بلومبرغ


تراكم الدعاوى القضائية في لندن وسويسرا يزيد احتمالية الانهيار الفوضوي لمجموعة "هندوجا" البريطانية–الهندية التي تقدر قيمتها بـ18 مليار دولار

خلال طفولته في لندن، كان كرم هندوجا الذي تعود أصوله إلى الهند، يستمتع بمشاهدة أفلام بوليوود برفقة جده سريشاند هندوجا الذي يقف على رأس إمبراطورية تجارية عالمية شاسعة.

قال كرم في مقابلة أجريت معه مؤخراً في جنيف: "مرة في الأسبوع، كنّا نشاهد معاً أي فيلم جديد، سواء كان جيداً أو سيئاً، من دون أن نفوّت أي أسبوع. هكذا ترسخت علاقتنا".


ما كان كرم ليتوقع أنه، وبعد ربع قرن من الزمن، سوف يصبح الرجلان جزءاً من دراما عائلية في الحياة الحقيقية أكثر تشويقاً حتى من أي حبكة بوليوودية. وعلى عكس معظم الأفلام المؤثرة التي شاهدها الجدّ وحفيده، فإن نهاية قصتهما ربما لن تكون سعيدة.

يعاني الجدّ المعروف باسم "إس بي" البالغ من العمر 85 عاماً من نوع من الخرف، فيما يخوض كرم مع أخته وأمه وخالته وجدته معركة في مواجهة باقي أفراد أسرة هندوجا حول تقاسم المجموعة التجارية البريطانية–الهندية التي تقدر قيمتها بـ18 مليار دولار.

يطالب جانب عائلة كرم بأمر لم يكن وارداً في الماضي، ألا وهو تقسيم أصول العائلة. إلا أن أشقاء إس بي الثلاثة، غوبيشاند وبراكاش وأشوك يصرّون على تمسّك المجموعة بشعارها الأزلي القائل إن "كلّ شيء ملك للجميع، ولا شيء ملك لأحد".

في الوقت الذي تتراكم فيه الدعاوى المقدمة أمام المحاكم في لندن وسويسرا، وسط مزاعم من قبل عائلة إس بي بأن بقية أفراد العائلة متحيزون ضد بناته لمجرد كونهن نساء، يبدو أن لا مجال للعودة إلى الوراء. وقد يودي هذا النزاع المرير إلى تخبّط وتفكك المجموعة البالغ عمرها 107 سنوات، ما يهدد واحدة من أكبر تكتلات الأعمال في العالم.

تضمّ مجموعة هندوجا الخاصة عشرات الشركات، بينها ستّ شركات عامة مساهمة في الهند، ويتجاوز عدد موظفيها 150 ألفاً في 38 دولة، يعملون في مجال صناعة الشاحنات والمصارف والمواد الكيميائية والطاقة ووسائل الإعلام والرعاية الصحية.

تعليقاً على ذلك، قال كافيل راماشاندران، خبير الشركات العائلية في كلية الأعمال الهندية: "يبدو أنهم وصلوا إلى نقطة اللاعودة". وأضاف: "من شبه المستحيل العودة إلى الفلسفة الاشتراكية القائمة على فكرة أن كلّ شيء ملك للجميع".

أكثر من قرن على النجاح

تأسست الشركة على يد الأب بارماناند جيبشاند هندوجا في عام 1914 في إقليم السند في الهند البريطانية، وكانت تنشط في مجال تجارة السلع، ولكن سرعان ما قام الأخوة بتنويع نشاطات الشركة، وكانت بداية مشوار النجاح من خلال توزيع أفلام بوليوود خارج الهند. وبفضل الصعود القوي للشركة، تمكن الأخوة من بناء علاقات مع شخصيات من طراز الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.

في لندن، أفراد العائلة هم جيران الملكة إليزابيث، حيث يتشاركون كالرتون هاوس تيراس، وهو عبارة عن أربعة منازل متصلة فيما بينها ذات تصميم جورجي على مقربة من قصر باكينغهام، حيث يقيمون حفل ديوالي السنوي بحضور لفيف من النجوم. ويعدّ إس بي وغوبيشاند اللذان يحملان الجنسية البريطانية، من أثرى الشخصيات في بريطانيا.

خلاف على رسالة

تقدّر الثروة الإجمالية الصافية للأخوة الأربعة بـ15 مليار دولار، وهم غالباً ما كانوا يظهرون بجبهة موحدة، إذ لم يكن هناك من شيء يوحي بوجود مشاكل ضمن عائلة هندوجا. ولكن كلّ ذلك تغير في العام الماضي، بعد أن سلّط حكم قضائي صادر في لندن الضوء على النزاع العائلي. إذ دافع غوبيشاند وبراكاش وأشوك عن صلاحية رسالة موقعة من الأخوة الأربعة تعود إلى عام 2014، تفيد بأن الأصول التي يملكها واحد منهم هي ملك للجميع، وذلك بعد أن طالب إس بي الممثّل من قبل ابنته فينو بملكيته وحيداً لمصرف هندوجا في جنيف.

يطالب جانب إس بي، بأن تَعتبر محكمة لندن أن الرسالة فارغة من "أي تأثير قانوني"، إلا أنه من غير المتوقع أن يصدر القرار في خصوص ذلك قريباً. ولكن، في حال نجح هذا المسعى، يعني ذلك أن الأصول التي باسم إس بي سوف تنتقل إلى ابنتيه فينو وشانو عند وفاته. في غضون ذلك، أعلنت محكمة في كانتون لوسرن في سويسرا، أن القضية بين إس بي وأخوته لا تزال عالقة بانتظار اتخاذ القرار حول الطرف الذي سوف يمثّل مصالح إس بي.

على الرغم من أن المصرف السويسري ما هو إلا جزء بسيط من إجمالي الأصول التابعة للعائلة، إلا أن القضية تطرح أسئلة في ما خصّ الملكية الأوسع. إذ يصوّر الأخوة الثلاثة الآخرون ما يجري على أنه محاولة من ابنتيْ إس بي للاستحواذ على النفوذ، ويتهمونهما باستخدام تراجع صحة والدهما للالتفاف على رغباته التي لطالما عبّر عنها.

أجندات خاصة

قال رادهاموهون غوجادهور، أحد مستشاري الإخوة في مقابلة: "كان لدى إس بي شعار واحد هو أن أحداً لا يمتلك شيئاً، فيما الجميع يمتلكون كلّ شيء". وأضاف: "أي طرف يقوم بأمر مغاير، هو يتصرف بشكل واهم أو يسعى إلى تحقيق أجندة أنانية خاصة. لقد صمدت هيكلية المجموعة في وجه تحديات شانو وفينو اللتين تختلفان مع رؤية والدهما حيال المجموعة".

أعربت شانو عن عدم رغبتها في التعليق على النزاع، فيما رفضت فينو طلب التعليق. وقال أشوك إنه لا يستطيع التعليق رسمياً. كما رفض المتحدث باسم الإخوة تشارلز ستيورات سميث طلب إجراء مقابلة معه، مشيراً إلى بيان سابق صادر عن الإخوة قالوا فيه إن هذه المساعي "تتعارض مع قيم مؤسسنا وعائلتنا".

تظهر دعوى قضائية أخرى مقدمة في لندن عام 2018 كيف يمكن لهذا النزاع أن يؤثر على الأصول الأخرى التي تمتلكها العائلة. فالنزاع الآخر يتعلق بأصول بقيمة مليار دولار موضوعة في البنك السويسري من قبل شركة مرتبطة بشركة "أشوك ليلاند" (Ashok Leyland) التي تعتبر واحدة من أبرز شركات المجموعة المدرجة في البورصة، وثالث أكبر منتج للحافلات في العالم.

بسبب الهيكلية المبهمة للحيازات، سواء من خلال صناديق ائتمانية أو مؤسسات خارجية، من الصعب تحديد ملكية الشركات التابعة للمجموعة. مثلاً، أسهم الأخوة في مصرف "إندوس إند" (IndusInd Bank) في مومباي الذي يعدّ أكبر مصرف خاص في الهند، موضوعة في مؤسسة مسجلة في جزيرة موريشيوس. حتى إن أماكن سكن الإخوة تعقّد الأمور أكثر. إس بي وغوبيشاند يقيمان مثلاً في لندن، فيما يقيم براكاش في موناكو، وأشوك في مومباي.

إدارة الأجيال الجديدة

صحيح أن طريقة تنظيم المجموعة نجحت في ظلّ الإخوة الأربعة، لكن ربما لن تنجح تحت قيادة الجيل الثالث والرابع من عائلة هندوجا الذين تسلّموا اليوم زمام الأمور.

وقال نايجل نيكولسن، الأستاذ في كلية الأعمال في لندن ومؤلف كتاب "حرب العائلات" إن "هذه الهيكليات القديمة سوف تنهار في العالم الجديد الذي يعيشون فيه". وأضاف "قدرة الحفاظ على الوحدة انطلاقاً من أفكار مبهمة حول الملكية المشتركة بدون هيكليات حوكمة واضحة أمر صعب".

على سبيل المثال، لدى حفيد إس بي، كرم البالغ من العمر 31 عاماً الذي تمّ تعيينه العام الماضي رئيساً تنفيذياً للمصرف السويسري وجهة نظر مختلفة حول ملكية شركته.

قال كرم: "إس بي هو مؤسس هذه الشركة، ولطالما كان ولا يزال المساهم الوحيد فيها". وأضاف: "في ظلّ عدم التوصل إلى اتفاق شامل، فإن أعضاء عائلتنا يملكون حصصاً فردية".

إلا أن مستشار الإخوة يخالفه الرأي.

قال غوجادهور: "لا توجد في مجموعة هندوجا أي ملكية فردية، وهذا يشمل المصرف".

كان كرم قد غيّر اسم المصرف إلى "إس بي هندوجا بنك بريفي" (SP Hinduja Banque Privee)، على الرغم من أن الاسم على الموقع الإلكتروني لمجموعة هندوجا لا يزال "بنك هندوجا سويسرا".

يقع مقرّ المصرف في مبنى متواضع عند طرف المدينة القديمة في جنيف، له باب أزرق بسيط ولوحة نحاسية صغيرة تحمل الاسم الجديد.

أقرّ كرم في المقابلة التي أجريت معه هناك، بأن توقيت تغيير اسم المصرف قد يبدو استفزازياً نظراً للمعركة القضائية الراهنة، إلا أن مجلس الإدارة يدعم هذه الخطوة وهي تتماشى مع الوضع القانوني للمصرف.

تحيّز ضد النساء!

يعدّ المصرف صغيراً نسبة إلى معاير المصارف الخاصة في سويسرا، حيث تبلغ أصول زبائنه 1.7 مليار فرنك سويسري (1.8 مليار دولار). مع ذلك، تحوّل إلى محطّ أنظار في المعركة العائلية، بعد أن ألمح كرم إلى أن النزاع يشوبه تحيّز ضد النساء، بما أن فرع عائلة إس بي تسيطر عليه النساء.

قال كرم، خريج جامعة كولومبيا: "إن الأمر صادم، ببساطة لا أستطيع أن أفهم هذا البغض تجاه فرع إس بي من العائلة". وتابع: "يجعلك ذلك تتساءل ما هي نظرة هؤلاء الأشخاص الأثرياء والمتأثرين بالغرب نوعاً ما وأصحاب النفوذ، حيال النساء ربما. لا أدري، هذا كلّ ما أستطيع أن أفكر به".

من جانبها، ترى شانو، والدة كرم التي تشغل منصب رئيسة مجلس إدارة المصرف السويسري أن صعودها إلى مركز قيادي في الشركة أمر "مفيد" لأنه يتماشى مع معارضة والدها لـ"تهميش النساء".

تقليدياً، تستبعد الشركات العائلية الهندية بناتها عن المناصب القيادية، إلا أن مستشار الإخوة وصف اتهامات كرم المتعلقة بالتحيز ضد النساء بالخاطئة تماماً. وأشار إلى أن الأختين فينو وشانو عضوتان في مجالس إدارة العديد من الشركات التابعة للمجموعة. وقال: "لو أن مزاعم التحيز ضد النساء هذه حقيقية، فلا أعتقد بأنه كان ليتم تعيينهما في مجالس الإدارة".

حتى الآن، لايزال السبب الذي أدى إلى اندلاع النزاع غير معروف خارج الدوائر الضيقة للعائلة، ولكن ينبّه البعض من عواقب ذلك على المجموعة.

قضايا سابقة

حذّر المستشار العام للمجموعة أبهيجيت موكوبادهياي في تدوينة لشركة المحاماة العام الماضي من أنه "ما إن تبدأ بالتفكير في التقسيم، وبأن هذا الجزء أنت تهتم به، وهذا الجزء أنا أهتم به، وهذا ملكك وهذا ملكي، وهذا ملك أخي الآخر، لا يعود بإمكانك الاستمرار طويلاً".

هذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها عائلة هندوجا الجدل. فقد تم التحقيق معهم في الثمانينيات على خلفية اتهامات بقبض رشاوي من أجل مساعدة شركة صناعة الأسلحة السويدية "بوفورس" (Bofors) على الحصول على عقد في الهند. إلا أن المحكمة عادت ورفضت النظر في القضية. وفي بداية الألفية، تورط اسم العائلة في فضيحة "المال مقابل جوازات السفر"، بعدما تبرعوا بالأموال لصالح بناء "قبة الألفية" في وقت كان يقدم فيه أس بي للحصول على الجنسية البريطانية. ومؤخراً، خضع براكاش للتحقيق على خلفية شبه التهرب من الضرائب من قبل المدعين العامين في جنيف، إلا أنه ينفي هذه التهمة.