ارفع صوتك


أثار حجب تطبيق "تلغرام" المفاجئ في العراق، استياء كبيراً خصوصاً بين مستخدميه في البلاد، من بينهم فصائل مسلحة، اعتبرت القرار استهدافاً لعشرات القنوات التي لجأت إليها بعد إغلاق مواقعها على منصات إلكترونية أخرى.

وفي تبريرها لقرار الحجب، قالت وزارة الاتصالات العراقية، في بيان، إن القرار جاء على خلفية "محددات تتعلق بالأمن الوطني وحفاظاً على البيانات الشخصية للمواطنين التي خرق التطبيق سلامة التعامل بها خلافاً للقانون".

وأضاف أن "مؤسسات الدولة، ذات العلاقة قد طلبت مراراً من الشركة المعنية بإدارة التطبيق المذكور، التعاون في غلق المنصات التي تتسبب في تسريب بيانات مؤسسات الدولة الرسمية والبيانات الشخصية للمواطنين".


وهذا الأمر "يشكل خطراً على الأمن القومي العراقي والسلم المجتمعي، إلا إن الشركة لم تستجب ولم تتفاعل مع أيٍّ من تلك الطلبات"، بحسب البيان.

هذه التبريرات لم تقنع الفصائل المسلحة التي أعربت عن غضبها إزاء الحجب. واتهم المدعو "أبو آلاء الولائي"، وهو الأمين العام لـ"كتائب سيد الشهداء"، الوزارة باستهداف قنوات "تليغرام" التي لجأت لها قنوات تابعة للكتائب لنشر محتوى يخدم مصالحها.

وحثّ تلك القنوات التي عدّد أسماء 16 منها قائلاً "فاصبروا وصابروا ورابطوا وانتظروا، إني معكم من المنتظرين".

حظرت الحكومة العراقية، اعتبارا من الأحد، تطبيق تلغرام في البلاد مما منع ملايين المستخدمين من تشغيل التطبيق الذي اكتسب شعبية متزايدة بين العراقيين خلال الأعوام الماضية.

تحرك برلماني

ما إن ظهرت تغريدة "أبو آلاء الولائي" على تويتر، حتى غرد رئيس كتلة "حقوق" النيابية، التابعة لإحدى الفصائل المسلحة، سعود الساعدي: "ما الذي بقي للدفاع عن وطنكم وعقيدتكم غير منصات الجهاد المؤثرة على التلغرام حتى تغلقوه؟.. إذا تم اختراق بقية تطبيقات ووسائط التواصل الاجتماعي فهل ستغلقونها جميعا؟".

ولم يتوقف نشاط الساعدي عند التغريد، بل وجه عدة أسئلة نيابية رسمية إلى وزيرة الاتصالات حول حجب التطبيق في كتاب رسمي، معتبراً الإجراء "خرقاً لحرية التعبير التي كفلها الدستور".

وتساءل عن الأسباب التي أدت إلى "قيام الوزارة بغلق تطبيق تلغرام على الرغم من الدور المهم الذي تؤديه هذه المنصة في مجال الإعلام ونشر المحتوى الهادف"، على حدّ تعبيره.

كما تساءل الساعدي عن "الضوابط والإجراءات التي تعتمدها وزارة الاتصالات بشأن الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية. وعن عائدية تطبيق تلغرام، وما إذا كانت الحكومة العراقية تمتلك حصة فيه، أو تقوم بتقاضي الرسوم والضرائب من المنصات الإلكترونية".

"قوى متصارعة"

في السياق، يقول المحلل السياسي أياد العنبر لـ"ارفع صوتك"، إن سبب اعتبار بعض الفصائل المسلحة قرار الحجب "استهدافاً لها"، يعود إلى أن المشهد السياسي عبارة عن "قوى متصارعة متنافرة تعتبر أي قرار تتخذه الحكومة موجهاً لها، فتسعى إلى تحشيد الرأي العام عبر منصاتها المنتشرة على المواقع الإلكترونية وبشكل خاص تليغرام".

ويرى أن المشكلة الأساسية "تكمن في عدم وجود تحديد واضح لإجراءات الحكومة إذا كان الأمر يتعلق بالأمن الوطني"، خصوصاً أن "لدينا العديد من المنصات التي تُستخدم لترويج خطاب الطائفية والكراهية، ومع ذلك لم يتم اتخاذ أي إجراءات بخصوصها" بحسب العنبر.

ومن الناحية السياسية، يقول العنبر، فإن "الصراعات السياسية تنعكس على أي قرار تتخذه الحكومة، بسبب عدم وجود ثقة بالحكومة بين الفرقاء السياسيين".

ونفى وجود خلافات خلف ستار السياسة تسببت بتأجيج الموقف، مبيناً "الأمور واضحة في العراق، إذ لا يوجد ضبط للصراعات السياسية التي تستخدم بين الفرقاء السياسيين لتصفية النشطاء وإسقاط الخصوم، كما لا يوجد مفهوم واضح لأن تكون مصلحة الدولة هي العليا ولا يوجد اتفاق على أن المصلحة الأساسية هي مصلحة المواطن والشعب".

يتابع العنبر: "والنتيجة النهائية، هم يتصارعون على أي موقف يعتبرونه يقلص سلطانهم أو نفوذهم وقدرتهم على التواصل مع جمهورهم أو نشر خطاباتهم".

"تقنيات احتيال وابتزاز"

أصدر مركز الإعلام الرقمي، وهو منظمة غير حكومية لرصد العالم الرقمي، في يوليو الماضي، تقريراً حذر فيه من "خطورة تليغرام على الأمن في العراق".

وجاء فيه أن "الدعم الفني السيءلتطبيق تليغرام وتجاهله لتبليغات المستخدمين العراقيين تسبب بتحوله إلى منصة مثالية للتخطيط والتدريب والتنفيذ للمخططات الاحتيالية والإجرامية في البلاد".

وأكد المركز، أنه "رصد خلال الأشهر القليلة الماضية تواجد عشرات قنوات التليغرام المخصصة لتطوير التقنيات الاحتيالية والابتزاز الإلكتروني، فضلاً عن تسريبها آلاف البيانات الخاصة بالمستخدمين العراقيين والأجهزة الأمنية والحكومية".

وانتقد "التعاون الضعيف من قبل الدعم الفني للمنصة رغم عشرات التبليغات التي تصلها حول المخالفات الإجرامية المرصودة".

وأضاف البيت أن "تقاعس منصة تليغرام وتأخرها في تقديم الدعم الفني والاستجابة لتبليغات الجمهور في العراق، سهّل على الجماعات الإجرامية الإعلان والترويج لأنشطتها المختلفة وساهمت هذه الثغرات التنظيمية في تطوير وتسريع مهارات الجريمة الرقمية في العراق".

ودعا المركز منصة "تليغرام" إلى "الإسراع بتغيير سياستها" محذراً إياها من "مغبّة استمرار عدم التعاون مع المستخدمين في تبليغاتهم ضد القنوات المخالفة التي تنتهك المعايير والقوانين المحلية والدولية".

المنصة المفضلة للعراقيين

يبلغ عدد مستخدمي "تليغرام" في العراق 16 مليون مستخدم، وتنشط عليه آلاف القنوات العراقية في مجالات مختلفة منها التعليمي والإخباري والترفيهي، بحسب إحصائية لوزارة الداخلية نشرت أواخر العام الماضي.

ويُرجع بحر جاسم، المتحدث الرسمي باسم "فريق التقنية من أجل السلام" إقبال العراقيين على استخدام هذا التطبيق أكثر من غيره من المنصات الرقمية، إلى "إمكانية نشر المحتوى مهما كان حجمه دون أن يفقد دقته، وفي ذات الوقت تحافظ الصور والفيديوهات على بيناتها الوصفية في حال إرسالها كملفات".

"والسؤال هنا" كما يقول جاسم، "ما النتيجة من قرار وزارة الاتصالات بحجب تلغرام وفي نفس الوقت يمكن استخدامه بصورة طبيعية من خلال تطبيقات VPN "؟ "وهل سيتم تجريم القنوات أو الجهات الإعلامية قانونيا في حال الاستمرار بالعمل على المنصة من خلال استخدام برامج الـVPN ام لا؟".

ويعتبر بحر جاسم "ضرر الحجب أكبر من نفعه على الحكومة العراقية"، لأن "هناك الكثير من العراقيين يستخدمون التطبيق خصوصاً في مجال التعليم والترويج للمنتجات".

أما بالنسبة لموضوع التسريب في البيانات التي حصلت بحسب بيان الوزارة، "فمن يمتلك تلك البيانات قادر على التوجه إلى منصة أخرى ونشرها، والخلل ليس في المنصة بحد ذاتها بل في تسريب البيانات الذي حصل من داخل مؤسسات الدولة"، يتابع جاسم.

ويدعو بدوره الحكومة العراقية إلى "بذل المزيد من الجهود للمحافظة على بيانات الموظفين والمواطنين، قبل أن نبدأ بخطوة حجب تطبيق لمجرد أننا لم نتمكن من المحافظة على هذه البيانات".

أستاذ الرياضيات في إحدى المدارس العراقية، بشار العيساوي، يقول إن "أكثر المتضررين من حجب تليغرام هم الأساتذة والطلبة، سواء الدارسين منهم في المدارس الحكومية أو الخاصة وطلاب المعاهد".

يوضح لـ"ارفع صوتك": "قنوات تليغرام ومنذ عام 2020 وأزمة تفشي فيروس كورونا، أخذت بالتوسع وأصبح الاعتماد عليها كبيراً من قبل الأساتذة والطلبة، وقرار حجب القنوات سبب ضرراً كبيراً لهذه الشريحة".

ويتوافق معه رأي طالبه عقيل وساف، يقول "كان الأجدر بالحكومة إيجاد القنوات التي سببت التسريب بالمعلومات ثم إغلاقها، وليس حجب القنوات جميعها حتى المفيدة منها وخصوصاً التعليمية التي تخدم الطلبة بشكل كبير".