لم يتردد البلشفيون في بسط نفوذهم بقبضة من حديد على كامل أراضي الاتحاد السوفيتي منذ نجاح ثورة تشرين الأول/أكتوبر عام 1917، متسببين على مدار أكثر من سبعة عقود في سقوط عشرات ملايين الضحايا بسبب الحروب والمجاعات والإعدامات.

واعتمد المسؤولون السوفيت على العديد من الطرق التي تراوحت بين الترهيب والعقاب والبروباغندا، ولضمان هيمنتهم على البلاد والقضاء على المعارضة.



وبرز الإعلام كأداة هامة لنشر الدعاية السوفيتية ومغالطة الرأي العام عن طريق الترويج لأوهام وأفكار خاطئة، إضافة لمراكز العمل القسري والتهجير والترحيل الجماعي.

ومن ضمن هذه الأدوات الإعلامية، يذكر التاريخ صحيفة البرافدا (Pravda) التي أججت الكراهية ضد نظام القيصر وساهمت في حشد الجماهير خلال الثورتين الروسيتين ودعمت الفكر الشيوعي طيلة الحقبة السوفيتية.



بداية ظهور البرافدا

وتعود أصول صحيفة البرافدا لعام 1903 حيث بدأت الأخيرة بالظهور بشكل محدود قبيل ثورة عام 1905 على يد المهندس الثري كوزهيفنيكوف (Kozhevnikov).

وقد اشتق اسم البرافدا من قانون روس الكييفية، الدولة التي ظهرت بين القرنين التاسع والثالث عشر وشملت مناطق من أوكرانيا وروسيا الحالية، المعروف بروسكايا برافدا (Russkaya Pravda). وفي البداية، اتجه المسؤولون بالبرافدا لعدم التدخل بالشؤون السياسية. لكن مع قدوم فلاديمير لينين، تحولت هذه الصحيفة لعامل سياسي بارز أسفر عن نجاح الثورتين الروسيتين.

كما اتجه البلاشفة بقيادة فلاديمير لينين عقب احتدام الصراع داخل حزب العمال الديمقراطي الاشتراكي الروسي وإقصاء المناشفة، لجعل البرافدا الصحيفة الرسمية للبلشفيين.



وظهرت أول نسخة من البرافدا بشكلها الرسمي التابع للبلشفيين يوم 5 أيار/مايو 1912، وهو التاريخ الذي يوافق ذكرى مولد كارل ماركس (Karl Marx)، واحتوى العدد الأول منها على 4 صفحات فقط.

كذلك اتجه العديد من العمال والمثقفين، على رأسهم الأديب والناشط السياسي ماكسيم غوركي (Maxim Gorky)، لتمويل البرافدا التي احتوت مقالات حول الاقتصاد وشؤون العمال والإضرابات، وذلك مع اكتسابها لطابع قانوني سمح بنشرها أثناء فترة روسيا القيصرية.

وخلال السنوات التالية، حصلت البرافدا، التي قدّر ثمنها بروبلين فقط، على عدد هام من المتابعين. ومع تزايد المشاكل العمالية والإضرابات، لم يتردد النظام القيصري في اعتقال العديد من المحررين بهذه الصحيفة قبل أن يتجه لحجبها بشكل كامل خلال شهر تموز/يوليو 1914 تزامنا مع اندلاع الحرب العالمية الأولى.

إلى ذلك، غيّرت هذه الصحيفة اسمها سبع مرات واتجهت لمواصلة النشر لأشهر عدة.



أداة دعاية سوفيتية

وخلال فترة الحرب العالمية الأولى، لعبت البرافدا دورا هاما في تأجيج الشعور المعادي للنظام القيصري كما ساهمت في حشد الدعم للبلشفيين في صفوف العمال عن طريق الحديث عن ظروفهم القاسية ومعاناتهم واتجهت فيما بعد لدعوتهم للثورة على القيصر نيقولا الثاني وإزاحته من الحكم بالسبل القانونية والغير قانونية.

مع عودتهم من المنفى بسيبيريا خلال شهر آذار/مارس 1917، استلم كل من جوزيف ستالين وليف كامينيف (Lev Kamenev) وعضو مجلس الدوما السابق ماتفي مورانوف (Matvei Muranov) شؤون إدارة هيئة التحرير بالصحيفة. وعقب ثورة شباط/فبراير 1917، اعتمدت الصحيفة تحت إدارة ستالين وكامينيف نهجا تصالحيا مع الحكومة المؤقتة ودعت لعقد صلح بين المناشفة والبلاشفة.



وانتقلت البرافدا عقب ثورة تشرين الأول/أكتوبر 1917، من سانت بطرسبرغ لموسكو تزامنا مع جعل البلاشفة الأخيرة عاصمة للبلاد واستعملت أثناء الحرب الأهلية لحشد الدعم ضد الجيش الأبيض والترويج للمشاريع الستالينية ما بين العشرينيات والثلاثينيات.

وبذلك، تحولت البرافدا للصحيفة الرسمية للبلاد واعتمدت لحدود العام 1989 كأداة رئيسية للدعاية السوفيتية.