* سنّ التشريعات وتهيئة البيئة الاستثمارية المساندة




تمكنت البحرين من تثبيت أقدام راسخة لها لتكون مركزاً رائداً لقطاع التكنولوجيا المالية على مستوى المنطقة والعالم، وذلك على خطى ريادتها كمركز مالي عريق خلال القرن المنصرم. ويأتي هذا المسعى مدعوماً بما تضمنته رؤية البحرين الاقتصادية 2030 وخطة التعافي الاقتصادي التي تركز على دعم التنويع الاقتصادي وتولي قطاع الخدمات المالية اهتماماً محورياً باعتباره من ضمن القطاعات ذات الأولوية الإستراتيجية.


واتسعت خطوات المملكة لنيل هذه المكانة، لتشمل سنّ التشريعات ووضع الأطر التنظيمية، وتهيئة البيئة الاستثمارية المساندة، وتدريب الكفاءات والمهارات المحلية، وعقد الفعاليات الجاذبة للاعبين المحليين والعالميين لتبادل الخبرات ودراسة الشراكات، حتى الوصول إلى استقطاب الاستثمارات العالمية في قطاع التكنولوجيا المالية.

ويتركز اهتمام المملكة على قطاع التكنولوجيا المالية، وخصوصاً أنه من ضمن المجالات الصاعدة التي شهدت تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة حتى تضاعف حجم الحلول المطروحة في السوق عدة مرات لتشهد مختلف الخدمات سواء تلك التي تستهدف الأفراد أم المخصصة للاستخدام المؤسسي. وكان آخر هذه المبادرات هو تنظيم البحرين منتدى مستقبل التكنولوجيا المالية 2023 الذي عقد في أكتوبر الماضي برعاية مصرف البحرين المركزي، وبالشراكة الإستراتيجية مع مجلس التنمية الاقتصادية ودعم خليج التكنولوجيا المالية.

وعكس هذا المنتدى نجاح البحرين في تعزيز مكانتها كوجهة للتكنولوجيا المالية بكافة مجالاتها من خلال توفير البنية التحتية الرقمية المتطورة، والإصلاح التنظيمي المرن، وسهولة ممارسة الأعمال التجارية بشكل عام، وهو ما أهلها لأن تكون مركزاً جاذباً لشركات ومشاريع التكنولوجيا المالية المتطلعة إلى تأسيس أعمالها وتطويرها في المنطقة.

وساهم نجاح المنتدى في تسليط الضوء على ما تحظى به البحرين من بيئة داعمة للتكنولوجيا المالية، وذلك أمام أكثر من 900 مشارك حضروا المنتدى على مدى يومين، وخصوصاً أن المنتدى احتضن العديد من الجلسات النقاشية المتخصصة التي أدارتها في اليوم الأول «إيكونوميست إمباكت» وجمعت قيادات الأعمال والمستثمرين في مختلف مجالات الخدمات المالية، التي شارك فيها أكثر من 15 دولة بما في ذلك الخبراء والمختصون في القطاع الذين يمثلون «جي بي مورغان» و«ستاندرد تشارترد» و«معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، وشركات التكنولوجيا المالية الرائدة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واليابان والبرازيل. كما قدم منتدى مستقبل التكنولوجيا المالية 2023 ترجمة عملية لدور الجهود والشراكة بين القطاعين العام والخاص التي أهلت البحرين من قبل في الحصول على تقدير عالٍ في مجال التكنولوجيا المالية لدى عدد من التقارير والمؤشرات الدولية، حيث سبق أن صنف تقرير البيئة الداعمة للتكنولوجيا المالية العالمي مملكة البحرين ضمن أبرز خمس بيئات داعمة لـ»الفنتيك» على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما سلط تقرير Global Startup Genome Report 2020 الضوء على قطاع التكنولوجيا المالية في البحرين باعتباره ضمن أبرز القطاعات المتعلقة بالشركات الناشئة، وخصوصاً أن البحرين هي أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقدم الخدمات المصرفية المفتوحة.

وبالتالي يؤكد نجاح المنتدى أهمية الدور الذي يتوقع للفعاليات العالمية الكبرى أن تلعبه مستقبلاً في الترويج لمسيرة البحرين الناجحة نحو تحقيق الريادة الإقليمية والعالمية في قطاع التكنولوجيا المالية، ومن بين هذه الفعاليات العالمية يأتي مهرجان سنغافورة للتكنولوجيا المالية 2023 الذي سيعقد في الفترة ما بين 15 و17 نوفمبر الجاري وسيتضمن مشاركة العديد من صناع القرار السياسي والاقتصادي وأبرز الشركات والمؤسسات المالية في قطاع التكنولوجيا المالية.

وبالتالي من المتوقع أن يوفر هذا الحدث المهم أفضل الفرص والخيارات المميزة لتسليط الضوء على ما تتميز به البحرين من العديد من عوامل القوة والإمكانات التي تؤهلها لأن تكون مركزاً للتكنولوجيا المالية على مستوى المنطقة والعالم وتعزز اهتمام شركات التكنولوجيا المالية تجاهها.

فتعتبر البحرين وجهة جذابة للاستثمار المباشر، فقد شهدت المملكة ارتفاعاً في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بمقدار 1.95 مليار دولار في عام 2022.

كما حققت البحرين نمواً اقتصادياً قوياً في إطار ما تتبناه من توجه إستراتيجي يركز على التنويع الاقتصادي، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبحرين في غضون عقدين من الزمن من أقل بقليل من 10 مليارات دولار في 2002 ليصل إلى 44.4 مليار دولار العام الماضي، وقد تفوق قطاع الخدمات المالية في البحرين على النفط كأكبر مساهم في الاقتصاد، حيث يمثل 17.6% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.

وبالتالي، من المتوقع أن تساهم المزايا التنافسية التي تحظى بها المملكة في تشجيع العديد من شركات ومؤسسات التكنولوجيا المالية في أن تسعى للاستفادة من البيئة الداعمة للقطاع في المملكة، تمهيداً لتعزيز أعمالها في المنطقة، حيث كان بنك «إس جي بي» الرقمي السنغافوري، والذي أنشأته مجموعة وامبوا، قد أعلن عن خططه لإنشاء ذراعه المصرفي في البحرين في وقت سابق من هذا العام لتقديم الخدمات التي تشمل المدفوعات والتسوية لشركات الأصول الرقمية.

كما أعلنت قبلها شركة «بينانس»، المزوّد العالمي الرائد لخدمات التداول عبر تقنية البلوك تشين عن إطلاق منصّتها binance.bh الجديدة والمرخّصة بالكامل في البحرين في أكتوبر 2022، والتي تُمكّن المستخدمين من الوصول إلى مجموعة «بينانس» المتكاملة من المنتجات والخدمات، مثل الإيداعات والسحوبات المباشرة بالعملات المحلية.

ومن بين أبرز المزايا التنافسية التي تتميز بها البيئة الداعمة للتكنولوجيا المالية في المملكة هو تمتعها بالكوادر والمواهب عالية التأهيل والقادرة على دعم نمو القطاع، وقدرتها على تلبية الطلب المتزايد على خدمات هذا القطاع المتنامي.

ومن هنا تأتي قصة النجاح التي مثلها مركز سيتي العالمي للتكنولوجيا، والذي يهدف إلى توظيف 1000 مبرمج بحريني خلال أول 10 سنوات من تشغيل المركز، ويقوم بتوظيف وصقل المزيد من المبرمجين الذين يلتقون بالعقول الرائدة لكبار المبرمجين الدوليين الذين يتعاونون لتقديم حلول لخدمة قاعدة عملاء سيتي العالمية.

كما قام صندوق العمل «تمكين» خلال العام الجاري بتدريب عدد من البحرينيين ضمن الشراكات التدريبية القائمة لتطوير الأفراد والتي تم خلالها توفير أكثر من 1500 فرصة تدريبية في مجال تقنية المعلومات والتي شملت هندسة البرمجيات، وعلم البيانات، وتطوير تطبيقات iOS والنمذجة ثلاثية الأبعاد، وتطوير الألعاب وغيرها، كما بلغت نسبة المخرجات الإيجابية لهذه البرامج 63%، والتي تشمل حصول الخريجين من هذه البرامج على وظائف في سوق العمل أو ساهم التدريب في تطورهم الوظيفي أو بدء مشاريعهم في ريادة الأعمال.