن سرعة إنجاز المعاملات التي تتميز بها البحرين والتسهيلات الاجتماعية السائدة لاستضافة الزائر وعدم وجود حواجز لغوية من أبرز المتطلبات الجاذبة للسياحة العلاجية.

*الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي

"الوطن": كيف لنا أن نطور من السياحة العلاجية لتعزيز مكانة البحرين سياحيا؟

ابتسام الدلال: البحرين تتميز بالاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وهي من أهم الأمور الجاذبة للسياحة العلاجية، كما أنها معروفة بكوادرها الطبية ذات الكفاءة العالية والمستشفيات المتميزة، وخصوصاً أن الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية بدأت مؤخراً بمنح المستشفيات نظام الجودة، وقبل ذلك الاعتماد الدولي.

تتميز البحرين بالسياحة الثقافية العلاجية العالية جداً، وخصوصاً أنها تمتلك إرثاً ثقافياً من خلال جهود هيئة البحرين للثقافة والآثار إلى جانب عدم وجود حاجز لغوي. كل هذه الأمور ستساهم في تطوير السياحة العلاجية. حالياً، نحن متعطلون بسبب فيروس كورنا "كوفيد19"، ولكن أعتقد أن الحياة ستعود من جديد في أكتوبر المقبل.

مريم الجلاهمة: نعم الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تتميز به المملكة يساهم بشكل فعال في استقطاب السياحة العلاجية إلى المملكة. ولا ننسى كذلك أن تشجيع البحرين للاستثمارات الأجنبية في كافة القطاعات بما فيها القطاع الصحي سيساهم أيضاً في تحقيق هذا الهدف.

عبدالوهاب محمد: أتفق معكن بأن ما تتميز به البحرين من استقرار أمني وسياسي واقتصادي أدى إلى استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، لكن في تصوري أن الصحة لا تختلف عن كل شيء يتعلق بأمن أي دولة. صحيح أن الاستثمارات الأجنبية في القطاع الصحي قد تخلق فرص عمل، ولكن إذا ما تم فتح الباب على مصراعيه من خلال مساواة الاستثمارات الأجنبية مع المحلية فإن اعتمادنا سيكون بشكل كبير على الفئة التي تم استقطابها من الخارج إلا أن الاعتماد على المؤسسات الوطنية هو الذي سيدفع بالاقتصاد إلى الأمام.

*برامج تأهيلية للمواطنين

"الوطن": تعاني البحرين نقصاً في بعض التخصصات النادرة. كيف يمكن معالجة هذا الأمر؟

مريم الجلاهمة: توجهنا المستقبلي التركيز على احتياجات البحرين من التخصصات النادرة وخصوصاً في مجال "القابلات" وهي مهنة تابعة للرعاية الصحية تقدم فيها القابلات الرعاية للنساء خلال فترة الحمل والولادة، وما بعدها.

هناك نقص فعلي بمهن "القابلات" في العالم بأجمعه، الأمر الذي يتطلب تشجيع القطاع الخاص ليس في مجال تقديم خدمات صحية فحسب، بل في خدمات مساندة مثل تشجيع المغسلة الطبية، وتشجيع المعاهد التي تدرس مساعدي أطباء الأسنان والبصريات ومكافحة العدوى.

لدينا الآن، توجه لإنشاء معهد متخصص في تقديم خدمات الأسنان، بالتعاون مع كلية الجراحين الملكية في إنجلترا بعد أخذ موافقة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، واتجهنا إلى الخطوات الفعلية والصحيحة، حيث سيرفد المعهد سوق العمل بخريجي أسنان، وستكون شهادتهم معتمدة من الهيئة بدعم من صندوق العمل "تمكين"، الأمر الذي يؤكد وجود المقومات.

كما قامت الهيئة -بالتعاون مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية و"تمكين"- بإيجاد برامج تتعلق بتأهيل المواطنين البحرينيين في وظيفة مساعد خدمات أسنان، فلدينا خريجو ثانوية عامة ليسوا بحاجة مواصلة الدراسة الجامعية، ويمكنهم الانخراط في هذا النوع من التدريب.

لذلك رخصنا لأول معهد خاص للتدريب على مهن مساعدي خدمات الأسنان، ومن المتوقع أن يخرج بنهاية العام الحالي ما بين 70 و90 خريجاً، وسيغطي احتياجات السوق، وبالتالي لن نضطر إلى تغطية النقص من الخارج مثل ما حدث في أزمة كورونا "كوفيد19".

ومن هذا المنطلق، فإن هناك احتياجات تدريبية يجب تحديدها، وفي ضوء ذلك يتم تفعيل برامج تدريبية بحسب الحاجة، سواء بالتعاون مع الجامعات أو من خلال طرحها على الاستثمار عبر الجامعات الخاصة، إذا كانت تستطيع الدخول في هذا المجال.

عبدالوهاب محمد: صحيح نحن بحاجة إلى التركيز على التخصصات النادرة لاستقطاب السياحة العلاجية، وخصوصاً مهنة "التمريض"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن البحرين بدأت رحلة التمريض في الستينيات، ومن المفترض أن يكون لدينا اكتفاء ذاتي، وألا يكون لدينا عجز في هذا الجانب.

إذاً، التخصصات النادرة والمطلوبة، تعد تحدياً كبيراً أمامنا ويجب إكماله، فإذا ما تم استكمال هذا الملف فإننا سنضمن الوصول إلى السياحة العلاجية، وخصوصاً مع التسهيلات العلاجية التي تقدمها المملكة إلى جانب تنوع الثقافات وتعدد اللغات.

ابتسام الدلال: يجب أن يكون هناك وحدة استثمارية مرجعية واحدة تضم عدداً من الشركاء الإستراتيجيين، مثل هيئة تنظيم المهن الصحية، وشؤون البلديات والتخطيط العمراني وصندوق العمل "تمكين" ومجلس التنمية الاقتصادية وغرفة تجارة وصناعة البحرين وهيئة تنظيم سوق العمل ووكالات السفر لتنظيم السياحة العلاجية.

خلال أزمة كورونا مثلاً، ظهر لدى المستشفيات الخاصة نقص شديد في الكوادر التمريضية والفنية، حيث عانت من انسحاب تلك الكوادر للانخراط في الصفوف الأمامية لمواجهة فيروس كورونا (كوفيد 19)، ما يتطلب وجود خطة واضحة في التدريب بالشراكة مع الجامعات المحلية.

أتفق، أن هناك نقصاً في مهن مساعدي أطباء الأسنان، والقابلات القانونيات، إلى جانب وجود عجز في مهن فنيي التخدير والبصريات والسمعيات، وحتى فنيو مكافحة العدوى والتعقيم وفنيو القلب غير متوفرين في السوق، نحن إذاً بحاجة إلى توجيه الاستثمار.

من غير المعقول أن يكون لدينا 50 مركز أسنان وليس لدينا تخصصات مثل التشوهات الخلقية في الجهاز البولي للأطفال وتشوهات القلب، وبالتالي فإن تشجيع القطاع الخاص سيساهم في حل الإشكالية.

مريم الجلاهمة: بخصوص وجود منظومة واحدة للاستثمار فإن الرقابة على المستشفيات الخاصة لها جهة وهيئة مستقلة، فمنظومة "سجلات" بوزارة الصناعة والتجارة والسياحة عبر الموقع الإلكتروني ساهمت في استقطاب المستثمرين والتخفيف عنهم. كما دشنا منصة إلكترونية في الهيئة تحت اسم "مكتب المستثمرين" ولدينا موظف مخصص يتابع كل طلبات المستثمرين، حتى لو كانت متعطلة في مكان آخر وربطناها مع جميع الجهات.

صحيح أن أزمة "كورونا" عطلت بعض الاستثمارات المهمة قليلاً، ولكن لا ننسى أنها رخصت مؤخراً لأول مصنع طبي في البحرين في يونيو الماضي، وهناك مصنع آخر سيرى النور مع نهاية العام 2020، ناهيك عن مصنع للكمامات الطبية ينتج كمامات من نوع N95 سيتم إنشاؤه قريباً.

*تعامل حكومي احترافي مع أزمة "كورونا"

"الوطن": وكيف ستغطون نقص الكادر التمريضي بعد انسحابه للعمل في الصفوف الأمامية؟

عبدالوهاب محمد: موقف حكومة البحرين خلال أزمة كورونا، كان جلياً للعيان حيث قامت بجهود كبيرة مقارنة مع دول العالم، ولاقت على أثرها إشادات عالمية، ومن بينها إشادة منظمة الصحة العالمية، وخصوصاً فيما يتعلق بالفحص المجاني لكافة المواطنين والمقيمين، وإمكانية فحص كورونا من السيارات، كما قامت الحكومة بدفع كلفة المرضى الذين تم نقلهم من المستشفيات الحكومية إلى الخاصة، وخصوصاً أولئك الذين كانت إقامتهم طويلة، إلى جانب عديد من الجهود الجبارة التي قامت بها خلال الأزمة.

بالنسبة إلى لجانب التمريضي، فإن وزارة الصحة سمحت بالتقاعد الاختياري، ولم يكن في الحسبان أن يظهر فيروس كورونا (كوفيد 19)، لكنه حدث بالتزامن مع فترة التقاعد الاختياري وتم استقطاب ممرضين من المستشفيات الخاصة، وأصبح هناك نقص ملحوظ وأثروا مالياً علينا، وخصوصاً أن الرواتب المدفوعة في القطاع الحكومي تعادل مرة ونصف أو مرتين مقارنة بالمستشفيات الخاصة.

ابتسام الدلال: حينما بدأت البحرين التمريض كان ذلك في الستينيات، ومن المفترض أن يكون لدينا اكتفاء ذاتي في هذا الجانب. فيجب أن يكون الأمن الصحي ضمن الأجندة بأن يكون لدينا كادر تمريضي، بل يجب أن يكون هناك فائض.

مريم الجلاهمة: مهنة التمريض والعلاج الطبيعي أيضاً من أهم القطاعات التي أصبحت البحرين بحاجة ماسة إليها، حيث تعد نسبة المواطنة بالمهن المعاونة والتمريض في البحرين أكثر مقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي فإن البحرين سبقتهم في مهنة التمريض، باستثناء المملكة العربية السعودية التي سبقتنا.

تشجيع العلاج في الداخل

"الوطن": لماذا لا نشجع العلاج داخلياً، وخصوصاً أن هناك مرضى يحتاجون عناية لفترة طويلة؟

مريم الجلاهمة: اللجنة العليا للعلاج بالخارج، التي شكلها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء مؤخراً لديها 3 خطط، أولاً، يمكن علاج المريض في الداخل إذا كان التخصص موجوداً، وهناك حالات طلبت العلاج في المستشفيات الخاصة، ثانياً، يمكن استقطاب الاستشاريين من الخارج لعلاج الحالات في المملكة، ثالثاً، هناك الضمان الصحي، فإذا كان العلاج ليس موجوداً في القطاع الحكومي فإن صندوق الضمان يستطيع شراء العلاج من القطاع الخاص في البحرين لعلاج المريض.

فقانون الضمان الصحي صدر، وهناك دراسات حالياً على اختيار الشركة التي ستدير الصندوق، وبالتالي تحديد الخيارات المتاحة للمواطن، إما العلاج في المستشفيات الحكومية، وإما الحصول على تأمين صحي اختياري خاص من خلال التعاقد مع أحد مزودي التغطية التأمينية. فخطة الصندوق تسير على قدم وساق.

هناك توجه جديد للجنة العليا للعلاج بالخارج التي يرأسها د. الشيخ فهد بن خليفة آل خليفة، يتمثل في الاستعانة بالعلاج المحلي في المقام الأول، ومن ثم العلاج الخليجي وأخيراً الأجنبي. كما أن هناك توجهاً حالياً للاستعانة بالأطباء البحرينيين في القطاع الخاص لإجراء عمليات في القطاع الحكومي.

وبالتالي فإن أزمة كورونا "كوفيد19"، ساهمت في تقوية العلاقة بين القطاعين العام والخاص، بعد أن استعانت وزارة الصحة بالأطباء لتحويل مرضى الإقامة الطويلة إلى القطاع الخاص لتفريغ الأسرة للعلاجات الأخرى.

ابتسام الدلال: دول مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية تنفق 20 مليار دولار سنوياً على علاج مرضاها في الخارج، وتعد الإمارات العربية المتحدة الأولى خليجياً في السياحة العلاجية.

والأهم من ذلك، ليس لدينا بيانات وإحصاءات حتى الآن تتعلق بنسبة مساهمة السياحة العلاجية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وما هي نسبة النمو المستهدف خلال الأعوام المقبلة. ولا بد من أن تتضمن الإستراتيجية تلك المعلومات كافة.

علينا توجيه فرص الاستثمار بتعديل التشريعات، ثم الانطلاق بثقة نحو مستقبل أفضل، يجب أن نصل إلى هدف محدد بتطوير حزمة خدمات وترتيب كافة إجراءات الموعد مع الطبيب المختص وحجز الإقامة وتأمين المواصلات.

فدورنا كغرفة، لا يقتصر على تقديم المشورة أو تنفيذ إحصاءات في القطاع، لكننا نعمل أيضاً كوسيط بين القطاع الصحي والجهات الحكومية لإيصال المعوقات التي يواجهها في ظل التشريعات الحالية وتمثيلها في فرق عمل الاستثمار الصحي يعد أحد الأسس الرئيسة لعملها.

عبدالوهاب محمد: تكلفة علاج البحرينيين في الخارج تبلغ ملايين الدنانير سنوياً. كان من الممكن أن تكون هناك استراتيجية مدروسة خلال الأعوام الماضية لتقليل أعداد من يُعالجون في الخارج، إلا من يريد العلاج في الخارج برغبته.

وزراء الصحة العرب، اتفقوا في عام 1984 على أن تكون هناك مراكز طبية تضم كافة التخصصات في الدول العربية، وتم على أثرها وضع إستراتيجية، ولكن تداخل بعض الأمور والتحديات حالت دون تحقيق هذا الحلم. أليس من حق الشعب الخليجي وخصوصاً البحرين أن تكون لديه مثل هذه المراكز المتخصصة؟

فمن وجهة نظري، أرى أنه من الأفضل إذا كان لا بد من العلاج في الخارج، فإن هناك دولاً شقيقة تمتلك مؤهلات كبيرة مثل مركز الملك فيصل التخصصي بالمملكة العربية السعودية بدلاً من الذهاب إلى دول أجنبية، وبالتالي المساهمة في تقليل المصاريف.

لنتطرق إلى العلاقة بين المستشفيات الحكومية والخاصة المحلية، فهناك خبرات موجودة في مستشفى دون الآخر، وفي هذا الصدد أقترح على اللجنة العليا للعلاج في الخارج، إتاحة إمكانية نقل أي مريض من مستشفى يجد علاجاً في مستشفى آخر ودراسة كل حالة على حدة.

إذاً، التنسيق بين المستشفيات الحكومية والخاصة مطلب حتمي. فقد كنت أترأس سابقاً لجنة لمدة عام ونصف وقدمت بمعية عضو لجنة القطاع الصحي بالغرفة د. ابتسام الدلال مقترحاً بأن تغطي المستشفيات الحكومية النقص في المستشفيات الخاصة، ولم نرَ شيئاً حتى الآن.

هناك نقطة مهمة، وهي أنه يجب على أي طبيب مراعاة نفسية المريض ويقدم له شرحاً وافياً عن حالته وألا يضعه في حيرة من أمره، وهو أمر غائب في معظم مستشفياتنا. صحيح أن هناك بعض المرضى لا يتقبلون التفاصيل كاملة ولكن يجب التعامل مع المريض كل بحسب وضعه.

وبالتالي، فإن الضمان الصحي سيحل جميع المشاكل، إذ سيؤدي إلى استقلالية المستشفيات والمراكز الصحية، وبالتالي فإن على الطبيب أن يثبت جدارته وقدرته على العلاج والتعامل مع المرضى حتى يتمكن من استقطابهم.

فهناك نوعان من الضمان الصحي لكل المواطنين، ويشمل كل التخصصات الضرورية، ماعدا التجميل باستثناء المستشفيات الحكومية، ويمكن أن يحول من المراكز الصحية إلى المستشفيات الحكومية، وإذا ما رغب في العلاج بالمستشفيات الخاصة فعليه أن يدفع.

أما النوع الثاني، وهو بوليصة التأمين، فإذا ما قام المريض بالحصول عليها فإن الحكومة ستدفع ما نسبته 60% والباقي يدفعه المستفيد.

"الوطن": كم تحتاج البحرين إلى استثمارات كي تكون قبلة للسياحة العلاجية؟

مريم الجلاهمة: نحتاج إلى دراسة بالتعاون مع وزارة المالية والاقتصاد الوطني ومجلس التنمية الاقتصادية وصندوق العمل "تمكين" وهيئة تنظيم سوق العمل، بهدف إجراء دراسة مستفيضة بحجم الاستثمارات القائمة، وبالتالي نستطيع التركيز على الأنواع والتخصصات التي سيتم استقطابها.

لدينا 19 مستشفى خاصاً في البحرين حتى عام 2019 بعد أن كان 21 مستشفى في 2018 بسبب تغيير تصنيف مستشفيين إلى مراكز طبية، ومن إجمالي تلك المستشفيات حصل 17 منها على الاعتماد. وهناك مستشفيان آخران بدأنا باعتمادهما وجاءت أزمة كورونا "كوفيد19" فتم تأجيل الاعتماد.

أغلب هذه المستشفيات تتركز في محافظة العاصمة، تليها المحافظة الجنوبية، ومحافظة المحرق، وأخيراً المحافظة الشمالية كونها سكنية ومجالات الاستثمار بها أكبر.

عبدالوهاب محمد: من الصعب تحديد حجم الاستثمار في القطاع الصحي الخاص، لكن بحسب توقعاتي فإنه يتراوح بين 70 و80 مليون دينار، وخصوصاً أن هناك بعض المستشفيات لها فروع لمستشفيات موجودة في السابق، وبالتالي نحتاج إلى دراسة لتحديد حجم الاستثمار.

*لا قانون لتحديد رسوم المستشفيات

"الوطن": لوحظ اختلاف في رسوم الاستقبال بين مستشفى وآخر. هل من تفسير بخصوص ذلك؟

مريم الجلاهمة: لا يوجد في البحرين قانون لتحديد الرسوم ولا يمكن التدخل فيها، فعند التوجه إلى طبيب أخصائي وليس استشاريا قد يكون سعره أقل.

عبدالوهاب محمد: أتفق معك بأنه لا يوجد في البحرين ولا حتى في دول العالم قانون أو تشريع يحدد رسوم دخول المستشفى. بل هناك مستشفيات في دول أوروبا تحسب كلفة أعلى، وذلك يخضع لفترة جلوس المريض مع الطبيب وهذا لا يوجد في البحرين.

إذاً الموضوع يتعلق بنظرة المجتمع إلى هذا الطبيب وتخصصه وما يقدمه وخبرته واستغلاله للتقنيات التي تختصر الوقت وتشخص المرض، وبالتالي، فإنه من الصعوبة تحديد رسم معين، ولكن يمكن أن نضع متوسطا للرسوم، كما يجب أن أبحث عن الكيف وليس الكم.

ابتسام الدلال: في حالة تقديم نفس التشخيص ونفس العلاج، فلا توجد فروقات تذكر ويأتي الفرق عندما توظف بعض المستشفيات أو بعض المراكز الطبية كفاءات ليست ذات خبرة كافية، وبالتالي تكون الرواتب متدنية أو أنها تعتمد على نسبة عالية من المردود المادي للفحوص المختبرية، وبالتالي يعتمد دخل الطبيب على كمية الفحوص التي يطلبها أو كمية الأدوية التي يصفها، وهنا تكمن الخطورة. فاختلاف الرسوم يكون باختلاف تكلفة المؤسسة الطبية من رواتب ونوع الأجهزة والمواد المستخدمة لتقديم الخدمة العلاجية بالإضافة إلى حجم المؤسسة والفريق المتخصص لإدارتها.

***********************

*القوانين قيد التعديل والمقترح تعديلها

- المرسوم بقانون رقم "7" لسنة 1989 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان

- المرسوم بقانون رقم "18" لسنة 1997 بشأن تنظيم مهنة الصيدلة والمراكز الصيدلانية

- المرسوم بقانون رقم "20" لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم "18" لسنة 1997

- مرسوم بقانون 21 لسنة 2015 بشأن المؤسسات الصحية