في لحظة ما وجدت نفسي محاطة بكم كبير من «الكراكيب». مجموعة كبيرة من الملفات تحوي أوراقاً كثيرة. دواليب ملآى بكراسات قديمة جداً. ملابس قديمة وإكسسوارات وتذكارات قديمة. لماذا كل هذا؟ إنها ذكريات الطفولة والمراهقة. حافظت عليها كي أرصد تاريخي. استثمرت لحظة شعوري بالفوضى وتخلصت منها دفعة واحدة. عززت شعوري بأنها ليست تاريخاً ولا تعني شيئاً أكثر من كونها «كراكيب»، فوضعتها في أكياس المهملات وأخرجتها من المنزل. ربما لو ترددت برهة، لو أعدت التفكير. لبقيت تلك «الكراكيب» في الخزنات ولما تمكنت من التخلص منها.

ماذا كان لدي؟ بطاقات معايدة من الزمن الجميل. بعضها بطاقات سياحية من دول مختلفة وبعضها بطاقات مطوية بدببة وأميرات. بطاقات ودفاتر مزودة بموسيقى هادئة. مذكرات لفترات متعددة من طفولتي سجلَت عليها صديقاتي مشاعرهن تجاهي. لم أعد أذكر العديد منهن! خصوصاً اللاتي لم يكتبن أسماءهن كاملة، أو اللاتي دونّ اسم الدلع فقط. لدي أشرطة الأغاني التي كنت أحبها. وعثرت على آخر مريول لي في الثانوية. ياااااه كم كنت نحيفة!. هدايا عديدة مثل ميداليات مفاتيح، وأقلام كبيرة ملونة بالريش والنجوم. وجدت كذلك كراسة التعبير في الصف الثاني الإعدادي. كانت كلمات الإطراء ونجوم المعلمة تؤجج الحماس فيّ كي أكتب أفضل. ولكن ماذا أفعل بكل ذلك؟ إنها مرحلة وانتهت. ويبدو أني توقفت عن أرشفة مقتنيات المرحلة الجامعية. لذلك لا معنى لتحويل جزء من غرفتي إلى متحف الطفولة.

يميل البعض إلى الاحتفاظ بمقتنياته القديمة لأسباب عاطفية. تعلق غريب بالأيام القديمة. أغلبنا لا يملك مهارة انتقاء القطع المتفردة ذات الدلالة. نحن نجمع كل ما نجده لتقديس مناسبة ما. أعرف بعض الفتيات صممن على الاحتفاظ بفساتين الخطوبة والزفاف. وبعد سنوات قليلة وجدنها قد فقدت ألوانها وبريقها، واحتلت حيزاً كبيراً في الخزانة. كما أن الزفاف قد صار أولاداً ومسؤولية ووجع رأس. فتبرعن بها لأقرب مكان يجمع الملابس المستخدمة. التراث المادي «الشخصي» في حياتنا يخرج من كونه ذكريات إلى موجودات متراكمة تستغرق منا عناية ووقتاً واهتماماً، ومشاعر مماثلة لم نعد نملكها.

هذا لا يلغي القيمة العاطفية للمقتنيات القديمة. إحدى صديقاتي احتفظت بمقتنيات المطبخ الخاصة بوالدتها. ترامس القهوة والشاي والصحون ذات الطابع التراثي. الفناجين المتناسقة مع الترامس. ولكن بعد سنوات من وفاة والدتها شعرت أنها قطع كثيرة وناقصة تزاحم القطع الموجودة في مطبخها. فتبرعت بها للمعارض الخيرية. وحين ترى صحوناً وأكواباً تماثلها تشعر بالحزن والحسرة أنها فرطت في قطع جميلة تخص والدتها. ولكن كيف نحتفظ بكل ما هو قديم لأنه، فقط، يمس مشاعرنا؟

هذا هو السؤال الذي يشغل عشاق الاحتفاظ بالذكريات. إنها فقط الذكريات. يتغير الزمن، ويرحل عنا الكثيرون ونبقى نحن أوفياء للذاكرة. وفي ذروة درجات الوفاء نحتفظ بمتعلقاتنا ومتعلقاتهم. الوفاء للذكريات هي التي تجعل البعض يدون مذكراته. ويبالغ في التقاط الصور لكل تحركاته. ويحرص على شراء التحف عند السفر. إننا ونحن نخطو خطوة كل يوم نحو المستقبل تبقى الذكرى تأسرنا ويبقى الأمس وما كان فيه ومن حضره سلسلة تشدنا نحوه.