على الخط الفاصل بين الأزمنة تقف السعودية موشحة بماض مهيب وحاضر مزدهر ومستقبل واعد في توليفة تعزز مكانة مملكة بسجل حافل من الإنجازات.

مكانة تتعاظم بين الأمم تختزلها إنجازاتها في وقت تستعد فيه، الأربعاء، للاحتفال بيوم تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود قبل 3 قرون.



إنجازات ترسم آفاق مستقبل واعد في إطار رؤية 2030 تضع التاريخ والتراث والتأريخ للحضارة العظيمة للمملكة في صلب اهتماماتها.

وتحتفل السعودية بيوم التأسيس بعد صدور أمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن العزيز في 27 يناير/كانون الثاني 2022 بأن يكون يوم 22 فبراير/شباط من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية باسم "يوم التأسيس" وبات بذلك إجازة رسمية.

وجرى الاحتفال بهذا اليوم للمرة الأولى العام الماضي، فيما يعد احتفال هذا العام الثاني من نوعه.

ويوافق هذا اليوم ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى، مع تولي الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية (العاصمة الأولى للدولة وتبعد عن مركز الرياض العاصمة حاليا 20 كيلومترًا ) منتصف عام 1139هـ (1727م).

وأضحى هذا اليوم مناسبة وطنية للاحتفاء بذكرى تاريخ تأسيس الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون؛ حيث أسس كياناً سياسياً يحقق الوحدة والاستقرار والازدهار، بعد أن عانت الجزيرة العربية لعقود من ويلات الفرقة والنزاعات.

ويستهدف الاحتفال بهذا اليوم الهام إبراز العمق التاريخي والحضاري للمملكة، لتتعرف الأجيال الحالية على الجذور التاريخية لبلادهم، وربطهم معرفياً بالشخصية التي وضعت اللبنة الأولى لتأسيس تلك الدولة العريقة، وهو الإمام محمد بن سعود، بما يساهم في تعزيز قيم الانتماء والولاء والوفاء.

إنجازات واعدة

يأتي الاحتفال بيوم التأسيس في وقت تشهد فيه المملكة إنجازات واعدة بينها تطوير الدرعية عاصمة التأسيس، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

وقبل شهر، أعلن الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، عن ضم مشروع الدرعية كخامس المشاريع الكبرى المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة.

وبذلك، يصبح واحداً من المشاريع الفريدة من نوعها على مستوى العالم، بما يزخر به من مقومات ومعالم ثقافية وتراثية وسياحية.

ويأتي الإعلان امتداداً وتأكيداً على جهود ولي العهد السعودي المتعلقة بجميع العناصر الرئيسية المكونة للهوية الوطنية والثقافة السعودية، ومنها مشروع الدرعية، وما يشكله من قيمة تاريخية وثقافية وسياسية في تاريخ الدولة السعودية الممتد منذ 300 عام.

ويتماشى مشروع الدرعية مع استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة التي ينتهجها في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 وتنويع الاقتصاد المحلي، عبر الإسهام في تطوير وتمكين قطاعات حيوية كقطاعي السياحة والثقافة، الأمر الذي يعزز مكانة المملكة إقليمياً ودولياً كوجهة سياحية وثقافية رائدة.

وكما كانت الدرعية منطلقا لتأسيس الدولة السعودية الأولى، فإن تطويرها لتكون واحدة من أهم الوجهات السياحية والثقافية وأماكن الجذب في المنطقة والعالم، يعد أحد أهم مشروعات برامج رؤية 2030، التي تعد خارطة طريق لنهضة المملكة.

أيضا يأتي الاحتفال بيوم التأسيس بعد يومين من إعلان الأمير محمد بن سلمان عن تأسيس المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة الحدود الشمالية.

مولود جديد يستهدف رفع مستوى التنمية في مدن ومحافظات المنطقة، وتعزيز جودة الحياة لسكانها وزوارها، من خلال استثمار المقومات الاقتصادية والطبيعية والتاريخية للمنطقة، وموقعها الحدودي الاستراتيجي بوصفها إحدى بوابات المملكة الشمالية.

ويأتي تأسيس المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة الحدود الشمالية امتداداً للإعلان عن عدد من المكاتب الاستراتيجية وهيئات التطوير في عدة مناطق، بعد أن حققت هيئات التطوير والمكاتب المماثلة في مناطق المملكة نجاحًا كبيرًا في مهامها بإشراف مباشر من الأمير محمد بن سلمان.

ويعكس ذلك حرص الأمير محمد بن سلمان على أن تشمل التنمية المستدامة جميع المناطق والمدن وتحويلها إلى عناصر جذب رئيسة للاستثمارات الداخلية والخارجية والفعاليات السياحية العالمية والسياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، بما يعود بالنفع على المواطنين كافة، ويوجد اقتصاداً مزدهراً، ومجتمعاً حيوياً لوطن طموح، تحقيقاً لمستهدفات رؤية 2030.

وقبل أسبوع، أعلن الأمير محمد بن سلمان إطلاق شركة تطوير المربع الجديد، بهدف تطوير أكبر داون تاون حديث عالمياً في مدينة الرياض، مما يساهم في تطوير مستقبل العاصمة تماشياً مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.

ويأتي إطلاق شركة تطوير المربع الجديد تماشياً مع استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة الهادفة لإطلاق إمكانيات القطاعات الواعدة، وتمكين القطاع الخاص وزيادة حجم المحتوى المحلي، والإسهام في تطوير المشاريع العقارية ومشاريع البنية التحتية المحلية، وتنويع مصادر دخل الاقتصاد المحلي.

ومن الأرض إلى الفضاء، حيث أعلنت المملكة في 12 فبراير/ شباط الجاري عزمها إرسال أول رائدة ورائد فضاء سعوديين إلى محطة الفضاء الدولية خلال الربع الثاني من عام 2023.

مكانة تتعاظم

على الصعيد الإقليمي والدولي، يأتي الاحتفال بيوم التأسيس في عام تستضيف فيه المملكة القمة العربية القادمة، بعد أن استضافت على مدار عام 2022، قمما دولية هامة رسمت خارطة لمستقبل علاقات دول المنطقة بالدول الكبرى في العالم، خاصة أمريكا والصين وروسيا.

قمم أبرزت أيضا المكانة الإقليمية والدولية المرموقة للمملكة، والثقة العالمية بجهودها لدعم أمن واستقرار المنطقة والعالم.

فعلى مدار عام 2022، استضافت السعودية سلسلة من القمم والاجتماعات من بينها 3 قمم هي الأولى من نوعها.

واستضافت السعودية في 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي 3 قمم دولية، هي القمة الخليجية الاعتيادية الـ43، والقمة الخليجية الصينية الأولى "قمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية"، والقمة العربية الصينية الأولى "قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية"، بمشاركة الرئيس الصيني شي جين بينغ.

وجاءت تلك القمم بعد نحو 4 شهور من استضافة المملكة في 16 يوليو/تموز الماضي، قمة خليجية عربية أمريكية هي الأولى من نوعها، بمشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

وقبيل شهر من ذلك، استضافت المملكة الاجتماع الوزاري المشترك الخامس للحوار الاستراتيجي الخليجي الروسي مطلع يونيو/حزيران الماضي.

قمم خليجية عربية مع 3 من كبرى دول العالم استضافتها المملكة ضمن جهودها لإعادة رسم خارطة للعلاقات مع تلك الدول، بما يصب في صالح ازدهار وتطور ونهضة الدول الخليجية والعربية وإنشاء علاقات وازنة ومتوازنة مع تلك الدول.

هذا الهدف أعلنه بشكل واضح الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد السعودي قبل أيام في ختام "قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية"، التي ترأسها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بالقول: "نؤكد للعالم أجمع أن العرب سوف يسابقون على التقدم والنهضة مرة أخرى، وسوف نثبت ذلك كل يوم".

واختارت الدول العربية والخليجية شعار "التعاون والتنمية" عنوان المرحلة القادمة التي تحدد مسار علاقاتها مع الصين، وشعار "الأمن والتنمية" عنوان المرحلة القادمة التي تحدد مسار علاقاتها مع أمريكا، في رسالة هامة للعالم، مفادها أن تلك القمم تحمل أهدافا سامية تستهدف تحقيق الازدهار والتنمية والأمن والاستقرار لشعوبها بعيدة عن أي مناكفات أو صراعات أو حسابات سياسية ضيقة.

فعاليات إبداعية

على وقع الإنجازات على الصعيدين المحلي والدولي، يحيي السعوديون ذكرى تأسيس بلادهم بفعاليات واحتفاليات تتضمن قوالب إبداعية مبتكرة تؤكد أن تلك الانجازات التي ترسم آفاق مستقبل واعد للمملكة تنطلق من جذور تاريخية راسخة منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود.

وتسعى وزارة الثقافة السعودية عبر هذه الفعاليات إلى تقديم قصة يوم التأسيس في قالبٍ إبداعي تعيد من خلاله إحياء ذكرى تأسيس الإمام محمد بن سعود للدولة السعودية الأولى في عام 1727م، وصولاً للوحدة الوطنية التي أرساها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وإنجازات أبنائه الملوك من بعده، وصولاً إلى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود و ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، والتي أسهمت في تعزيز البناء والوحدة والتطور.

وأعدت الوزارة فعاليات رئيسية تتمثّل أولها في ملحمة "صهيل" المُقامة في حي الطريف التاريخي بالدرعية - المدرج ضمن مواقع التراث العالمي في منظمة اليونسكو -، وهي مسرحية غنائية تاريخية تستعرض قصة التأسيس ورجالاته، والتضحيات التي بذلوها من أجل رفعة الدولة السعودية وتطوّرها، مع تسليط الضوء على الإرث التاريخي والثقافي الذي تزخر به المملكة، وإبراز دور أطياف المجتمع السعودي في بناء تاريخ المملكة وحاضرها ومستقبلها.

وسيحتضن تقاطع طريق الأمير تركي بن عبد العزيز الأول مع طريق الملك سلمان بن عبد العزيز في الرياض، فعالية "مسيرة التأسيس" التي تشتمل على مجسمات فنية تُمثل القيم والعناصر الثقافية، ومسيرة للعروض الأدائية، ومسيرة كبيرة للخيل العربية، والتي تستعرض في مجموعها قصة التأسيس على مدى 3 قرون من العز والشموخ. وتتضمن هذه الفعالية ثلاث مناطق، أولها منطقة العروض، منطقة الطعام، ومنطقة مخصصة للحضور.

ومن قلب مركز الملك عبدالله المالي "كافد" بداية من 22 فبراير ولمدة 3 أيام، تنطلق فعالية "الليوان" في الوادي، والتي تهدف إلى تعزيز قيمة الترابط المجتمعي والتواصل، من خلال نشاطات تُعنى بكل أفراد المجتمع، وعرض الثقافة بأسلوب متجدّد، عبر عرض موحد يقام في الوقت ذاته في 13 مدينة تشمل عرعر، وسكاكا، وتبوك، وحائل، وبريدة، والدمام، والمدينة المنورة، والطائف، وجدة، والباحة، وأبها، وجازان، ونجران، وتعكس من خلاله كلّ مدينة قيمةً معيّنة، متبوعة بالأنشطة والفعاليات، لتأخذ الزائر في رحلةٍ مترابطة من فعالية إلى أخرى.

وفي مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، يُعقد "المجلس" الذي يقدم محاضرات ولقاءات حوارية وورش عمل تغطي تاريخ الدولة السعودية.

ويشمل المجلس "معرض يوم التأسيس" الذي يتكون من أربعة أقسام، وهي: فنان من بلدي، ألحان بلدي، فنون الخط مع أشهر الخطاطين السعوديين، وتاريخنا.. بعيوننا.

ومن بين أهم الفعاليات تأتي مسرحية "معلقاتنا امتداد أمجاد" التي ستعرض في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالرياض، وهي حدث غنائي مسرحي كبير يبرز ثقافة المملكة عبر ثلاثة قرون شعراً بإشراف صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر عبد الرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن سلطان بن عبد العزيز ، وبمشاركة شعراء وفنانين ومبدعين سعوديين في كافة التخصصات المسرحية والإبداعية.