مع استمرار الاحتجاجات في إيران للمطالبة بحقوق المرأة والحياة والحرية، عقب مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق بسبب لباسها، بات النظام الايراني عموماً وحكومة الرئيس ابراهيم رئيسي على وجه خاص، أمام معضلة حقيقية وتحديات كبيرة سياسية وأمنية واقتصادية تؤدي بها إلى منعطف مجهول، إذ لم يتضح بعد ما إن كان النظام سيتجاوب مع مطالب المحتجين ويقوم بإصلاحات أو يزيد من حالة الانغلاق والعزلة، لاسيما بعد أن تخطى عدد القتلى الـ133 شخصاً، بحسب منظمة حقوق الإنسان الإيرانية التي أدانت قتل متظاهرين في مدن مختلفة والمجزرة الأخيرة التي ارتكبها الحرس الثوري في زاهدان. ووثقت المنظمة بالاسم والصورة 92 قتيلاً في أنحاء البلاد، لافتة بشكل منفصل إلى 42 شخصاً وثقت مقتلهم «حملة النشطاء البلوش» الحقوقية. وبحسب إعلان المنظمة، فإن العدد الإجمالي للقتلى تخطى الـ133 شخصا.

توسُّع رقعة الاحتجاجات

وبالتزامن مع الجولة الجديدة من الاحتجاجات الشعبية، شهد اليوم العديد من مدن إيران المركزية والحيوية احتجاجات ومسيرات ضخمة وخرجت كبرى المحافظات في الاحتجاجات التي دخلت يومها السابع عشر، كمدينة طهران العاصمة واصفهان وتبريز ومدن اقليمي بلوشستان وكردستان. وردد المتظاهرون في اصفهان وطهران وبلوشستان شعار «الموت للديكتاتور» و«لا نريد الجمهورية الاسلامية».



وانضمت نقابات سائقي الشاحنات إلى الاحتجاجات، وشارك السائقون في احتجاجات اصفهان الكبرى منذ اسبوعين.

ولليوم الثاني على التوالي شاركت معظم الجامعات في الاحتجاجات، من بينها جامعة فردوسي في مشهد وجامعة طهران وتربية مدرس وجامعة تبريز وجامعة كرج وعشرات الجامعات الأخرى.

البازار يتحرَّك وانهيار العملة

تجاوز سعر الدولار الأميركي في أسواق إيران 32.6 ألف تومان مسجلاً رقماً قياسياً جديداً في انهيار العملة الإيرانية، ما دفع تجار البازار إلى التذمر من تدهور الأوضاع الاقتصادية. ووفقًا لمقاطع فيديو، بدأ تجار وأصحاب شركات في شارع لاله زار في طهران وسوق علاء الدين أكبر سوق للهواتف المحمولة مسيرة احتجاجية مرددين هتافات قاسية ضد النظام.

وبسبب تداعيات الاحتجاجات المستمرة، شهدت البورصة الإيرانية انهياراً كبيراً، بالإضافة إلى انخفاض أسعار العقارات في طهران، لا سيما المناطق الفاخرة، حيث يمتلك المسؤولون الإيرانيون شققًا وفيلات فيها، مثل تاجريش وطهران بارس.

وفي هذا السياق، يرى معهد واشنطن أن الجمع بين الاحتجاجات والقمع في ظل عملية خلافة فوضوية في منصب المرشد الأعلى قد تؤدي معاً إلى إثارة تهديد وجودي للنظام بأكمله، واستهداف المشاهير وغياب مواقف رجال الدين يكشفان نقاط ضعف.

النظام يبحث سبل الاحتواء

وفي محاولة لنزع فتيل الاحتجاجات وبحث سبل احتوائها، اجتمع البرلمان الإيراني في جلسة مغلقة للاستماع إلى تقرير وزير الداخلية حول وفاة الفتاة مهسا أميني، وأيضاً للاستماع إلى شرح حول التطورات الميدانية وكيفية تعامل قوات الأمن معها.

وبدأ النواب الجلسة بالهتاف بشعارات «الموت لأميركا» و «الموت للمنافق» و «الموت للمفتن»، مرددين عبارات مثل «الدم في عروقنا هدية لقائدنا»، «نحن جاهزون ومستعدون» و«شكراً للشرطة وحماة الأمن».

وفي الجلسة قدم وزير الداخلية أحمد وحيدي، وقائد الشرطة حسين أشتري، تقريرا عن الأحداث، لاسيما ما جرى في زاهدان بإقليم بلوشستان. بالاضافة إلى تقرير عن وفاة مهسا أميني، وبحسب ما نقلت وكالة إرنا الرسمية عن بعض النواب فإن تقرير الطبيب الشرعي نفى تمامًا الاعتداء عليها وتهشيم رأسها، وإن تحقيق الطب الشرعي ما زال مستمرا ولم يتم عرض النتيجة النهائية التي يتوقع ظهورها خلال 10 أيام.

وقال نائب إنه بحسب تقرير وزير الداخلية وقائد الشرطة، فإن الاحتجاجات الأخيرة كانت مخططة بالكامل، ووفاة مهسا أميني كانت الذريعة، وأن بعض الشباب دخلوا في الاحتجاجات تحت تأثير إنستغرام والفضاء الإلكتروني.

وقال تقرير الشرطة انه «تمت السيطرة على الاحتجاجات وأن التجمعات المتفرقة لا تصل إلى حد إحداث الفوضى في البلاد مرة أخرى لأن من يقوم بها هم أقليات غير مهمين»، بحسب وكالة إرنا.

دعم الأمن ومحاكمة المشاهير

وأيد 233 نائباً في بيان تحركات قوات الأمن خلال الاحتجاجات، ودعوا إلى فصل المتظاهرين عن المشاغبين، مؤكدين ضرورة إجراء تحقيق مفصل وخبير في أسباب ونتائج هذه الاحداث وتشخيص المشكلات وتقديم الإستراتيجيات لعدم تكرارها، منددين بما أسموه الاعام المناهض للثورة الإسلامية الذي استخدم كل قوته الداخلية والخارجية لتشويه سمعة قوات الأمن والشرطة.

بدوره، طالب رئيس اللجنة القضائية في البرلمان موسى غضنفر أبادي بمحاكمة المشاهير «الذين سكبوا الماء في طاحونة العدو» خلال الاحتجاجات. في حين اكد القائد العام للحرس الثوري ان الأعداء يسعون إلى خداع الشباب الإيرني لجرهم إلى الشارع، مؤكدا ان على الشعب الإيراني أن يدقق في أهداف الحرب النفسية التي يشنها الأعداء.

كما تطرق رئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي لحادث مقتل مهسا اميني، مندداً بالمواقف المزدوجة التي اتخذتها الدول الغربية الى جانب الزوبعة الاعلامية التي اثارتها لاستغلال هذا الحادث، في سياق ما وصفه بمؤامراتها العدائية.

قاليباف والإصلاح

في المقابل، دعا رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف إلى تعديل هياكل وطريقة تنفيذ دوريات شرطة الأخلاق، بحيث لا تتكرر حوادث مثل مقتل مهسا أميني، معلناً انه سيتابع الموضوع ضمن سلطته. لافتاً إلى انه تجب معرفة لماذا وكيف توفيت مهسا؟ وإعلان النتيجة رسميًا بجدية ومعالجة أي خطأ محتمل بما يتناسب مع الخطأ ودون أي تسامح.

وأضاف: «كثير من المحتجين في البداية لم يكن لديهم هدف تخريبي، يجب التنبه إلى أن أي عمل بأي طريقة وبأي دافع يدفع الناس لمواجهة بعضهم بعضا هو إضعاف للتماسك الاجتماعي ويجب تجنبه»، مشيرا إلى أن وجود احتجاجات للإصلاح يعد من إنجازات الثورة الإسلامية. وأضاف: «في الآونة الأخيرة أدت بعض الاحتجاجات بحق إلى تعديل قرارات، وكانت احتجاجات إصلاحية»

هؤلاء معتقلو مهسا أميني

كشفت مجموعة القراصنة «بكدور» معلومات حول هوية عناصر دورية الأخلاق الإيرانية المتورطين في اعتقال الشابة مهسا أميني، ونشرت صورهم.

وبحسب التقرير، فإن النقيب عناية الله رفيعي (52 عاماً) كان قائد فريق الشرطة الذي اعتقل أميني، والرقيب الأول علي خوشنام وند (27 عاما) نقلها إلى عربة الدورية، في حين أوقفتها الشرطية برستو صفري بمشاركة زميلتها فاطمة قربان حسيني.

أيضاً أفادت المجموعة أن رأس مهسا أميني قد ارتطم بالرصيف أثناء محاولة اعتقالها وهذه الضربة أدت إلى وفاتها في حجز شرطة الأخلاق بشارع وزراء.

وكان محمد باقر بختيار، أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني قد أعلن في وقت سابق أنه وفقا لمعلومات وردت من نتائج فحوص الطب الشرعي، دخلت أميني في غيبوبة وتوفيت بسبب ضربات على الجمجمة.