سي أن أن

تمتلئ تايلاند بالثعابين، حيث تقع فيها على أكثر من 200 نوع منها، ضمنًا أفعى الكوبرا. وقد يثير هذا الواقع قلق بعض الأشخاص، لكنه مثالي بالنسبة لبرانغمارت تشاروينواي، حين كان طفلًا يعيش في جنوب تايلاند.

وكان تشاروينواي مفتونًا بالزواحف. وأمسك ذات مرة بثعبان شعاع الشمس غير السام، وتركه في حال سبيله بعد أيام، عندما لم يتمكن من إطعامه كما يفترض. وقال لـCNN إنه شاهد مقاطع فيديو على الإنترنت تعلّم تقنيات الإمساك بالأفاعي.



وكان تشاروينواي يبلغ من العمر 15 أو 16 عامًا، حين صادف أفعى كوبرا لأول مرة في حياته، ووصفها بأنها "كانت كبيرة جدا". ثم أردف: "رأيت لاحقًا ذلك الثعبان يمدّ عضلات رقبته. وقفت أراقب سلوكه. هددني، لكنني شعرت أنه لم يكن مخيفًا.. اعتقدت أنه كان جميلًا".

تزايد افتتان تشاروينواي بهذا النوع من الأفاعي وثقته بقدرته على التعامل معها، لكن ذلك لم يدم طويلًا.

وفي أبريل/ نيسان 2021، توجه تشاروينواي في مهمة إلى مقاطعة ترانغ في جنوب تايلاند، مع مجموعة الإنقاذ الخاصة به المؤلفة من 15 شخصًا، لتنفيذ مهمة الاستجابة الروتينية للطوارئ، ضمنًا الإمساك بالثعابين.

وقال سكان المنطقة إنهم يشعرون بالقلق بشأن بعض الثعابين من نوع كوبرا الملك. لكن تشاروينواي وفريقه لم يعثروا على أي من تلك الثعابين في اليوم الأول. وتغيرّ الأمر في اليوم التالي بعد استخدام فرشاة سميكة لإزالة العشب.

ويتذكر تشاروينواي قائلًا: "رأيت حفرة داخل صخرة كبيرة فيها ذيل ثعبان، بدا متجهًا إلى داخلها". وتابع: "ركضت مسرعًا مستخدمًا خطافًا لمحاولة إخراجه". لكن الثعبان أفلت منه.

وأوضح أنه "بسبب إهمالي، لأنني كنت أعمل في هذه المنطقة لفترة طويلة، قرّرت استخدام يدي العارية لالتقاط ذيل الكوبرا". لكنّ عواقب سوء التقدير هذا لم تكن سارة.

وقال لـCNN إنّ "الحفرة لم تكن عميقة. واستدار الثعبان أسرع ممّا كنت أتصور". ثم عض إبهامه الأيسر، فيده اليمنى. وبدأت رحلة معاناته التي امتدت لخمسة عشر يومًا داخل مستشفى.

عالم ثعابين الكوبرا

وتتمتع ثعابين الكوبرا بمروحة كبيرة من الأنواع الموجودة في غالبية أنحاء إفريقيا وصولًا إلى الشرق الأوسط، ثم الهند وجنوب آسيا، وصولًا إلى جنوب شرق آسيا، وإندونيسيا. وهذا الانتشار الواسع يضعها باتصال محتمل مع مليارات الأشخاص.

وتنتمي إلى عائلة الثعابين العاجلة، التي تضم قرابة 300 نوع سام، منها الثعابين المرجانية، وثعابين البحر، والمامبا، والكريتس.

وبحسب ما ذكره الخبير روم ويتاكر، الذي ساعد بإنشاء صندوق Madras Crocodile Bank Trust في الهند، فإن هناك حوالي 30 نوعًا من ثعابين الكوبرا.

وفي المجمل، ينتج ثعبان الكوبرا سمًا عصبيًا يتداخل مع النبضات العصبية، وقد يسبّب شلل القلب والرئتين. وهذا السم يختلف عن سمّ العديد من الأفاعي الأخرى، مثل الأفاعي الجرسية التي يهاجم سمّها هيموتوكسين، والأوعية الدموية ويسبب النزيف وتلف الأنسجة.

لكن نيك برانديهوف، الذي يمارس طب الطوارئ وعلم السموم الطبية في كولورادو وكاليفورنيا، قال إنه وخبراء آخرون يرون أن سم الأفعى أكثر تعقيدًا من هذه المعلومات البسيطة. وتتميز بعض الثعابين العاجلة بخاصية تسميم الدم، وأخرى تتمتع بخاصية التسمّم العصبي. وقد يختلف الأمر من ثعبان لآخر.

وفي الحالتين، تُعتبر لدغات الأفاعي السامة مشكلة خطيرة في العديد من المناطق الاستوائية. ويلقى خمسة أشخاص كمعدل وسطي ​​سنويًا حتفهم بسبب لدغات الأفاعي السامة في الولايات المتحدة، وفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها.

لكن، تقدّر منظمة الصحة العالمية أنه بين 81 ألف و138 ألف شخص يموتون سنويًا في العالم بسبب لدغات الأفاعي، بينما يعيش حوالي ثلاثة أضعاف هذا العدد، لكنهم يعانون من إعاقات دائمة.

عدوانية أم دفاعية؟

ورغم ارتفاع عدد الوفيات الناتجة عن سموم اللدغات، فهذا لا يفترض تلقائيًا أنّ أفعى الكوبرا عدوانية.

وقال ويتاكر: "أفعى الكوبرا من الثعابين الخجولة، ورغم أنها تستشرس عندما تُحشر وتنزعج، وتشعر بالخطر، فتفتح عضلات رقبتها، وتصدر صوت صفير عالٍ، فإن ذلك يدل على خوفها الكبير، وليس على عدوانيتها". مشيرًا إلى أنّ "الثعبان يريد فقط أن يُترك وشأنه".

وأضاف برانديهوف، الذي يساعد بإدارة مؤسسة Asclepius Snakebite، أن "أفعى الكوبرا مثل غالبية الثعابين لا تريد الاتصال البشري".

وذكرت كيم غراي، أمينة علم الزواحف وعلم الأسماك في San Diego Zoo Wildlife Alliance سببًا آخر لعدم رغبة أفعى الكوبرا بعضّ الناس، ذلك أنّ "السم يتمتع بقيمة للثعبان ويستخدم لشل حركة الفريسة وبدء عملية الهضم التي يحتاجها لأنه يأكل مواد غذائية كاملة ولا يتمتّع بأطراف تساعده في هذه العملية".

وتابعت: "لذلك فهو لا يرغب بتضييع سمّه عن طريق عض وتسميم كل البشر الذين قد يصادفهم".

وقالت إن العض هو السلاح الأخير الذي يلجأ إليه الثعبان، في حال لم تنجح علامات التحذير المعتادة لحث البشر على التراجع.

هل السياح في خطر؟

وأوضح برانديهوف أن العمال المزارعين في الحقول وسواهم من السكان المحليين، هم الضحية الاكبر للدغات أفعى الكوبرا، وهم في الغالب من ذوي الدخل المنخفض، ويعيشون في مساكن يسهل الدخول إليها، وينامون على الأرض.

وأضاف ويتاكر: "رغم أن الناس لديهم فكرة أن الغابة مليئة بالثعابين، فإن هذا الاعتقاد غير صحيح"، لافتًا إلى أن"أفعى الكوبرا أكثر شيوعًا في المناطق الزراعية بفضل تكاثر فرائسها المفضلة من الجرذان والفئران".

وقالت غراي إن الأشخاص الذين يقيمون في فنادق مزودة بمرافق كاملة داخل مدينة، ليس ثمة ما يدعوهم للقلق.

واقترحت أنه في حال وجدت نفسك تنام في مكان أكثر عرضة لجذب أفاعي الكوبرا، فعليك القيام بما يلي:

• حافظ على المخلفات بعيدًا عن مكان نومك

• تخلص من الأطعمة والحبوب التي قد تجذب الفئران

• حاول رفع الأثاث عن الأرض والنوم على سرير مرتفع.

وقال ويتاكر إنه من الضروري تسليط ضوء مصباح يدوي عند المشي ليلاً، وعدم وضع يديك في أماكن ضيقة.

ويجمع الخبراء على ضرورة ترك الثعبان وشأنه.

وأوصت غراي بضرورة "التحرك بشكل متعمّد وهادئ بعيدًا عن الثعبان، مع مراقبة موقعه إن أمكن"، مضيفة: "انتقل إلى منطقة مفتوحة خالية من النتوءات الصخرية والعشب إذا أمكن".

وقال ويتاكر إن اللدغات "لا تحدث عادة من خلال مدّ الكوبرا لعضلات رقبتها، لكن.. عندما يتم الضغط على الأفعى من خلال الدوس عليها أو الإمساك بها عن طريق الخطأ".

وقالت غراي: "ابتعد بسرعة عنها"، ذلك أنّ "ردة الفعل البشرية بطيئة جدًا قياسًا بانقضاضها، لذلك قد لا يكون بمستطاعك فعل الكثير، لكن عادةً ما يكون مسار لدغة الكوبرا إلى الأمام والأسفل، ولا يمكنه تغيير الاتجاه في منتصف فترة الانقضاض، لذلك ربما قد يكون التحرك الجانبي السريع بعيدًا عن الثعبان مفيد".

وأوضح ويتاكر أن "غالبية لدغات الأفاعي، حتى لدغات أفعى الكوبرا، ليست قاتلة، لكن يجب التعامل مع أي منها على أنها حالة طبية طارئة".

وتابع: "أهم شيء يجب فعله هو التوجه إلى المستشفى من دون تأخير، وعدم استخدام أي علاج محلي أو منزلي لأنه لا يوجد سوى علاج واحد للدغة الأفاعي، أي مضاد السم".

وقالت غراي إن عليك محاولة الحفاظ على هدوئك و"تثبيت الطرف الذي تعرّض للعض، والوصول إلى أقرب مستشفى من دون تأخير، وتحديد مكان العضة، وتوقيت اللدغة".

واحصل أيضًا على وصف أو صورة للثعبان إذا كان من الممكن التقاطها بأمان، مشيرة إلى أن هذا يمكن أن يساعد الأطباء في العلاج.

ونبه ويتاكر من ربط عاصبة أو اللجوء إلى طريقة "القطع والشفط" القديمة، منبهًا أيضَا إلى ضرورة إزالة الخواتم والمجوهرات الأخرى.

وقال برانديهوف: "كلما عجلّت بتلقي مضادًا للسم في أسرع وقت، كانت فرصك لعدم الإصابة بإعاقة طويلة الأمد أو احتمالية الوفاة أفضل"، مضيفًا أن إطلاق الكوبرا سمّها قد يتسبب بـ"شلل العين السام"، أي حرق العينين. وقد يحدث ضررًا دائم ولكن نادر.

وقال إن العلاج الرئيسي يكون بغسل العينين "بغزارة".