دخل العالم مرحلة جديدة من التغيرات المفاجئة التي تلاحقه منذ بداية العام 2020 مع اندلاع جائحة كوفيد 19 وما تلاها من تداعيات.

فبعد عامين من تأثيرات الوباء التي ضربت سلاسل الإمداد وتسببت في اضطرابات بأسعار الطاقة والغذاء، فوجئ العالم باندلاع حرب تقليدية على الطراز القديم بين روسيا وأوكرانيا في 2022، وهي الحرب التي سكبت البنزين على التضخم المشتعل أصلا.



إثر الحرب، وجدت البنوك المركزية نفسها مضطرة لرفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم الجامح، واستمرت على هذه الحال طوال عام 2022.

وبينما يستعد العالم لجني ثمار الفائدة المرتفعة في 2023 والإبطاء من وتيرتها تمهيدا لإعلان السيطرة على التضخم، مني الاقتصاد الدولي بهزة كبرى جديدة تتمثل في الأزمة المصرفية.

كيف تؤثر الأزمة المصرفية على اقتصاد العالم؟

الأزمة المصرفية هي بالأساس ناتجة عن الزيادات السريعة لأسعار الفائدة خاصة في الولايات المتحدة أوروبا.

البنوك الصغيرة والإقليمية التي وضعت معظم استثماراتها في سندات الخزانة طويلة الأجل، وجدت نفسها فجأة تخسر قيمة هذه الأصول بينما المودعون يقبلون على سحب أموالهم.

وفي سبيل منع العدوى، تحاول البنوك المركزية حاليا طمأنة المستثمرين بأنها اقتربت من نهاية جولة التشديد النقدي.

ومع ذلك، فإن الأزمة ستؤثر بشكل ملحوظ على مستقبل التضخم والركود وحتى نوعية الاستثمارات التي سيفضلها المستثمرون.

تضخم أقل وركود أسرع

أصبح الركود في حكم الحقيقة، وفقا لتحليلات اقتصادية عديدة، بينما يمكن أن يتراجع التضخم ذاتيا بفضل تراجع النمو.

واليوم قال نيل كاشكاري، رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (المركزي الأمريكي) في منيابوليس، إن الضغوط التي يواجهها القطاع المصرفي واحتمال حدوث أزمة ائتمانية لاحقة تقربان الولايات المتحدة من الركود.

وقال كاشكاري "إنها بالتأكيد تقربنا أكثر. الشيء غير الواضح بالنسبة لنا هو إلى أي مدى ستؤدي هذه الضغوط المصرفية إلى أزمة ائتمانية واسعة النطاق. هذه الأزمة الائتمانية... ستؤدي بعد ذلك إلى إبطاء النشاط الاقتصادي. وهذا شيء نراقبه عن كثب".

الأمر نفسه أكده نائب رئيسة البنك المركزي الأوروبي لويس دي جويندوس، قائلا إن البنك لديه "تصور" بأن الأزمة الأخيرة في القطاع المصرفي قد تؤدي إلى تراجع معدلات النمو والتضخم.

وأوضح: "تصورنا هو أنها ستؤدي إلى تشديد إضافي لمعايير الائتمان في منطقة اليورو. وربما سيجد هذا طريقه للاقتصاد ويؤدي إلى تراجع النمو وانخفاض التضخم".

عودة الحياة لأسهم التكنولوجيا

من جهة أخرى، فإن أسهم شركات التكنولوجيا أضحت أحد أهم الرابحين من الأزمة المصرفيّة إذ بات ينظر إليها كملاذ آمن بعدما اعتبرت لفترة طويلة كثيرة المخاطر وباهظة الثمن.

وارتفعت قيمة أسهم ميتا وألفابت ومايكروسوفت جميعها بأكثر من 10% في وول ستريت منذ أولى بوادر العاصفة التي اجتاحت القطاع المصرفي الأمريكي في بداية مارس/ آذار، فيما تراجع مؤشر داو جونز في المقابل بأكثر من 2%.

وأوضح أنجيلو زينو من مكتب "سي إف آر إيه ريسيرتش" للدراسات والتحليل أن "المستثمرين يرون في هذه الشركات التكنولوجية ذات القيمة السوقية الكبرى وجهة آمنة في الوقت الحاضر".