عندما يصطفيك المولى عز وجل من بين عباده لخدمة العمل الخيري والإنساني، فإن هذا الاصطفاء لا يعطيك مهلة محددة للراحة والاستجمام، ولا يمهلك الكثير حتى تتردد في الإقدام على سلسلة طويلة من «المبادرات الإنسانية»، وهذا ما يميز العمل الخيري بأن أفكاره وميادينه الرحبة تعطيك النشاط المتجدد والإرادة الحية والعزم المتمكن لتكون أحد فرسانه المبدعين. هذه هي «القلادة الربانية» التي تلبسها تلك الطاقات الحيّة المنتجة في رحاب العمل الخيري، فقد نذرت نفسها لله بلا تلكؤ، وبذلت ما في وسعها إخلاصاً وقدوة دون انتظار لكلمات الشكر، ودون أي تردد في السعي في المشي في قضاء حاجات الآخرين وهو «ركن الإخلاص الأصيل في العمل الخيري»، فقد تطفح على السطح بعض النفوس الضعيفة التي لا تلبس هذه القلادة حباً للخير والجمع بين أجري الدنيا والآخرة، بل طمعاً في الصور الدنيوية الزائلة.

وفي المقابل تجد من يتفنن في أساليب العمل الخيري، ويقدم «الصورة التنموية» الخالصة في مسعاه للخير، بل ويتحرى المساحات الخيرية الآمنة ليقدم أجمل صور العطاء والأثر الجميل. وسبحان الله تجد آثارها الممتدة وأثرها البائن في النفوس ينتقل إلى شعلة حية من طاقة الدعاء. هذه الصور الجميلة ألمسها يومياً من خلال متابعتي لبرنامج الأثر الجميل «قلبي اطمأن» لبطله الخيري المبدع «غيث» الذي يطل علينا هذا العام في الموسم الخامس على التوالي، حيث يحكي في كل حلقة قصة جميلة مؤثرة في واقع الحياة، ويؤكد على أهمية رسم خارطة الأمل في حياة الأسر المحتاجة التي فقدت الأمل في إيجاد المتنفس الحقيقي لحياتها السعيدة، لدرجة أنك تجد -بكل حسرة- من رضي أن تكون نهاية رحلته بين أدراج «دار المسنين» لأنه لا يرضى أن يمد يده طلباً للمساعدة والحصول على لقمة العيش.. بل أن يكسب لقمة عيشه بيده.

لقد حان الوقت أن نرسم واقعاً أجمل لنطاق العمل الخيري والإنساني بمبادرات إنسانية أكثر واقعية وبخلق فرص إبداعية رائدة تساهم في تعاون الجميع بلا استثناء وتكافلهم من من أجل واقعية المشروعات والمبادرات الخيرية وقدرتها على علاج ثغرات حياتية خطيرة في واقع بعض الأسر المحتاجة والمتعففة. حان الوقت لنصنع «شخصية غيث» المتحفزة لعمل الخير والتي لا تعطي لنفسها فرصة للراحة، ولا تقبل التعثر، ولا تتذمر من الواقع الذي تعيشه، بل تجدها متحفزة في كل حين، قادرة على العطاء في كل وقت، لا يهمها ماذا ستحصد من أجور الدنيا، بل لإيمانها الخالص بأنها تعيش من أجل الله تعالى وحده، وأنها باقية هنا في ميدان «الأثر والاصطفاء» إلى ما شاء الله، ليقينها بأنها خلقت لتكون عوناً للآخرين وأداة للخير، حتى تظفر للفوز «بالفردوس الأعلى» وبدعوات المحبين والمنتفعين من تلك المبادرات ذات الأثر الجميل والصدقة الجارية الممتدة.

ومضة أمل

إنه الاستحقاق الحياتي والأخروي، بأن تكون شعلة من العطاء في واحات الخير، وأن تكون من أوائل المبادرين في كل مشروع يجلب النفع على نفسك أولاً بالأجور الخالدة، وعلى مساحات الخير في وطنك الذي بحاجة إلى عطائك السخي المؤثر. هنيئاً لمن رسم طريقه بأن يكون غيثاً في حياة الآخرين، ولا يقبل أن يكون بعيداً عن مساحات الأثر الجميل.