الحرة

أثارت المبيعات الهائلة لشركة "نوفو نورديسك"، المصنعة لعقاقير إنقاص الوزن، وأدوية خاصة بمرضى السكري من النوع الثاني، مخاوف من أن يخاطر اقتصاد الدنمارك بمصير مماثل تعرضت له فنلندا، التي اعتمدت بشكل مفرط على شركة "نوكيا" لدعم اقتصادها قبل أن تنهار.

وساعد عقار "Ozempic"، وهو علاج لمرض السكري يستخدمه المشاهير لإنقاص الوزن، وعقار "Wegovy"، وهو دواء مضاد للسمنة، في دفع الشركة الدنماركية لتصبح الأكثر قيمة في أوروبا. كما نجح العقاران بمفردهما في منع الدنمارك من الانزلاق إلى الركود، بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.

وتبلغ القيمة السوقية لشركة "نوفو نورديسك"، 410 مليارات دولار، وهي بذلك تتفوق على الناتج المحلي الإجمالي السنوي للدنمارك، الذي بلغ 400 مليار دولار في العام الماضي.

وأثار هذا الازدهار الكبير لشركة الأدوية، المخاوف في أوساط سياسيين ورجال أعمال، من أن تصبح ثروات البلاد مرتبطة بشكل وثيق بشركة واحدة.

وقال كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الدنماركي، توماس هار: "الطريقة التي ننظر بها إلى الأمر هي أنه في الدنمارك لدينا اقتصاد ذو سرعتين، الأول يتعلق بصناعة الأدوية، والثاني ببقية الشركات".

وتابع:"مكمن الخطر في الاعتقاد أن أداء الاقتصاد هو أفضل في الوقت الحالي".

وشرح وجهة نظره، قائلا: "شركة نوفو ناجحة للغاية، وهذا أمر عظيم بالنسبة لها ولمساهميها. لكن بالنسبة للدنمارك، أشعر بالقلق بشأن ما سيحدث إذا سارت الأمور على نحو خاطئ.. فقد انتهى الأمر بفنلندا أنها أضاعت عقدا من التطور بعدما واجهت شركة نوكيا (لصناعة الهواتف المحمولة) مشكلات".

وكانت "نوكيا" قد حققت هيمنة كبيرة في مجال صناعة الهواتف المحمولة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل أن تنهار مع إطلاق هاتف "آيفون" من شركة آبل الأميركية.

وكانت نوكيا في ذورة نجاحها، تدفع ربع إيرادات ضرائب الشركات في فنلندا، إذ أنها شكلت 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ومع انهيار الشركة، كافح اقتصاد فنلندا للنمو من جديد.

ولأكثر من عقد من الزمن، كانت "نوفو نورديسك"، من بين أكبر الشركات في الدنمارك، وذلك بفضل تركيزها على أدوية مرض السكري، لكن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعا في قيمة الشركة وأرباحها ومبيعاتها، بعد نجاح انتشار عقار Ozempic ثم نجاح عقار Wegovy، الذي يستهدف مكافحة السمنة بشكل مباشر.

وتوسع اقتصاد الدنمارك بنسبة 1.7 في المائة في النصف الأول من هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.

لكن باستثناء قطاع الأدوية، الذي تهيمن عليه شركة "نوفو نورديسك"، فإن الناتج المحلي الإجمالي للدنمارك انخفض بنسبة 0.3 في المائة.

ووفقا لخبراء، فإن ثأثير الشركة على الناتج المحلي الإجمالي معترف به على نطاق واسع، لدرجة أن وكالة الإحصاء في البلاد تنتج بيانات منفصلة عن الناتج المحلي مع قطاع الأدوية وأخرى دونه.

"اقتصاد مرن"

ويعتقد بعض الخبراء أن اقتصاد الدنمارك "سيثبت مرونته حتى لو شهدت شركة نوفو نورديسك تراجعا في مبيعات منتجاتها".

ومن أهم الأسباب، هو أن الكثير من تأثير "نوفو نورديسك" على الناتج المحلي الإجمالي، يأتي جراء بيع منتجات الشركة المصنعة للأدوية في الخارج، وليس داخل البلاد.

ويوضح كبير مستشاري الحسابات القومية في وكالة الإحصاء، جوناس دان بيترسن: "تظهر الإيرادات الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، لكن ليس لها مثل هذا التأثير المتفجر على التوظيف داخل البلاد".



كما أشار نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الاقتصادية في الدنمارك، جاكوب إليمان جنسن، إلى "الاختلافات الكبيرة" بين المأزق الحالي الذي تعيشه بلاده، والمأزق الذي واجهته فلندا بسبب انهيار شركة نوكيا.

وفي نفس المجال، قال هيلجي بيدرسن، كبير الاقتصاديين في أكبر بنك في بلدان الشمال الأوروبي (نورديا)، إنه ينظر إلى نجاح نوفو نورديسك وغيرها من مجموعات الأدوية الدنماركية باعتباره "منفعة كبيرة" وأنها لم تخلق "اعتمادا مفرطا"عليها.

أما أولي رين، الذي أخذ إجازة من منصبه كمحافظ للبنك المركزي الفنلندي بغرض الترشح لمنصب رئيس البلاد، فيرى أن الدنمارك لديها "هيكل صناعي أكثر تنوعا (مقارنة ببلاده)، وذلك مع وجود هيمنة للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم".

ومع ذلك، فإن جذور نوفو نورديسك في الدنمارك قوية، إذ يتمركز حوالي 40 في المائة من موظفيها هناك، حيث أنها أضافت 3500 وظيفة في العام الماضي، ليصل المجموع إلى 21 ألف موظف.

كما قامت شركة صناعة الأدوية باستثمارات تزيد على 10 مليارات كرونة دنماركية (1.4 مليار دولار) في الإنتاج في البلاد خلال العام الماضي، ودفعت ضرائب تزيد على 15 مليار كرونة (2.13 مليار دولار)، أو حوالي 1 في المائة من الإجمالي الذي جمعته البلاد في عام 2020.

واعتبر بيدرسن أن "الخطر الكبير يتمثل في أن صناع السياسات يمكن أن يتجاهلوا أداء الشركات الأخرى خارج قطاع الأدوية".

من جانبه، قال رئي الوزراء الفنندي الأسبق، أليكس ستاب، إن "كوبنهاغن ليس بوسعها أن تفعل سوى القليل نسبيا بشأن مواجهة مخاطر انهيار أو تراجع مبيعات شركة الأدوية العملاقة".

وتابع: "كل ما يمكنك فعله هو البقاء بعيدًا. فعندما بدأت شركة نوكيا بالانهيار جرى إبلاغ الحكومة بذللك، لكن لم يكن هناك الكثير لفعله حقًا".