إرم نيوز

حاز فيلم الخيال العلمي والأكشن "Everything Everywhere All at Once" (كل شيء في كل مكان دفعة واحدة) على جوائز متعددة، خلال حفل جائزة مهرجان الأوسكار للعالم 2023.

وأتى التتويج بأفضل سيناريو أصلي، وأفضل إخراج، وأفضل ممثل في دور البطولة، ودور البطولة الثانوي، وأفضل مونتاج، ليؤكد الطريقة النوعية للإخراج، والجهد التمثيلي، والأفكار، التي حملها هذا الفليم.

ويقدم المخرج الأمريكي دانيال كيوان خليطًا فانتازيًّا، حول مصير الإنسان في عالم واسع، من خلال تجسيد فكرة تعدد الأكوان في اللحظة ذاتها.

ومن خلال مشاهد غريبة الأفكار تعبر عن عبور الإنسان لعمق التكنلوجيا وتظهر أثرها على حياته وسلوكه ومشاعره، تنطلق الأحداث الدرامية للفيلم نحو اكتشاف المزيد من الغرابة تجاه الكون، والشك في القناعات السائدة، وتجريب منطقة أكثر تشويقًا من الخيال الإنساني.

ويأتي تسلسل الأحداث، خلال الفيلم، مثل عربات متشابكة، أو متقاطعة في قطار سريع، إذ يعبر الجمهور فكرة الأكوان المتعددة، ففي كل لحظة هنالك آلاف النسخ من جسدك وهويتك، تدور في لحظات أخرى، تتعارك، تمنح السلام، تقتل، تحب، تلعب كرة القدم، تموت، لنا أن نتخيل ما شئنا في هذا الفضاء العشوائي من الأفكار.



بينما تحاول العائلة تسوية الأمور المهنية مع مصلحة الضرائب، كان على إفلين خوض تجربة فارقة في حياتها، من خلال تعليمات من نسخة جديدة من زوجها دايموند.

بداية رتيبة

إن مشاهد البداية، لربما أسوأ ما في الفيلم، فتمضي الكاميرا متنقلة بين يوميات العائلة، بتلك الرتابة ذاتها التي تلوح في الواقع الإنساني.

إذ إن عائلة دايموند وإفلين، تغرق في تفاصيل عملها اليومي، بامتلاكهما مغسلة ثياب، لكن تفاصيل المشهد والمقدّمة تطول لدقائق طويلة، ولا تتناسب بالمطلق مع وتيرة الحركة التي امتلكها العرض فيما بعد، فكانت مقدّمة طويلة قبل الإقلاع للحيلة الدرامية للفيلم.

وبينما تحاول العائلة تسوية الأمور المهنية مع مصلحة الضرائب، كان على إفلين خوض تجربة فارقة في حياتها، من خلال تعليمات من نسخة جديدة من زوجها دايموند.

ففي لحظة اتصلت إفلين "ميشيل يوه" بشبكة الأكوان المتعددة، بعد تلقيها تعليمات من زوجها دايموند "جونثان كي كوان" القادم من كون ألفا، ومنذ تلك اللحظة، تم تعد إفلين إنسانة عادية، بل كائن موزع بين آلاف الشبكات في الأكوان الأخرى، باللحظة ذاتها، وتبدأ مغامرتها الجديدة مع الحياة، التي تمكنها فيما بعد، من العيش في خيالها أكثر مما تعيش في الواقع.



سيناريو الفيلم أراد أن يخبرنا بأن هنالك أكوانًا متعددة ستعيش بها هذه الشخصية، وعليكم ترقّب المزيد.

تجريد

تقوم الحيلة الدرامية الإخراجية بتجريد الفكرة الفانتازية التي اعتمدها الإخراج، حول الأكوان المتعددة، وتضعها كمقدمة لأحداث تأتي فيما بعد.

وتلتقط الكاميرا، صورة لوجه إفلين، ومن بعدها تدخل الصورة للمعالجة والتعديل عبر برامج التصميم الجرافيكي، لتخرج صورة لعنق إنسان، يحمل أجزاءً متشعبة لوجه إفلين، وكأنما انقلب وجهها لزهرة من الطين.

وأراد السيناريو أن يخبرنا بأن هنالك أكوانًا متعددة ستعيش بها هذه الشخصية، وعليكم ترقّب المزيد.



إن العالم يواجه خطرًا كبيرًا، قد يؤثر على المشاعر والأخلاق، بسبب خطأ ما في تركيبة الأكوان المتعددة، وأن عليها المشاركة في منع هذا الخطر.

دايموند ألفا

فقاعة تطفو في رغوة الأكوان المتعددة

ومع ازدياد انتشار الغموض حول مآل شخصية إفلين، يخبرها دايموند ألفا: "هذا كونك، فقاعة تطفو في رغوة الأكوان الأخرى، الأكوان المتعددة".

ويكون على إفلين مواجهة مصيرها الحتمي، بعدما اتصلت بالشبكة الذكية للأكوان المتعددة، بالفعل، ويكون عليها الصمود أمام دهشتها، ورهبتها من السياق الجديد الذي انتظمت فيه فكرة وجودها، وانطلقت لتواجه تحديات أكبر.

يخبرها دايموند ألفا، بهدف المزيد من الفهم: "إن العالم يواجه خطرًا كبيرًا، قد يؤثر على المشاعر والأخلاق، بسبب خطأ ما في تركيبة الأكوان المتعددة، وأن عليها المشاركة في منع هذا الخطر، فقد انطلقت شخصية "جوبو توباكو" لإحداث الشر في العالم".



المشاعر الأمومية في الزمن الواقعي، الذي تعيشه الأم، وبين الأفكار الكونية الأكثر شمولاً، يجعل من قصة الفيلم أكثر تأججًا.

صدمة

وبينما تدور إفلين بين شخصياتها المختلفة بين الأكوان المتعددة، تكون أمام صدمة جديدة، ألا وهي أن شخصية توباكو، هي شخصية ابنتها "جوي" في زمن الواقع، ويصبح عليها مواجهة ابنتها ذات الأزمان المختلفة، ومنع خطر وجودها في زمنها الحقيقي، حتى لا تتحول بفعل الزمن مثلها، خطيرة على من حولها.

هذا الصراع بين المشاعر الأمومية في الزمن الواقعي، الذي تعيشه الأم، وبين الأفكار الكونية الأكثر شمولاً، يجعل من قصة الفيلم أكثر تأججًا، ويبدو أن الدخول في موقعة بين المشاعر والعقل، مصير حتمي على الأم والابنة مواجهته، فيكون على الأم الاختيار ما بين عيش العالم بسلام، وعيش ابنتها في هذا الزمن الحقيقي.



فوضى المشاهد والأفكار كانت ثيمة متبعة خلال تسلسلية الأحداث، وبدا العمل على اللامتوقع طريقة لتنسيق مشاهد الفيلم.

دادائية

ويبدو الفيلم ذو الأفكار المتداخلة، المتقاطعة، كأنه لوحة فنية تتبع للمدرسة الدادئية، التي ظهرت خلال الحرب العالمية الأولى، 1916، فكانت فوضى المشاهد والأفكار، ثيمة متبعة خلال تسلسلية الأحداث، وبدا العمل على اللامتوقع طريقة لتنسيق مشاهد الفيلم.

ففي أحد المشاهد انتقل الفيلم إلى زمن عاشت فيه إفلين بين عالم تبدلت أصابع أيديهم، بأصابع النقانق اللحمية، وجسدت الأحداث في مشهد آخر، انتقالها للعيش في زمن بدائي للعالم، زمن الغابة والشمبانزي. ميشيل يوه

الممثلة ميشيل يوه


الممثلة ميشيل يوه

الأداء التمثيلي

تمكن الممثلون من تقديم مشاهد صعبة ومتعددة، لوضع الفكرة التي يقوم عليها السيناريو في سياقها الصحيح، فكان على الرائعة ميشيل يوه، أن تجسد انفعالات عاطفية ممتلئة بالشعور بالحب تجاه ابنتها.

وكان عليها أن تجسد ملامح العنف والوحشية في مشاهد أخرى، بالإضافة إلى المشاهد القتالية على الطريقة الصينية، كل هذا أهّلها للفوز بأفضل ممثلة في ترشيحات الأوسكار لهذا العام، وكان أول آسيوية تحقق ذلك.

بينما كان "كي كوان"، على موعد مع تجسيد عدة أشكال للشخصيات، التي تعيش في أكوان مختلفة في اللحظة ذاتها، ومن الماضي، فهو الفقير الذي يعيش في أمريكا، وفي الوقت ذاته الرجل البرجوازي الغني الذي يعيش في كون آخر، وقد قدّم حركات قتالية رائعة خلال العمل الذي استمر 139 دقيقة.

تشعّب

هذا التشعب للعقل الإنساني المربوط بالتكنولوجيا الذكية، يفتح الباب أمام المزيد من التخيلات للعالم في المستقبل، ففكرة الأكوان المتعددة، ما هي إلا رمز، يعبر بالإنسان لمنطقة مغايرة من التفكير بالعالم، في وقت تخصص آلات ذكية يمكن للمرء أن يشبك عقله من خلالها، للانطلاق للعالم الذي يتمنى العيش داخله عبر الخيال، إذ يكون بإمكانه الانسياق مع وعيه بكامل حواسه خلال تلك التجربة.