حكايا إبداع وجمال من قلب قرى مملكة البحرين، حيث يتمثل مصنع الذاكرة، ويتشكل سرد يقتبس من التراث قصص إبداع لجمال صنعة وإبداع بصمة وكلها نتاج الأيادي البحرينية.

تفاصيل الحكايا تتمثل في حرف ممتدة بين قطع الخشب التي تشكلت منها صناعة السفن والصناديق المبيتة لتمر بصناعات مختلفة في تفاصيلها وأدواتها كالنسيج، والنقدة والكورار، والأزياء التقليدية، وصولا إلى صناعة الفخار، وسعف النخيل، والنقش على الجبس.

ويمتد عمر هذه الصناعات وغيرها لعمر الحضارة في أرض دلمون، لتشكل قصص إبداع لا يراد لها أن تنتهي عبر الأجيال، فهي حكايات تلخص التاريخ لتنضح بجمال متفرد ولتعبر عن أصالة ليس لها مثيل.



وبين تفاصيل الحرف ثمة منطق آخر للجمال ومقياس مختلف للإبداع، وبين حرفة وأخرى يعمل رجال بأيديهم ليكونوا ذائقة مختلفة ستظل محفورة في ذاكرة كل من يزور البحرين وتحديدا قرية الجسرة.

مبادرة "صنع في البحرين" التي أطلقتها هيئة البحرين للثقافة والآثار، جاءت لتؤكد أهمية منتجات الحرف والصناعات اليدوية كجزء من ثقافة وهوية البحرين، حيث يتم الاستثمار فيها وتصديرها إلى العالم، فمن الحرفة إلى الصناعة ثمة قصة نجاح، تتآلف فيها الرؤية الثقافية بالإنتاج، وتمتزج فيها الصناعات الحرفية بحس جديد من الإبداع والتجديد.. فمن خلال صنع في البحرين، تعيد هيئة البحرين للثقافة والآثار تصوير وتكوين الهوية البصرية والوظيفية لنتاجات الحرف اليدوية والصناعات التقليدية.

في قلب قرية الجسرة، يجلس أبناء البحرين من الحرفيين ليعرضوا نتاج إبداعاتهم، فصانع الفخار حسين عبدالرحيم عبدالعزيز من قرية عالي، ورث الحرفة من والده، وما بين الخامسة والسادسة بدأ حسين في تعلم أساسيات صناعة الفخار والعمل بالطين، ليستذكر دروسه الأولى في تدوير العجلة وتعلم وضعية العمل، ومنذ أواخر الثمانينيات أمضى حسين وقت فراغه بعد المدرسة في تعلم حرفته، وعلى الرغم من أنه تخلى عن صناعة الفخار عندما كان شابا، إلا أنه لم يستطع البقاء بعيدا عنها لفترة طويلة.

وفي أوائل التسعينات تلقى حسين أول دعوة لتقديم الورش في مدرسته، وبمجرد أن بدأ العمل في صناعة الفخار من جديد، لاحظ أن موهبته قد تراجعت لذا استمر في صقلها حتى أصبح حرفيا متمرسا كما هو اليوم، ليستمتع حسين بالعمل على العجلة كوسيلة للإنتاج، وليكمن شغفه الحقيقي بالعمل على المنحوتات، إذ يعتقد أن هذا الإنتاج الإبداعي يمنحه الحرية لممارسة جميع المهارات التي أتقنها وإطلاق العنان لنفسه، وقد شارك في العديد من المعارض المحلية والإقليمية.

إبداعات يدوية متوارثة

أما أحمد إبراهيم حسين وهو صانع نسيج وتعلم حرفته من والده الراحل في قرية بني جمرة، وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، سعى أحمد إلى تطوير مهاراته وحرفته، فيقول إن بدايته كانت قاسية وصعبة، وغالبا ما كان يجد الصعوبة في إكمال مهمة ما، لكنه ينسب الفضل إلى والده وأصدقائه في مساعدته على مواصلة العمل في النسيج حتى أصبح الحرفي المتمرس الذي هو عليه اليوم.

يعمل أحمد بشكل أساسي مع القطن المصري المستورد لصنع الشالات والمنسوجات التي تباع للزبائن، وعلى الرغم من أن عملية صنع الشال بسيطة لا تستغرق أكثر من يوم، إلا أنه يعتقد إن إرضاء الزبون يجعل من العملية الطويلة والشاقة أمرا يستحق العناء، فهو يعمل بمفرده مستمتعا بالعزلة التي تمنحه الوقت للتفكير والإبداع في حرفته، الأمر الذي يمكنه من إنتاج أكثر من عشرين مترا من المنسوجات شهريا بصناعة يدوية محلية.

صانع النقش على الجبس جعفر عبدالحسين، نشأ في قرية السنابس، تعلم فن صناعة الجبس من أخيه، وعلى مدى 38 عاما الماضية، عمل الإخوة بأيديهم ليرثوا حرفة تمرسها من قبلهم آبائهم وأجدادهم، وعلى مر العقود الثلاثة الماضية، سعى جعفر إلى تطوير حرفته من مجرد مهارة في صنع زخارف بسيطة، إلى أداة لنقل ونشر ثقافة البحرين، بما تحمله من تقاليد وتراث، وفي السنوات الماضية أصبح لدى جعفر بعض المتدربين الذين شاركهم ما تعلمه والده عن جده.

ويفضل جعفر العمل على نماذج ثلاثية الأبعاد، فيستمتع بالدمج ما بين التصاميم التقليدية والحديثة، كما يعتبر الحرفيين القدامى مصدر إلهام بقدراتهم العالية رغم نقص التكنولوجيا، إذ يجد جعفر الجمال في تصاميم الرسم الحر باليد واتباع ما يشعر به في مكنوناته، فهو يعتبر أن دوره هو استخدام حرفته لتمثيل البحرين.

شغف العمل والافتتان بالتراث

محمد علي صانع السفن من قرية كرزكان، اكتشف شغفه بالحرف اليدوية منذ خمسة عشر عاما، ولسنوات عديدة تلقى محمد العديد من الدورات والورش في مركز الجسرة للحرفيين، وأثناء تجربته للعديد من الحرف وجد محمد شغفا حقيقا تجاه صناعة السفن، وعلى الرغم من أنها لم تكن مهارة متوارثة، إلا أن افتتانه بالحرف دفعه إلى أخذ المزيد من الدورات المتقدمة في مركز الجسرة للحرفيين.

يفضل محمد سفينة البوم رغم اعتقاده بجمال وأصالة كل سفن البحرين، إلا أنه يرى في البوم فرادة تميزها عن غيرها، فهو يعتقد أنها الأكثر تمثيلا للبحرين لاستخداماتها الكثير في السفر ونقل البضائع والتجارة والغوص.

صانع الصناديق المبيتة عبدالرسول بوري، ولد ونشأ في قرية بوري، ألهمته الصور القديمة للصناديق المبيتة، فكبر معه هذا الولع بتفاصيل الصندوق المبيت حتى بلغ هذا الفضول ذروته فبمجرد أن بدأ زيارة مركز الجسرة للحرفيين والتحق بعدد من الورش والدورات فيه، فبدأت رحلته التي استمرت لـ 27 سنة، ومع صناعة كل صندوق يدخل عبدالرسول في تحدي جديد من الدقة والإتقان.

حب الصناديق عامة والصناديق المبيتة خاصة، شكل الشغف لديه بحب تاريخ من التقليد الذي يصفه بالرائع، فعبد الرسول ليس صانع صناديق فقط بل هو أيضا مؤرخ شفوي يأمل استمرار إحياء التراث وسرد حكاية التراث التي لا تنتهي.

وفي زاوية أخيرة يجلس موسى محمد الصايغ.. وهو صائغ ذهب توارث المهنة من أجداده، فرغم امتهانه إلا أنه يتعامل معها بروح الهواية لا المهنة، ليضفي عليها المحبة والفرادة التي تليق بها، فهو يرى أن عمله في هذه المهنة ليس سوى وقتا للراحة والمتعة، حتى لو استغرق العمل لديه أكثر من شهر، فهو لا يستعجل الإبداع المتأني ولا يقبل بأقل من درجة الإتقان فيه.

عمل الصايغ في هذه الحرفة منذ أن كان عمره 15 عاما، ويفضل منحوتات حديثة مستوحاة من التراث المحلي، ويقدر فن الدمج بين كل من الأواني التقليدية والتصميمات الحديثة، فعلى الرغم من أن حرفته تعتمد على النحاس في المقام الأول، إلا أنه يستمتع بالعمل مع وسائط أخرى كالدمج بين الفخار والنحاس، ليظل النحاس هو شغفه الأول، ولتبقى المعادن صناعة جمال بين أنامله المبدعة.

مهارة الصنعة وإتقان الحرفة

صانع المداد (الحصير) عباس محمد، أمضى 16 عاما في العمل بسعف النخيل، وفي عام 2002 بدأ العمل ضمن إدارة مركز الجسرة للحرفيين، ولاحظ وجود فراغ بعدم وجود من يعمل في صناعة المداد باستخدام نبات الأسل، وبعد رحلة بحث توصل من خلال صهره إلى حرفي أعمى متمرس في النسيج ليأخذه في رحلة تدريب فريدة من نوعها.

فتن عباس بقدرة المواد الخام على تعديل نفسها وتطويرها، ويأمل في صنع أثاث وديكورات مستدامة تقاوم الحرارة والرطوبة في البحرين لأجيال قادمة، واليوم يعتبر عباس صانع مداد بدوام كامل، يعمل على تطوير تقنيات متقدمة على مر السنين.

ميثم علي ناصر حرفي ترعرع مع والده وجده في قرية عالي، كانا حرفيين ماهرين في صناعة الفخار، ومنذ التاسعة بدأت رحلته في زيارة مصنع عائلته ومراقبة العمال، حيث كان يجلس أثناء استراحة العمال ليحاكي ما يراه، وعلى الرغم من أنه لم يأخذ دورات عندما كان طفلا إلا أنه يعزو مهاراته إلى الوقت الذي كان يقضيه في مشاهدة العمال وتقليدهم.

الشعور بالطين، واستخدام الأصابع بفن ومهارة، قواعد مكنته من إتقان الحرفة وهي عملية طويلة استلزمت 7 سنوات، وبعد تراكم الخبرة لدى ميثم أصبح يفضل الصعوبات والتحديات في أي عمل يقوم به.

ومن المحرق وبعد مضي 30 عاما على إتقان حرفة صناعة السفن، كبر زهير عبدالأمير وكبر معه شغف إنشاء نماذج صغيرة من أسطول السفن البحرينية، إذ عمل على إنتاج أنواع عديدة من السفن، ليبقى النوع المفضل لديه هو الجالبوت بصفتها رمزا للغوص.

بدأ زهير العمل على السفن عندما كان شابا، حيث ساعده والده في أساسيات صناعة السفن، وقد شهدت سنواته الأولى انخراطا ضئيلا في إنتاج السفن، لكنها منحته الفرصة لتعلم القصص عن صانعي السفن، والصيادين والغواصين.