محرر الشؤون المحلية

جاء في وثيقة بريطانية صادرة من المقيم السياسي في بوشهر بتاريخ 6 مايو1937م بأن قبائل الزبارة لا يحملون أية وثائق سفرٍ للدخول غرب ساحل شبه جزيرة قطر، ولا يدفعون ضرائبٍ أو رسومٍ جُمركيةٍ لأي جهة أخرى، وفوق كُل ذلك فإنهم يدينون بولائهم ويتلقون أوامرهم من حاكم البحرين وتوابعها.

وعلى الرغم من ذلك فإن أصحاب الشركات النفطية الذين حصلوا على حقوق نفط الساحل الشرقي لشبه جزيرة قطر، والمرتبطون بهذه المصالح النفطية، كانوا يرون أن «المُطالبة البحرينية بالزبارة يجب ألا تتكلل بالنجاح».



وكان من الواضح أن استمرار استفادة شركة الامتيازات البترولية المحدودة البريطانية من النفط القطري كان مرتبطاً بمسألة حسم تبعية الزبارة لضمان استمرار مصالحهم النفطية في كامل شبه جزيرة قطر. وتضيف الوثائق «ومع ذلك عليهم أن يدركوا بأن الحجة ليست معنا، ولكن مع البحرين، ونحن نسعى جاهدين إلى تسوية ودية بين الطرفين».

وقد بينت حيثيات المفاوضات أن الحجة بحق كانت مع البحرين وليست مع أصحاب المصالح السياسية أو النفطية.

بل كانت المؤشرات على الأرض تشير بأن قبائل قطر في الدوحة تكن بالولاء لممثل آل خليفة في الزبارة.

وقد عقدت الجولة الأولى من الحوار في البحرين في صباح يوم 12 مايو 1937م. وفي نهاية يونيو 1937م أجريت جولة ثانية من المفاوضات بين الطرفين في قرية الغارية الكائنة شمال الساحل الشرقي من شبه جزيرة قطر. وفي كلا الجولتين تتم المماطلة ولم تكن هناك «نية صادقة للوصول إلى حل».

أما الذي جرى بين جولتي المفاوضات وما بعدهما فكان أمراً يخرج عن أعراف الدين وأعراف المجتمعات العربية المسالمة التي عاشت في كنف الدولة الخليفية منذ التأسيس وحتى اللحظة. فقد قام المرتزقة أولاً بمهاجمة أهالي الزبارة والقرى الأخرى ونهبوا المواشي والأغنام والجمال.

وفي 27 يونيو 1937م تطورت الأحداث، فقاموا بمهاجمة قلعة الثغب، وقاموا برمي سكانها ببنادقهم، وقاموا قبلها بالهجوم على الأهالي وتم رميهم بالرصاص.

وأسفر هذا الاعتداء عن تعرض عدد من أبناء القبائل لإصابات، وبعضهم كانت إصابته بليغة وتم نقلهم للعلاج في المستشفى الأمريكي في البحرين، وحرص الحاكم على زيارتهم.

وقد وصف مستشار حكومة البحرين وعضو وفد المفاوضات تشارلز بلغريف هذا المشهد، حيث شاهد نشاطات غير عادية على الساحل، وكانت هناك شاحنات محملة بالرجال تتحرك نحو الزبارة، وتم إنزال أعداد منهم. واندلع القتال بعد ذلك، وتبيّن أن رجال قبيلة النعيم من أهالي الزبارة قد تعرضوا للهجوم.

وقد أفاد عدد من كبار السن وأسرهم من رعايا الدولة الخليفية في الزبارة، بأن المعتدين من المرتزقة، كانوا قد أحضروا بشاحنات تتبع شركات النفط.

ويصف جمعة الكعبي ما فعله المرتزقة قائلاً: «جاءوا في شاحنات كبيرة خضراء أعطيت لهم من قبل الإنجليز الذين يرغبون في التنقيب عن النفط وزحفوا عليهم «أي على الرعايا» بالسيارات والركاب وتوجهوا للقرى الساحلية ونهبوها وتركوا الأغنام وأخذوا الركاب وكل شيء في طريقهم أخذوه ونهبوا كل ما في البلد».

وهذا الأمر ليس بمستبعد حيث إن المفاوضين من الجانب الآخر كانوا طوال المفاوضات يتلقون تعليمات من مسؤول شركة النفط، وهو ما تم توثيقه في الوثائق البريطانية.

لم يستهدف المهاجمون والمرتزقة قرية معينة، بل استهدفوا جميع القرى الموالية للدولة الخليفية، وإقليم الزبارة نفسه بالتزامن.

وفي ظهر اليوم الأول من يوليو م1937 اقترب المرتزقة من قرية لشى، فسارع الرجال بالاستعداد للمعركة مع أبناء قبيلة النعيم الذين احتشدوا أيضاً للدفاع عن أرضهم.

وبدأت المعركة بإطلاق نار كثيف، ومواجهة حامية بين الطرفين، ليتراجع المرتزقة إلى الشرق رغم قوة تسليحهم، ووجد رجال النعيم عدداً من الجرحى تم نقلهم إلى لشى للعلاج. واستشهد بعضهم في المعركة.

وقد كتب شيخ النعيم الشيخ راشد بن محمد آل جبر بياناً مهماً للتاريخ فصّل فيه الأحداث، وذكر فيه أن المرتزقة انتقلوا بعدها ولاحقوا القبائل بلدة تلو أخرى من بلدان الزبارة، وشملت: فريحه، والعريش، واخداي، وقصر الثغب، والخوير. وقاموا بنهب الأهالي، وشمل النهب، جميع الملابس، والفرش، وأوانيهم، وبيوت الشعر، والحمير، وأشرعة السفن.

بعد ذلك توجهوا إلى قلعة مرير في الزبارة، وحاصروها حصاراً شديداً. وهنا اضطر الأهالي إلى تسليم أسلحتهم بسبب الجوع والحصار والظروف الصعبة التي مرّوا بها، فسلبوهم سلاحهم وأموالهم ومواشيهم.

وفي 2 يوليو 1937م أخطر المستشار بلغريف المعتمد السياسي أن قرية فريحه تم الاستيلاء عليها بعد قتال شديد.

وقام المرتزقة بإطلاق الأعيرة النارية من رشاشات محمولة على شاحنة وترمي النار بشكل جماعي على القرية.

وهكذا استمر الهجوم على مختلف المناطق التابعة للحكم الخليفي في شبه جزيرة قطر، وهدمت بيوتهم ومساجدهم وقلاعهم، واستشهد وشرد المئات مع أهلها، وهجر الآخرون قسراً.

وتلك قصص أخرى قد يرويها شهود العيان في حلقات أخرى.