يبدو أن يناير 2023 هو موسم الاستطلاعات الفنية، فبعد استطلاع مجلة Sight and Sound حول أفضل 10 أفلام في تاريخ السينما، واستطلاع مجلة Rolling Stone حول أفضل 200 مغن خلال القرن الماضي، ها هي مجلة Empire البريطانية، إحدى أشهر المطبوعات السينمائية، تنشر في عددها الأحدث لشهر فبراير القادم، وعلى موقعها على الإنترنت، استطلاعاً عن "أعظم 50 ممثلاً سينمائياً" في التاريخ.

ويختلف استطلاع Empire عن استطلاع Sight and Sound، في أن الأول جرى بين قراء المجلة (أي الجمهور العادي)، وليس المتخصصين من السينمائيين والنقاد مثل الثاني.

أسماء معتادة



معظم الأسماء التي جاءت في قائمة الـ50 الأعظم يمكن توقعها بسهولة، وطالما تكررت في معظم استطلاعات الرأي.

ورغم أن المجلة -حسب ما ذكره المحرر في مقدمته للاستطلاع- قامت بإحصاء الأصوات التي نالها كل ممثل، لكنها فضلت أن تنشر أسماء الفائزين دون ترتيب للمراكز، لسبب لم تعلنه.

صحيح أن ترتيب الأسماء وفقاً للمراكز من شأنه أن يجعل الاستطلاع أكثر تشويقاً، لكنه كان سيجعله أكثر جدلاً وإثارة للخلاف أيضاً، كما حدث حول الاستطلاعين سابقي الذكر.

المجلة اكتفت بوضع الأسماء عشوائياً، ولكنها وضعت بعض الأسماء داخل أطر مميزة، ليس لأنهم الأكثر حصولاً على الأصوات، ولكن لأسباب تحريرية.

فمثلاً استطاعت المجلة أن تلتقي النجم نيكولاس كيدج وأجرت معه حواراً مطولاً، والحوار يفتتح ملف الاستطلاع كما أن صورة كيدج تحتل غلاف المجلة.

كذلك يحتوي الملف على حوار مع تيلدا سوينتون على عدة صفحات، أيضاً حصلت المجلة على مقالات أو حوارات قصيرة مع عدد من المخرجين الكبار، يدلون فيها برأيهم حول بعض الممثلين الفائزين في الاستطلاع، وتم وضع آرائهم بشكل بارز داخل الصفحات.

فمثلاً تحدث تيم بيرتون عن جاك نيكلسون، وباز لورمان عن نيكول كيدمان، وريدلي سكوت عن واكين فينكس، وأنج لي عن هيث ليدجر، وجينا برنس- بيثهيوود عن فيولا ديفيز، وكتب جيمس مانجولد عن باستر كيتون.

ومن أطرف حكايات المخرجين عن الممثلين، ما قاله المخرج الشهير بأعماله الخارجة عن المألوف تيم بيرتون عن الممثل الخارج عن المألوف جاك نيكلسون.

حكى بيرتون عن تجربته مع نيكلسون في فيلم "Batman"، وكيف كان الاثنان غير قادرين على التواصل باللغة، حيث يعاني بيرتون من قلة القدرة على التواصل، بينما يميل نيكلسون للجمل التجريدية غير المفهومة، ومع ذلك، كما يقول بيرتون، كنا في قمة التفاهم على طريقة لغة العصر الحجري!

وعن أسلوب نيكلسون كممثل قال بيرتون: "هناك سر في جاك نيكلسون. إنه الممثل الأول، ولكنه لا يبدو كممثل أول، هو أقرب للرجل العادي، ولكنه ليس عادياً، إنه فوضوي، ولكن الناس يستجيبون له".

الرجال والمسنون أغلبية

من بين الـ50 الأعظم هناك 30 رجلاً و20 امرأة، معظم القائمة تتكون من ممثلين أحياء كبار سناً، والقليل من القدامى والشباب، وهي بالتأكيد تعكس مجمل أذواق المشاركين في الاستطلاع، أي جمهور اليوم وخاصة الشباب.

من الأجيال القديمة هناك بيتي ديفيز، جريتا جاربو، جيمس ستيوارت، إنجريد بيرجمان، وهمفري بوجارت والأخيران هما بطلا فيلم "Casablanca" الذي يلاقي قبولاً كبيراً لدى الأجيال الصغيرة.

ومن الطريف أن القائمة ضمت اسم أيقونة الجمال مارلين مونرو، وخلت من أسماء معاصرات لها مثل أودري هيبورن، ولوريل باكال، وإليزابيث تيلور، لكن الأغرب من ذلك هو احتواء القائمة على اسم الكوميديان الصامت باستر كيتون، وخلوها من اسم تشارلي شابلن أو جيري لويس.

من الجيل التالي سناً نجد مارلون براندو، بول نيومان، لورانس أوليفييه، أليك جينيس ومايكل كين، والأربعة الأخيرون بريطانيون، وبشكل عام يوجد الكثير من الإنجليز في القائمة، بما أن مجلة Empire إنجليزية ومعظم المشاركين في الاستطلاع بريطانيون.

بل إن القائمة تضم اسماً نشاذاً فيها وهو النجم توم هاردي، بطل سلسلة أفلام "Venom"، والذي رغم مهارته وجاذبيته لا يرقى بالطبع إلى أسماء بقية القائمة من الأساطير أصحاب الأفلام والأدوار التي لا تنسى.

من الجيل الأصغر هناك: جاك نيكلسون، أنتوني هوبكنز، ميريل ستريب، جين هاكمان، روبرت دي نيرو، آل باتشينو، جاري أولدمان، دانيل داي لويس، مورجان فريمان، وتوم هانكس، ودينزل واشنطن.

وبالمناسبة لا تضم القائمة عدداً كبيراً من الأميركيين الأفارقة (مثل استطلاع Rolling Stone مثلاً حيث نال الأميركيون الأفارقة معظم المراكز المتقدمة، ربما لأن الجمهور الإنجليزي العادي ليس مشغولاً كثيراً بقضية الصوابية السياسية مثل النخبة).

لكن القائمة ضمت بالطبع أسماء عظيمة على رأسهم سيدني بواتييه، صمويل جاكسون، ومن الجيل الحالي فيولا ديفيز، وبالتأكيد دينزل واشنطن، الذي اهتمت المجلة بوضعه كأول اسم على صفحاتها وموقعها.

وكتبت عنه كريستينا نيولاند مقالاً بعنوان "الزعيم" حددت فيه أربعة عناصر لتميزه: أولها السلطة، فهو "من أفضل من يلعب أدوار الملوك والحكام والزعماء، كما يظهر في فيلم "Malcolm X"، أو "Macbeth"، وثانيها الضعف، "إذ يمكنه أيضاً التعبير عن حالات الرومانسية كما في "Mississippi Masala"، أو الهوان كما في "Glory".

أما ثالث عناصر تميز واشنطن -بحسب نيولاند- فهي حس الفكاهة، "إذ يملك ابتسامة جذابة وكوميديا لا يستخدمهما كثيراً، ولكنه حين يفعل ذلك، ينتقلان للمشاهد فوراً"، ورابعاً التعقيد أو القدرة على لعب الشخصيات المركبة والشريرة كما في "Training Day" أو "American Gangster".

مشهد واحد بالعمر!

أطرف مقال عن ممثل هو ما كتبته باميلا هاتشنسون عن سيدني بواتييه، أول بطل ونجم من ذوي الأصول الإفريقية في هوليوود، إذ اكتفت بالحديث عن مشهد واحد من فيلم "In the Heat of the Night"، إخراج نورمان جونسون، 1964، إذ يلعب بواتييه دور محقق شرطة في ولاية جنوبية تسودها العنصرية، وعندما يواجه مشتبهاً فيه أبيض ثرياً بأسئلته يصفه الأخير بالزنجي ويصفعه، فيرد له بواتييه الصفعة بقوة وهدوء.

وتشير الكاتبة إلى أن بواتييه أصر على القيام برد الصفعة رغم أنها لم تكن موجودة في السيناريو، لأنه رأى أنها رد الفعل الطبيعي للشخصية، وتشير الكاتبة إلى الفترة التاريخية السياسية لظهور الفيلم في ذروة الصراع على الحقوق المدنية للأميركيين الأفارقة، ولكن فاتها أن تذكر أن هذه هي أول صفعة من ممثل من ذوي الأصول الإفريقية على وجه رجل أبيض في تاريخ هوليوود.

مقال مشابه عن الصينية ميشيل يوه كتبه كامبول كامبل، حول مشهد قتال مميز قامت به في فيلم "Crouching Tiger, Hidden Dragon"، تمزج فيه بين دفاعها عن حياتها، ورغبتها في التحرر وحبها الصامت لزميلها، مشاعر متضاربة ومعقدة تستطيع أن تنقلها من خلال عيونها ولغة جسدها.

قائمة شبابية إنجليزية

من الجيل المعاصر تضم القائمة أسماء: فرانسيس ماكدورمان، كيت بلانشيت، كيت وينسلت، توم كروز، ليوناردو دي كابريو، وكريستيان بيل، وأوليفيا كولمان، وجوليان مور، وفيليب سايمور هوفمان، وناتالي بورتمان، وتشارليز ثيرون، وفيولا ديفيز، وفلورانس بيو، وميشيل ويليامز، والثلاث الأخيرات هن أصغر الأسماء سناً في القائمة.

وكالعادة معظم القائمة أميركية وإنجليزية، ولا يوجد ذكر لأسماء أساطين السينما الأوروبية غير الناطقة بالإنجليزية، وربما كنوع من ذر الرماد في العيون، أو لجعلها قائمة "عالمية" هناك توشيرو ميفوني من اليابان (بطل أفلام كوروساوا)، وشاه روح خان من الهند، وبينلوبي كروز من إسبانيا، وما عدا ذلك لا يوجد ممثلون آخرون من غير الأميركيين والإنجليز.

ومرة أخيرة: هذا استطلاع للقراء الإنجليز والناطقين بالإنجليزية، وهذه اختياراتهم حسب ثقافتهم وأذواقهم. ومن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف عليها، وقوائم أخرى تعكس ثقافات وأذواق أخرى.

* ناقد فني